الإثنين 20 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
زفة الوحدة الوطنية (2)
كتب

زفة الوحدة الوطنية (2)




 


 

كرم جبر روزاليوسف اليومية : 14 - 01 - 2011



ليس مهما أن يكون القاتل عاقلاً أو مجنوناً


(1)


- بينما كانت الأفراح والزينات تقام في القاهرة احتفالاً بزفة الوحدة الوطنية، قرر مندوب الشرطة عامر عاشور أن يحتفل بالمناسبة بطريقته الخاصة واختار قطار الصعيد مكاناً لجريمته.


- أياً كان مجنوناً أو عاقلاً، سليماً أو مهتزاً نفسياً، فنحن أمام «فصل بايخ» يزيد من مرارة حادث كنيسة القديسين، وينبه إلي ضرورة وقف «الزفة» والتقاط الأنفاس.
- لم يتضح حتي الآن ما هي دوافع الجريمة، وهل هي الصدفة أم الاستهداف، وهل كان القاتل يعرف الضحايا أم أوقعهم حظهم العاثر في طريقه، وهل كانت علي صدورهم علامات دينية أم لا؟
(2)
- كل هذه أسئلة ضرورية ينبغي الإجابة عنها قبل أن تحدد هل كان الحادث طائفيا أم لا؟ وإذا كان كذلك فما هي استراتيجية المواجهة في المستقبل لاجتثاث جذور الطائفية؟
- أخطر المشاكل أن المجتمع انقسم إلي «زفة مؤيدة» و«زفة مضادة».. الفريق الأول يطفئ النار بالماء فيزيدها اشتعالاً والفريق الثاني يطفئها بالزيت فتزداد توهجاً.
- لأننا لا نعرف لماذا اشتعلت النيران، وأن بعضها يمكن إطفاؤه بالماء، وبعضها بوسائل أخري، المهم الآن أن ينفض من حولها المتفرجون سواء كانوا مهدئين أو مهيجين.
(3)
- أمامي أمثلة كثيرة يصعب حصرها ولكنها توضح المفهوم الذي أقصده، ففور وقوع حادث سمالوط خرج فريق من «المحللين» يقول إن القاتل مهتز نفسياً أو مجنون وقدم عشرات التفسيرات.
- مثل هذا التفسير لا يلقي قبولاً لدي الرأي العام لأن سوابقه سيئة، ولأنه لا يحترم العقل والمنطق ولا يصدر عن معلومات وتحقيقات مؤكدة تجعل الناس يصدقونها.
- مثل هذا التفسير أيضًا يثير استفزاز واستياء الأقباط، وقال أحدهم في موقع إلكتروني: لماذا لا يقتل المجانين إلا الأقباط فقط، وهل هو جنون من نوع خاص؟
(4)
- «الزفة المضادة» لعبت دورًا أسوأ، وأمثلتها مفكر قبطي قال بالحرف «مذبحة سمالوط جريمة طائفية جري التخطيط لها منذ فترة طويلة، وإن الشرطي استهدف الأقباط دون غيرهم في القطار».
- تبعها «مفكراتي».. آخر يقول «لقد خرج المارد القبطي من القمقم ولن يعود إليه ثانية».. وثالث: «أصبح الأزهر هو الذي يصدر أوامره لقهر الأقباط وقمعهم بكل الوسائل».
- وامتلأت المواقع الإلكترونية بآلاف الرسائل والآراء التي تشارك في الزفة، فتحولها إلي جنازة، تعمي القلوب والعقول عن النظر العقلاني الهادئ لما يحدث.
(5)
- في ظل هذه الأجواء يتنامي الشعور بالعداء للوحدة الوطنية، بسبب الباكين عليها حزنًا، والصارخين فوق رأسها غضبًا، لأن جموع المصريين من أبناء الديانتين يتأثرون بما يحدث.
- المبالغة في التهوين من شأن الحوادث الطائفية تؤدي إلي استفزاز المعتدلين، الذين يرون أسباباً حقيقية للأزمة ينبغي علاجها وعدم السكوت عليها، فيتحولون من الاعتدال إلي الرفض.
- المبالغة في «التهويل» تؤدي أيضاً إلي استنفار المعتدلين لأن الضغوط التي تصل إلي حد الابتزاز من أي جانب تدفع الطرف الآخر لأن يكون ضاغطًا ومبتزًا.
(6)
- الحقيقة هي أن رجال الزفة والزفة المضادة هم أسوأ شيء ضد الوحدة الوطنية، وهم الذين يعرقلون الأفكار العاقلة البعيدة عن الانفعال والتوتر والعصبية.
- رغم ما حدث وما سوف يحدث، فهناك إحساس لدي غالبية المصريين بأن علاقات المسلمين والأقباط لا يحميها إلا التعايش السلمي الهادئ والعلاقات الطيبة والبعد عن كل صور الابتزاز والاستفزاز.
- هناك متطرفون من الجانبين يتصورون أن التصعيد والتهييج والإثارة هي أسلحة كسب المعركة.. دون أن يدركوا أن المنتصر فيها هو أشد الخاسرين.
(7)
- للأسف الشديد، يتصور البعض أن الزفة الإعلامية الكبري لها أثر ومفعول.. قد يكون ذلك في البدايات.. ولكن بمرور الوقت ودون حلول جذرية تتحول الزفة إلي «كدبة» لا يصدقها أحد.
- لعبت وسائل الإعلام دوراً مهماً ومؤثراً ومشكوراً في البداية، ولكن مع «الفراغ الخبري» ظهرت فنون الفبركة والإثارة وتقرأ كل يوم عشرين حكاية حول جناة الإسكندرية وكلها كاذبة.
- نفس السيناريو في حادث سمالوط، اختلاق لحكايات ووقائع ثم نفيها واستحضار غيرها.. وهكذا نمضي جميعاً في زفة صاخبة والدعوة عامة.


E-Mail : [email protected]