الجمعة 31 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الحضارة الإسلامية حافظت على اللغة العربية والسوشيال ميديا تهددها.. فهل نحميها ؟

تحقيق وتصوير- علاء الدين ظاهر



عبر مئات وآلاف السنين ظلت اللغة العربية من أبرز وأروع منتجات الحضارة الإسلامية، حيث تزخر المنشآت والكنوز الأثرية بروائع وآيات اللغة والخط العربي، وكان ذلك سببًا رئيسيًا وقويًا فى الحفاظ على هذه اللغة وحمايتها من مخاطر كثيرة، وهى المخاطر التى زادت فى السنوات الأخيرة، مع الانتشار الرهيب لوسائل التواصل الاجتماعى «السوشيال ميديا»، والتى باتت لها لغة خاصة بها هى خليط من العربية والإنجليزية ورموز أخرى، مما جعل اللغة العربية فى حاجة ماسة لحمايتها من هذه المخاطر التى تهددها من أهلها أنفسهم.

ومن الأسباب التى جعلت الحضارة الإسلامية تحافظ على اللغة العربية، أنه فى العصر الإسلامى ارتفع شأن الكتابة، إذ كان الخلفاء والولاة والقادة يحتاجونها فى مكاتبة بعضهم البعض، ومع تطور الخط العربى تطورت الكتابة بشكل كبير، وكان الخطاطون أرفع الفنانين مكانة فى العالم الإسلامي، وقد ظهرت عدة أنواع من الكتابة، منها الكتابة التاريخية والتى اهتمت بتدوين أخبار الفتوحات الإسلامية، والكتابة السياسية لكتابة وتحليل المكاتبات بين الخلفاء والولاة.

أما الكتابة الدينية والتى ازدهرت فى العصر الأموي، من خلال حلقات النقاش التى جرت فى المسائل الدينية العميقة، مما استدعى الحاجة إلى تدوينها والرجوع إليها عند الحاجة إليها فى مسائل دينية مشابهة، فقد حرص الخطاطون على الفخر بآثارهم الفنية فزينوها بإمضاءاتهم، وعرفت كتابتهم دروبًا من الخطوط كالخط الكوفى، والخط النسخى والثلثى والريحانى والديوانى والتعليق، والإجازة، والرقعة وغيرها، وهو ما نراه مجسدًا على جدران المنشآت الأثرية خارجها وداخلها، كذلك على التحف والكنوز الأثرية التى تمتلئ بها المتاحف المختلفة وعلى رأسها المتحف الإسلامى بالقاهرة.

زخارف بديعة 

فى البداية قال الدكتور ضياء زهران المشرف العام على المراكز العلمية بقطاع الآثار الإسلامية والقبطية: إن اللغة العربية نالت مكانتها وقدسيتها نظرًا لأنها لغة القرآن ونظرًا لكراهية تصوير الكائنات الحية، فقد برع الفنان فى الخط العربى وأبدع وابتكر العديد من الخطوط وتحول الخط العربى إلى زخرفة بديعة فرأينا على العمائر الكوفى المورق والمزهر والمضفر والهندسى بالإضافة إلى الخط الثلث وقد أدى ذلك لانتشار ظاهرة الكتابات العربية على الآثار والتى تضمنت نصوصًا قرآنية أو تأسيسية أو دعائية أو تذكارية مما أسهم فى الحفاظ على اللغة العربية وقواعدها، مشيرًا إلى أن بعض مستخدمى وسائل التواصل الاجتماعى يتحدثون ويكتبون بالعربية والبعض الآخر يكتبون بالعامية، وهناك من ابتكر ما يطلق عليه الفرانك أربك، فالعبرة بالمستخدمين وليس بالوسائل نفسها.

أما محمد النجار الباحث المتخصص فى الآثار الإسلامية فكشف لنا جانبًا مهمًا فى هذا التحقيق، حيث حصل من كلية الآداب بجامعة طنطا على درجة الماجستير بامتياز مع التوصية من لجنة المناقشة والحكم بالطبع والتبادل مع الجامعات الأخرى، وذلك عن رسالته العلمية التى أعدها بعنوان «القاعات العربية بقصور القاهرة» عصر الأسرة العلوية.

الفنان المسلم 

وقال النجار: من خلال استخدام الفنان المسلم للخط العربى فى الزخرفة أصبح له بصمة تميزه عن غيره من فنانين الحضارات المختلفة، ومظهرًا من مظاهر الجمال، وقد أخذت النقوش الكتابية العربية نصيبًا كبيرًا من الشهرة والمكانة المرموقة بين الزخارف العالمية وما زالت بتلك المكانة حتى الآن.

ويعد الخط العربى أحد الفنون التشكيلية الذى يتجاوز دوره من وسيلة لنقل المعلومات والعلم والتعليم إلى الزخرفة، وبلغت أنواع الخطوط فى العصر العباسى نحو ثمانين نوعًا أو تزيد، وهذا بطبيعة الحال طرف فنى لم تبلغه أمة من الأمم، لذا استخدموا الآيات القرآنية والعبارات التى تحث على الألوهية والتوحيد والحمد، وورد اسم رسول العالمين سيدنا محمد ﷺ، والخلفاء الراشدين رضى الله عنهم أجمعين، أو الأحاديث النبوية الشريفة، بالإضافة إلى الحكم والأمثال وأبيات الشعر، إذ يعد الشعر من الفنون العربية الأدبية الأولى لدى العرب، وعبارات الترحاب بالضيوف.

وأصبحت الكتابات بالخط العربى وثيقة للتعرف على حال ثقافة وتاريخ ووصف الشعب المصرى واهتمامه باللغة العربية والخط العربى فى القاعات العربية بقصور الأسرة العلوية، واستخدمت أشكال البلاغة عند الحاجة إلى التشبيه والاستعارة المكنية، لتحقق اللغة العربية المكتوبة بالخطوط العربية المختلفة الأهداف والرسالة التى يبغون منها توصيلها للقارئ، بالإضافة إلى إظهار مدى الورع الدينى أو الرفاهية والثراء لصاحب المكان.

وكذلك عكست النقوش الكتابية الأثرية الكثير من الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية فى تلك الفترة، واستخدم الخط العربى بأنواعه المختلفة لتزيين أجزاء عديدة من القاعات، فظهر على الأبواب والأسقف والأعمدة والنوافذ والجدران داخل بحور كتابية بأشكال مختلفة منها الخط الكوفى وخط النسخ وخط الثلث، بالإضافة إلى الخطوط الجديدة وظهرت بالقاعات بالعربية بقصور الأسرة مثل الخط الديوانى الغزلاني.

اغتراب داخلى

وقد لعبت وزارة الثقافة بكل مجالسها ومكوناتها دورًا مهمًا فى الحفاظ على اللغة العربية، وهو ما جعلنا نسأل الدكتور هشام عزمى رئيس المجلس الأعلى للثقافة، والذى قال: تعد اللغة العربية من أهم مقومات الهوية العربية، فقد عملت على نقل تاريخ وثقافة الحضارات العربية عبر الزمن، وهى من أهم العوامل التى حافظت على توحيد الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، كما أسهمت فى حفظ تاريخ العرب منذ العصر الجاهلي، وأضفى نزول القرآن الكريم بهذه اللغة نوعًا من القدسية والعناية الإلهية، حيث تمتاز اللغة العربية بقدرتها على الإبداع والتكيف فى العديد من من المجالات والبيان والبلاغة، إذ إنها مقوم أساسى من مقومات أمتنا العربية والإسلامية، وقد أتاحت اللغة العربية الدخول فى عوالم زاخرة بالتنوع، كما أنها أبدعت بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصحى والعامية ومختلف خطوطها وفنونها.

وتابع قائلًا: غير أنه وللأسف، بدأت تلوح فى الأفق خلال السنوات الأخيرة مؤشرات على تراجع الاهتمام باللغة إلى حد يثير القلق من الغيورين عليها، ولا يخفى على أحد ما آل إليه حال اللغة العربية خلال السنوات الأخيرة، وما أصبحت تعانيه من مشكلات جعلتها تعانى حالة اغتراب داخلى فى وطنها، ناهيك عن الإهمال الذى تشهده على أصعدة كثيرة خاصة بين الأجيال الجديدة، وأصبح بعضهم يتقن اللغات أجنبية إجادة تامة فى الوقت الذى قد لا يتحدثون فيه اللغة العربية إلا نادرًا أو لا يتحدثون بها على الإطلاق، بل ووصل الأمر ببعضهم إلى اعتبار التحدث باللغة العربية سبة قد يوصمون بها من قبل أقرانهم على نفس الشاكلة.

والحقيقة أن انحسار استخدام اللغة العربية وتراجع استخدامها فى بعض الأوساط الشبابية، خاصة الذين يدرسون فى المدارس الأجنبية والدولية، يدق ناقوس خطر كبير فيما يتعلق بمدى قدرة هؤلاء الشباب على التعاطى مع المنتج الثقافى بكل أشكالة وأنواعه، فلقد أصبح استخدام اللغة الأجنبية هو السائد فى هذا الوسط وغاب استخدام اللغة العربية ليس فقط على مستوى اللغة الفصحى ولكن العامية أيضًا، ولقد أدى ذلك الإحجام بالتبعية إلى زيادة الإقبال من هؤلاء الشباب على المنتج الثقافى الأجنبى قراءة وموسيقى وغناء وغيرها من أشكال الإبداع.

تحصين الهوية 

وقال: نحن الآن فى أمس الحاجة إلى تبنى استراتيجية للعمل الجاد من أجل تحصين الهوية العربية والمصرية ودعم مقوماتها ومرتكزاتها، بغية ترسيخ الانتماء إليها فى قلوب الأطفال والناشئة وتعميق مفهومهًا فى عقولهم، حيث إن العروبة ليست مفهومًا عرقيًا أو عنصريًا بل هى هوية ثقافية موحدة تلعب اللغة فيها دور الحاضن والمعبر عنها والحافظ لتراثها، كما أنها تمثل إطارًا حضاريًا يرتكز على القيم الروحية والأخلاقية والإنسانية ويعمق جذور التنوع والانفتاح على الثقافات الإنسانية الأخرى دون الذوبان فيها.

وأضاف: تقوم وزارة الثقافة المصرية بجهود حثيثة للحفاظ على اللغة العربية، باعتبار أن الأخيرة هى الوعاء الحاوى للهوية الثقافية وتعد المحافظة عليها وصيانتها من معاول الهدم التى تفتك بها، ومنها جائزة الدولة للمبدع الصغير وهى للأطفال من 5- 18 سنة، حيث إن هذه الفئة العمرية تمثل أهمية كبيرة لجهود دعم اللغة العربية، ومشاركة النشء فى هذه الجوائز جاءت لتشجيعهم على القراءة والكتابة وتطوير معارفهم، كما كانت وزارة الثقافة شريكًا أساسيًا فى مبادرة «اتكلم عربى» التى أطلقتها وزارة الهجرة منذ عدة سنوات لتشجيع أبناء المصريين فى الخارج على استخدام اللغة العربية بصورة أكبر.

وأضاف: إننا نؤكد ضرورة اتخاذ كل التدابير والإجراءات التى تكفل الحفاظ على اللغة العربية وصونها وزيادة الوعى بأهميتها والعمل على زيادة استخدامها، وأن نتكاتف جميعًا لتعود إلى مكانتها التى تستحق، فلا نريد أن تعود اللغة العربية لتشكو مرة أخرى على لسان حافظ:

وَسِعْتُ كِتَابَ اللهِ لَفْظًا وَغَايَةً.. وَمَا ضِقْتُ عَنْ أَى بِهِ وَعِظَاتِ

فكيف أضيق الْيَوْمَ عَنْ وَصْفِ آلة.. وتنسيق أسْمَاءِ لِمُخْتَرَعَاتِ

أنا البَحْرُ فى أَحْشَائِهِ الدَّرْ كَامِنٌ..فَهَلْ سَاءَلُوا الْغَوَّاصَ عَنْ صَدَفَاتِ.