الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

اللواء معتز الشرقاوى: بكيت عندما استسلم الإسرائيليون فى « بورتوفيق»

اللواء معتز الشرقاوى: بكيت عندما استسلم الإسرائيليون فى « بورتوفيق»
اللواء معتز الشرقاوى: بكيت عندما استسلم الإسرائيليون فى « بورتوفيق»




وعلى مائدة أبطال أكتوبر يجلس باطمئنان وثبات اللواء أركان حرب معتز الشرقاوى أحد أبطال الصاعقة فى حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر ويقول البطل المصرى الذى لقبه زملاؤه بـ«الشبح».
علمنا ببدء حرب أكتوبر من الاذاعة، فقد كنت فى مدرسة الصاعقة كمعلم وعندما سمعنا الخبر كان احساسنا لا يوصف بالسعادة.
وبعد أربعة أيام تم استدعائى الى الكتيبة 43 مرة اخرى للمشاركة فى  المقاومة العنيفة للجنود الاسرائيليين فى نقطة لسان بورتوفيق وتم استدعائى ومعى رفيقى الشهيد رؤوف أبو سعدة، والذى كان معى منذ تخرجى فى نفس الكتيبة ونقل معى مدرسة الصاعقة فى توقيت متزامن.
ووصلنا الى مقر قيادة الكتيبة يوم 13 أكتوبر فى نفس يوم استسلام ضباط وجنود النقطة الحصينة الى الصليب الاحمر وكانت آخر نقطة حصينة تقع فى يد جنودنا بعد قتال عنيف استمر ثمانية أيام مستمرة.
وعلمت من زملائى ان نقطه بورتوفيق قد قاومت مقاومة شديدة ، وكان يتواجد بالنقطه 150 فرد مظلات اسرائيلى على أعلى مستوى وست دبابات بالاضافة إلى مواد تموينية تكفى ستة أشهر متواصلة ومحطات تحلية مياه البحر، فلم يكن الجنود بالنقطة يحتاجون للخروج من مواقعهم والقتال، بل كانوا يقاتلون من وراء الجدران، حتى سقطت يوم 13 اكتوبر بعد ان يأست من المقاومة المستمرة.
يصمت اللواء معتز قليل ويقول والله عندما دخلت النقطة ورأيت امكانياتها بكيت وقلت لو كنت أنا لما استسلمت حتى لو واجهتنى الدنيا ولكن لا يوجد لديهم عقيدة.
.ثم ُكلفت بقيادة السرية الأولى وُكلف رءوف أبو سعدة  بقيادة السرية الثانية من الكتيبة 43 صاعقة.
 وعبرت القناة لاستلام النقطة حيث كلفت سريتى بالدفاع عن تلك النقطة بعد استسلامها.
 يوم 22 اكتوبر تقريبًا علم أفراد الكتيبة 43 المتواجدون غرب القناة باقتراب الدبابات الاسرائيلية من السويس، وبدأوا يستعدون للدفاع عن بورتوفيق فى قتال المدن، وايضا لم يبلغنا احد بتلك التطورات وظللنا معزولين فى لسان بورتوفيق فى نقطة العدو الحصينة.
 فى بورتوفيق تحرك النقيب طلبة رحمه الله بمجموعة جنود لتأمين مداخل المدينة.
 اما السرية الثانية التى كان يقودها رءوف أبو سعدة فقد صدرت لها الأوامر باستطلاع وجود دبابات للعدو فوق جبل جنيفة، حيث وردت أنباء بوجود ثلاث دبابات فوق الجبل.
 وعندما وصل رءوف إلى قرب الجبل وجد قائد احد اللواءات المقاتلة فى تلك المنطقة وعلم منه بوجود دبابات للعدو فوق الجبل، وأمره الضابط بالطلوع الى الجبل وتدمير تلك الدبابات ، وعندما أندهش رؤوف من هذا الامر لأن الشمس ما زالت فى كبد السماء واى تحرك لهم سيكون مكشوفًا لمن هم فوق الجبل، أصر الضابط على تنفيذ الامر وبالفعل تحرك رجال الصاعقة تجاه الجبل لتدمير تلك الدبابات الثلاث المزعومة.
وبينما الرجال تصعد الجبل، فوجئوا بلواء كامل من دبابات العدو لا يقل عن ثمانيين دبابة تنزل من الجبل تجاه السويس والأدبية.
قامت الدبابات الاسرائيلية بالمرور على جنود الصاعقة بدون أن تضرب عليهم، ونظرًا لنعومة رمال الجبل فإن الجنود الذين مرت عليهم الدبابات لم يستشهدوا، انما تم دفنهم فقط فى الرمال، وكانت تلك إحدى عجائب الحرب التى عاصرتها.
 عاد رؤوف ابو سعدة إلى بورتوفيق بدون ان يشتبك مع العدو، وصدرت له الاوامر بالاحتماء فى بدروم أحد مبانى بورتوفيق للراحة والاستعداد للمعركة المقبلة (عمارة الديدى)، فى تلك اللحظة كانت الطائرات الاسرائيلية تقوم بتمهيد الطريق لاحتلال بورتوفيق، فسقطت قنبلة ثقيلة فوق العمارة التى يحتمى بها رءوف أبو سعدة ورجاله، وسقطت الأدوار الثمانية فوق رءوس الرجال، ودفنوا تحتها.
 وعند اقتراب دبابات العدو وعند مدخل المدينة المحازى للكورنيش قام رجال النقيب طلبه بإلقاء الالغام المضادة للدبابات على الطريق بدون تمويه أو حفر، فلم يكن هناك وقت للحفر ورص الألغام، واستتروا خلف احد أسوار الكورنيش.
 فبدأت الدبابات تضرب الألغام الملقاة بدون تمويه، وبدأت تفتح لها طريقًا وسط حقل الألغام واتخذت باقى الدبابات طابورًا خلف الدبابة الأولى، ومن الأحداث الغريبة ان انفجر احد الالغام بفعل طلقات الدبابة فأطاح بأحد البراميل المجاورة، ليستقر البرميل بجوار لغم ، وتمر الدبابة عليه بدون ان تراه وتنفجر الدبابة وتتوقف الدبابات الاخرى خلفها، فخرج النقيب طلبة من مكمنه وضرب أول دبابة مرة أخرى لتأكيد تدميرها، وجن جنون الدبابات الإسرائيلية وفتحت نيرانها عشوائيًا فى كل اتجاه وبغزارة شديدة، ليخرج رجاله مرة أخرى ويقتنصوا الدبابة الثانية، ليغلقوا الطريق تمامًا، ازدادت شراسة اطلاق النار الاسرائيلى على جنود النقيب طلبة ودفعوا بدبابة فنية لجر الدبابات المحطمة الى خارج بورتوفيق، ولم يحاولوا دخول المدينة مرة أخرى.
 بعد انفجار الدبابة الأولى تطايرت منها أجزاء معدنية وأجزاء من داخل الدبابة، كان منها خريطة احتلال بورتوفيق والتى وقعت فى يد النقيب طلبة، حيث لم تحترق تلك الخريطة مثل باقى الدبابة انما ظلت سليمة لتقع فى يده . كنا نشاهد هذا القتال عبر القناة من الجانب الآخر.
بعد هذه المعركة السريعة بيومين فوجئت برءوف أبو سعدة على الجانب الآخر للقناة ومعه رجاله الاحياء، بعد ان ظلوا تحت انقاض العمارة لمدة يومين، وبدأ رءوف ومن معه فى عبور القناة سباحة للوصول إلينا، ولسوء حظه فقد هام أحد قوارب العبور الخشبية من مرساه فى السويس ودفعه التيار الى مجرى القناة، فى تلك الاثناء كان الطيران الإسرائيلى شبه مسيطر على سماء المعركه ويقوم بمهاجمتنا طوال الوقت، فظن الطيار ان هذا القارب الخشبى به جنود أو معدات ، وكان القارب بالقرب من رءوف الذى يعبر سباحة، فهاجمت طائره سكاى هوك هذا القارب بقنبلة بلى، وهى قنبلة تنفجر، ويخرج منها عشرات القنيبلات فى حجم كرة التنس لتدمر كل ما فى اتجاهها، وشاهدت القارب الخشبى فى ثوان يتحول الى اشلاء من جراء الانفجار أمام عينى، واحتسبت رؤوف أبو سعده عند الله شهيدا وعدت حزينًا إلى الدشمة.
وبعدها بدقائق فوجئت برءوف أبو سعدةيدخل الملجأ وملابسه مبللة، وسط تكبيرات الرجال وفرحتهم بنجاته.
 فى هذه الاثناء كانت قيادة الكتيبة 43 قد تم ضربها جوًا، وتعطلت الاتصالات مع قيادة الكتيبة واصبحنا بلا اى اتصال مع أى وحدة عسكرية، فحاولنا تحقيق اتصال مع الفرقة 19 مشاه، وذهبت ومعى رؤوف أبو سعدة وبعض جنود سيرًا على الاقدام لتحقيق الاتصال مع الفرقه 19.
وبالفعل حققنا إتصالًا مع قائد الفرقة العميد يوسف عفيفى، واعلمناه بوجود سرية صاعقة فى النقطة بلسان بورتوفيق واننا نرغب فى فتح اتصال والحصول على بعض الامدادات من الفرقه 19 ، وهو ما تحقق بعد فترة..
 عدنا من الفرقة 19 بعد أن حققنا اتصالًا معهم وعلمنا ببعض من أوضاع القوات واصدرت الامر لرجالى بالاستعداد لتنظيم عمليات إغارة
فقمنا بعدد من العمليات الناجحة وهاجمنا افراد اسرائيليين متحصنين بمبانى على اطراف مدينة السويس، وحققنا نتائج جيدة فى تلك العمليات، وقمت بقيادة عمليتين من تلك العمليات، ومن خسائر العدو المؤكدة اننا قتلنا ستة جنود اسرائيليين فضلًا عن عدد من الاصابات غير المعروفة.
 بعد فترة أعلن عن وقف اطلاق النار فعليا وفصل القوات لنفاجأ بكمية من الطلقات الكاشفة تطلقها القوات الاسرائيلية فى الهواء ابتهاجا بخروجها من الثغرة صاحبها كم كبير من الطلقات النارية فرحًا، وأثناء فترة فك الاشتباك كان الجنود الإسرائيليون يتسللون الى مواقع قواتنا حول السويس وتتسول الحلوى، وقد شاهدت ذلك بنفسى وهذا يؤكد انهم كانوا يعانون نفسيًا وماديًا من الحصار أكثر منا.
 وتم فك الحصار وعدنا إلى معسكراتنا مرفوعى الرأس بعد ان سلمنا موقعنا لقوات مشاة مصرية، ولتنتهى بذلك حرب أكتوبر المجيدة بانسحاب القوات الإسرائيلية إلى شرق المضايق بينما لم تنسحب قواتنا مترًا واحدًا إلى الخلف.