الأحد 19 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

شم النسيم عيد لكل المصريين

الأجداد احتفلوا بالطبيعة والنيل منذ آلاف السنين
الأجداد احتفلوا بالطبيعة والنيل منذ آلاف السنين

اتسمت الحضارة المصرية عبر عصورها المختلفة بالاتصال والتواصل، خاصة فيما يتعلق بمظاهر الاحتفالات سواء كانت الدينية أو الاجتماعية، فكل عصر كان يأخذ من سابقه ويعطى تاليه، وهى السمة التى أبقت الحضارة المصرية مميزة وقوية طوال آلاف السنين، كما حافظت تلك السمة على كثير من مظاهر الحياة الاجتماعية واحتفالات الأعياد والمناسبات المختلفة، ومنها شم النسيم.



إذا كانت مناسبة واحتفالات شم النسيم مرتبطة بالحضارة القبطية والديانة المسيحية، لكنها ذات أصول وجذور مصرية قديمة، حتى أصبحت بمرور الوقت مناسبة يحتفل بها المصريون جميعًا، ويعتبرونها فرصة للاستمتاع بجمال الطبيعة، وهو ما سألنا عنه د.أشرف أبواليزيد رئيس الإدارة المركزية للمتاحف النوعية بوزارة السياحة والآثار، إذ قال إن مصر القديمة عرفت بالفعل مظاهر الاحتفال بشم النسيم، مضيفا: «اسم شم النسيم مصر القديمة لم تعرفه بهذا الاسم تحديدا، وكل هذه التقريبات بين هذا الاسم والكلمات القبطية أو المصرية القديمة هو اجتهاد، إذ إن شمّ (النسيم) كلمة عربية لها مدلول مختلف عن شمو المصرية القديمة التى كانت اسمًا لفصل الحصاد، والاحتفال بأعياد الربيع ليس مقصورًا على مصر وحدها وإنما يمتد فى بلاد الشرق الأدنى والأقصى ويأخذ أسماء عديدة أشهرها شم النسيم  فى مصر وعيد النيروز فى آسيا.

وأشار «أبواليزيد» إلى أن العيد كان مرتبطًا بالمعبود «رع» إله الشمس ومانح الحياة ومجرى النيل فى عقيدة المصريين القدماء، حيث يخرج المصريون فى الصباح الباكر نحو النيل يشهدون شروق الشمس على ضفافه ويقيمون احتفالاتهم بالقرب منه يأكلون الأسماك والبيض التى تعد رموزًا لرع وتجدد الحياة، وهذا الاحتفال كان فى شهر أمشير، حيث تنزل «الشمس الكبيرة» كما يسميها الفلاحون، حيث ينتهى الشتاء وتبدأ الأرض فى الاخضرار وتدب فيها الحياة غير أنه بدخول المصريين فى المسيحية ووجود الصوم الكبير الذى يسبق عيد القيامة بـ 55 يوما - تبدأ فى أمشير أيضًا - يمنع فيها تناول الأسماك وكل ما فيه روح.

وعن سر ارتباط السمك والفسيخ بشم النسيم، تابع أبو اليزيد: »كان أكل السمك من مظاهر الاحتفال بشم النسيم، والمصريون تمسكوا بعاداتهم وأعيادهم التى لا تتعارض مع الدين الجديد، وقد تقرر نقل الاحتفال به إلى ما بعد عيد القيامة مباشرة حتى يتسنى لهم أكل الأسماك والاحتفال وما زال هذا التقليد متبعا حتى يومنا هذا، وقد احتفظت إحدى البرديات بأغنية لأحد المحتفلين على ضفاف النيل، يقول فيها: «حمدًا للنيل.. ينزل من السماء، ويسقى البرارى البعيدة عن الماء، وينتج الشعير والحنطة ويمنحنا الأسماك، وهو الذى يحدد الأعياد للفلاح».

ولأن الاحتفال بعيد شمّ النسيم معروف من مصر القديمة، فإنه بعد انتشار المسيحيّة فى مصر فى القرن الرابع، واجه المصريون مشكلة فى الاحتفال بهذا العيد (شم النسيم)، إذ إنه كان يقع دائمًا داخل موسم الصوم الكبير المقدّس الذى يسبق عيد القيامة المجيد، وفترة الصوم تتميَّز بالنسك الشديد والاختلاء والعبادة العميقة، مع الامتناع طبعًا عن جميع الأطعمة التى من أصل حيوانى.

وكانت هناك صعوبة خلال فترة الصوم فى الاحتفال بعيد الربيع، بما فيه من انطلاق ومرح وأفراح ومأكولات، لذلك رأى المصريون المسيحيُّون وقتها تأجيل الاحتفال بعيد الربيع (شمّ النسيم) إلى ما بعد فترة الصوم، واتفقوا على الاحتفال به فى اليوم التالى لعيد القيامة المجيد والذى يأتى دائمًا يوم أحد، فيكون عيد شمّ النسيم يوم الاثنين التالى له.

وفى العصور الوسطى كان يتم الاحتفال بعيد شم النسيم، بدءا من العصر الفاطمى ومرورا بالعصر الأيوبى ثم العصر المملوكى، ورغم أن الاسم الفارسى لعيد الربيع «شم النسيم» هو النيروز ومحاولة البعض نسبته لإيران قبل الإسلام، إلا أن الأصل المصرى القديم أكثر قوة تاريخيًا، حيث ارتبط هذا الاحتفال بنهر النيل والطبيعة واحتفل به المصريون باختلاف دياناتهم.