الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أحفاد على خطى الأجداد

أحفاد على خطى الأجداد

التاريخ كما المحيط تتلاطم أمواج أحداثه وحوادثه، يحتضن كنوز الخبرات، خلاصة البدايات والمآلات، شاهد عدل لا يعرف المجاملات، يقتنص جواهره، من يُجيد الغوص فى أعماقه بإخلاص وتجرد طلبًا لدروسه وحكمته.



فى عمر مصر الممتد، لأكثر من سبعة آلاف عام، سنوات انكسار تمضى كلحظات عابرة، أمام أعوام الحضارة والبناء  والانتصار.

أكرم  الله مصر بنعمة المكان والمكانة، وتعهد بحفظها، ما أخلص أبناؤها فى الأخذ بأسباب القوة، سنة الله فى الكون الاجتهاد والعمل وهو سبحانه ولى التوفيق.

أول دولة مركزية فى التاريخ بمعايير العلم، أرض ذات حدود ثابتة، يعيش عليها شعب متجانس يملك إرادة العيش المشترك، يحمى أمنه وحدوده جيش قوى، تدير شئونها حكومة مركزية.

المكان، يتوسط الكرة الأرضية، حلقة وصل قارات العالم، بوابة القارة الإفريقية، تضع قدمها عبر سيناء فى قارة آسيا، تطل على أوروبا عبر البحر المتوسط، وتتواصل مع ما تبقى من العالم عبر شواطئ البحر الأحمر.

قناة السويس شريان التواصل بين العالم، والربط بين «المتوسط» والأحمر بما لهما من منافذ وخطوط ملاحية للتجارة العالمية.

المكانة: تملك ثروة بشرية متنوعة القدرات والخبرات والإبداعات، من شمس حضارة الأجداد التى أضاءت ظلمات البشرية ونشرت دفء العلم والتقدم، ويواصل الأحفاد بما يسطرونه من بطولات وأمجاد فى معارك البقاء والبناء.

مصر دولة إفريقية فاعلة، وإسلامية عاقلة، وعربية رائدة، ومتوسطية، وهى دوائر أمن قومي، تعزز تنوع الشراكات الاستراتيجية وتعظم ثروات الدولة قدرتها الشاملة.

أهمية مصر الجيوسياسية المتعاظمة جعلتها مطمعًا للأعداء تاريخيًا، ينتظرون لحظة وهن وضعف للانقضاض عليها، فمنهم من استهدف الثروات، الهكسوس سكان الرمال أول احتلال لمصر، مرورًا بالآشوريين مائة عام، والفرس، فالإغريق والرومان، وصولًا للعصر الحديث.

تؤكد دروس التاريخ، أن الدولة كالإنسان، عمودها الفقري، هو جيشها، ما لها أن تقف منتصبة مرفوعة الهامة إلا بالحفاظ على قوته، فهو الدرع الواقية والسيف البتار لكل من تسوّل له نفسه المساس بحدودها وأمنها القومى.

على هذه الأرض الطيبة، قبل الميلاد بـ3200 عام، اجتمع الملك مينا بقادة جيشه لوضع خطة التحرك لتوحيد قطرى مصر الشمالى والجنوبى وانتصر، لتصبح مصر جامعة لشعبها موحدة القيادة، لتنطلق مسيرة الأسرات المتتابعة لبناء الحضارة التى يتدارسها علماء العالم حتى اليوم.

دروس التاريخ:

الأول: قوة الدولة فى وحدة شعبها، وتنامى قوة جيشها ومؤسساتها، ففى لحظات الضعف حدث الانكسار، فكان احتلال الهكسوس.

الثانى: الإرادة ومواصلة التضحية سبيل الأبطال لمعالجة ما يفسده الإهمال والغفلة رغم فداحة الأثمان، فالجد «سقنن رع»، قاد جهاد الاستقلال وبذل دمه، فى معارك طرد الهكسوس سكان الرمال، فكان أول قائد شهيد فى مصر، ليواصل أبناؤه جهاده، ارتقى الابن «كاموس»  شهيدًا، وينال «أحمس» عظمة الانتصار والثأر من قتلة والده وأخيه ويحرر أرضه.

الثالث: على خطى الأجداد يسير الأحفاد، فلم يستسلم شعب مصر وجيشها فى أى معركة، واجه الشعب الحملات الفرنسية وهزمها وأسر لويس التاسع فى دار «ابن لقمان»، وهزم الفدائيون ورجال الشرطة الاحتلال البريطانى فى مدن القناة، واستعاد الضباط الأحرار قيادة الوطن وعظموا قدرات الجيش.

الرابع: وحدة الشعب والتفافه خلف مؤسساته كفيل بتحقيق أعظم الانتصارات وعبور أسوأ الانكسارات، الإرادة والعزيمة وصلابة الجبهة الداخلية والقتال الجماعى، كل مواطن جندى فى ميدان عمله، فدائى فى جبهات القتال وساحات التعمير والبناء.

نستخلص ذلك من نكسة ٥ يونيو ١٩٦٧، فقدنا سيناء، و٨٠٪ من تسليح وقدرات الجيش، وأصيبت القيادة السياسية بصدمة زلزالية، دفعت الرئيس جمال عبدالناصر لإعلان التنحي، ليخرج الشعب فى أحلك لحظات التاريخ الحديث مطالبًا القائد بمواصلة تحمل المسئولية وإعداد الدولة لحرب التحرير.

تلك الحرب التى بدأها شعب وجيش مصر كل فى مكانه، ولو تبرع بجزء من قوته للمجهود الحربى لاستعادة بناء القدرة العسكرية، وما هى إلا أيام وبدأ الجيش عملياته القتالية  فى رأس العش وضربات جوية لتمركزات العدو، تبعث برسالة للاحتلال مفادها: لا استسلام ولا أمان لكم على أرضنا.

كان العبور العظيم فى السادس من أكتوبر، القاعدة التاريخية، الانتصار هو مآل كل مواجهات شعب وجيش مصر، فالمصرى خير أجناد الأرض.

الخامس: القتال لا يقتصر على جبهات النزال العسكرى، فتحرير كامل التراب الوطنى شهد فخر المعارك العسكرية انتصار السادس من أكتوبر وما تلاه من معارك دبلوماسية وسياسية وقانونية فى ساحات التحكيم الدولى، وفى هذا العدد تطالع شهادات أبطال قاتلوا فى كل تلك الساحات يؤكد ذلك.

فقد فرض انتصار أكتوبر على العدو الانصياع للإرادة المصرية، وكبده أثمانًا باهظة لا يقوى على خوض مغامرة جديدة خشية تكرارها، حقق الانتصار العسكرى تحرير  ١٥ كيلو مترا شرق القناة، تلته معركة دبلوماسية لإعلان مبادئ ثم اتفاقية سلام فى عام ١٩٧٩، تضمنت جدول الانسحاب الكامل.

انسحب الاحتلال من العريش، وماطل فى تسليم  طابا، باختلاق خلاف على مواقع علامات حدودية فكان القتال القانوني، الذى يستعرض تفاصيله الدكتور مفيد شهاب عضو اللجنة المصرية التى خاضت تلك المعركة الشرسة.

كان للإعلام دوره فى خطط الخداع الاستراتيجى، وللشعب دوره فى الدعم والصمود، وللعلماء دورهم، وللقادة عطاؤهم وللجنود تضحياتهم ولأجهزة الاستخبارات وجمع المعلومات وتحصين الجبهة الداخلية بطولاتهم.

وفى سيناء كان هناك جزء من الشعب نحو ٧٠ ألف مواطن فى يونيو ١٩٦٧، منهم من هجر، ومنهم من تصدى لمحاولات استقطابه من المحتل، والأعظم الفدائيون الذين تحولوا إلى مقاتلين يستندون إلى مخابراتنا العسكرية، رادارات بشرية، ترصد تمركزات وتحركات العدو وتنقل المعلومات.

السادس: أهل سيناء أبطال اصطفوا خلف وطنهم فى معارك التحرير ومعارك التطهير من الإرهاب فى السنوات العشر الإصلاحية، ويدعمون اليوم الوطن فى معركة التنمية والتعمير.

وفى هذا العدد الذى بين أيديكم سعينا لأن نبعث بهذه الرسالة  «الانتصار.. فى ثلاثية الفداء معارك التحرير والتطهير والتعمير»، فقد انتصرت مصر فى معركة تحرير سيناء بكامل ترابها برفع العلم المصرى على طابا ٢٥ أبريل ١٩٨٢، وانتصرنا فى القضاء على الفاشية الدينية وتطهير سيناء فى معركة الإرهاب، بالتوازى مع تحقيق انتصارات غير مسبوقة فى جبهات التنمية والتعمير.

التهديدات لن تتوقف ما بقيت مصر، وتعاظمت ثرواتها ومكانتها، وسيظل خط الدفاع الأول وعى الشعب ووحدته وقوة عزيمته، واستعداده للتضحية والفداء بالعرق والدماء، فى سبيل بقاء مصر آمنة ومواصلة مسيرتها التنموية.

 حفظ الله مصر وكل عام وشعبها وجيشها  متنامى القدرة والقوة.