الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

السيد يسين..غروب شمس الباحث عن الهوية العربية

السيد يسين..غروب شمس الباحث عن الهوية العربية
السيد يسين..غروب شمس الباحث عن الهوية العربية




كتبت- مروة مظلوم

الشخصية المصرية تنمو  وفقاً لاحتياجاته وخير دليل أنها تحولت من الشخصية الفهلوية فى الهزيمة إلى الشخصية الإيجابية فى معركة أكتوبر إلى الشخصية الثورية فى 25 يناير وهى الآن فى مرحلة البحث عن الإطار المتوازن المتكامل.. اختزل فى كلماته البسيطة سنوات من البحث عن الذات .. بعقيدة مؤمنة بأن الزمن لم يسطو على الهوية المصرية وإنما فقط منحها فرصة للتجديد.. بفكر منزوع العاطفة بعيد النظرة أثرى السيد يسين المكتبة العربية بمؤلفات اجتماعية وسياسية التزمت بالمنهج العلمى والتفكير النقدى وقدم فيها قراءة دقيقة للواقع العربي.

اشتغل السيد يسين  منذ وقت مبكر من مسيرته العلمية على الشخصية العربية والفكر القومى ومفهوم المواطنة وحوار الحضارات، كما توقف طويلًا أمام العولمة، مفهومها وتأثيرها وانعكاساتها عربيًّا وعالميًّا. لكن مع تصاعد التطرف والتكفير والعنف وتبنّى الجماعات الإرهابية القتلَ منهجًا ونظرية فى أوائل ثمانينيات القرن العشرين، بدأ السيد يسين العمل على تحليل ونقد الظاهرة ليقدم خارطة مهمة لجماعات الإسلام السياسي، كاشفًا ومفندًا الأسس التى قامت عليها مجمل أفكار وآراء قادتها.
قدم ياسين نقداً للفكر الدينى فى كتاب يحمل نفس الاسم  عام 2016  ينقسم الكتاب إلى قسمين رئيسيين، القسم الأول عنوانه «الفكر الدينى بين التشدد والتجدد»، ويتضمن أربعة فصول الأول عن المناظرة بين الكاتب وبين الشيخ «القرضاوى» عن أوهام استعادة الخلافة الإسلامية، والثانى نقد الفكر الدينى التكفيرى وهو تحليل نقدى لكتب المراجعات، والثالث عن محاولة تجديد البحث عن الإسلام والديمقراطية للتعرف على مواطن اللقاء، والأخير عن النظرية الأمريكية عن الإسلام الليبرالى.
أما القسم الثانى فموضوعه «تشريح للسلوك الإرهابى تحليل ثقافى» وهو يضم فصلين الأول عن ظاهرة الإرهاب والثانى تشريح لأبعاده.
وفى تقديمه للكتاب قال يسين «حاولت أن أتعمق فى دراسة التفكير التكفيرى حين تحول إلى إرهاب صريح عن طريق جماعات إسلامية متعددة على رأسها تنظيم «داعش»، الذى أعلن قيام الخلافة الإسلامية فى سوريا والعراق».
رأى يسين أن الفكر السلفى جيوب فكرية متخلفة، مقضى عليها بالزوال؛ لأنها مخالِفة لروح العصر، ومخالِفة للفهم الصحيح للدين الإسلامى. وظهر ذلك فى مناقشته مع شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب إذ قال له» أنا أرى التركيز فى الحوار مع العالم على المقاصد العليا للإسلام؛ القيم الأساسية للإسلام فى الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية. وأضفت أنه فى سورة الحجرات هناك آية يقول فيها المولى عز وجل: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير (الحجرات: 13)، يمكن أن تصبح أيقونة لحوار الحضارات لو طرحناه على العالم، الله عز وجل يقول «جعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا» لا لتتقاتلوا، وليس لكى يحارب المسلمون العالم كله ليدخلوه فى الإسلام، هذا مضاد لروح الإسلام، ومن ثم عند الحوار مع الآخر نذكر له هذه الآية القرآنية التى تصلح شعارًا لحوار الحضارات.
ناقش يسين فى عدة مقالات له مشكلة الهوية فقال» صراعها الهويات قائم فى كل العصور، غير أنه كان كامنًا ولم يسفر عن وجهه إلا فى لحظات تاريخية فارقة، لكن المشكلة الآن أن الهويات متصارعة فى العالم العربى وقد انتقلت من حالة التوازن إلى حالة الصراع. هناك تعدد فى الهويات فى العالم العربي؛ هناك الهوية القبلية مقابل الدولة، وهناك الصراع بين الأعراق ونموذجه الصراع بين الأكراد والعرب وبين العرب والبربر، ونجد صراعًا مذهبيًّا مستعرًا بين الشيعة والسنة. غير أنه إذا تأملنا ما يحدث فى ليبيا بين القبائل والدولة، وما يحدث فى اليمن بين الحوثيين وأهل السنة، وما يحدث فى سوريا على وجه الخصوص بين النظام العلوى وبقية طوائف الشعب؛ أدركنا أن صراع الهويات انتقل من حالة الصراع العنيف إلى حالة التوحشا فى التاريخ العربى الحديث والمعاصر.
حالة التوحش التى أصبحت ممارسة يومية لكل الأطراف المتصارعة فى سوريا، لكن النموذج الرئيس لحالة التوحش يمثلها تنظيم «داعش». بيت القصيد أن المسألة بدأت بمفهوم تكفيرى لغير المسلمين، ثم تحولت الجماعات التكفيرية إلى جماعات إرهابية سوَّغت لنفسها ممارسة أفعال العنف حتى ضدّ بعض المسلمين «الذين يوافقون الطاغوت على سياساته» وبالطبع كل الأجانب غير المسلمين يجوز قتالهم فى الخارج والداخل، فانتقلنا من التكفير إلى التوحش، والتوحش يتجلى فى داعش وخلافتها الإسلامية المزعومة التى أسسها وشكّلها الإرهابى «أبو بكر البغدادي»، ومارس التوحش علنًا بقطع رقاب الرهائن وإحراقهم وإغراقهم.
لقد اكتشفت كتابًا لأحد منظِّرى القاعدة اسمه «أبو بكر ناجى -اسم حركي- بعنوان: «إدارة التوحش.. أخطر مرحلة ستمر بها الأمة»، يقدم تعريفًا لهذه الإدارة أنها: «إدارة الفوضى المتوحشة» ويضع مهماتها بوصفها نظرية، وما نراه من ممارسات داعش يمثل تطويرًا لنظرية التكفير التى وضعها الدكتور فضل وأمثاله من فقهاء الإرهاب، ولنظرية التوحش التى وضعها «أبو بكر ناجي».
يذكر أن السيد يسين التحق بالمعهد القومى للبحوث الجنائية «المركز القومى للبحوث حاليًا» عام 1957م ليمضى فيه 18 عامًا، حيث تركه عام 1975م لكى يصبح مديرًا لمركز الدراسات السياسية والإستراتيجية فى الأهرام، واعتنى بعلم الاجتماع الأدبى الذى كان لا يزال ناشئًا وقتها «عام 1964م» وكذلك علم الاجتماع السياسي.
وفى عام 1967م وهو عام النكسة والهزيمة والمرارة اتجه إلى دراسة المجتمع الإسرائيلى دراسةً علمية، وانضمَّ إلى مركز الدراسات الفلسطينية والصهيونية بالأهرام عام 1968م الذى تحول بعد ذلك إلى مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية، وكان هذا التحول وراء تعمقه فى دراسة مناهج ونظريات البحوث الإستراتيجية، وقد رَأَس هذا المركزَ خلال المدة من 1975 إلى 1994م؛ حيث عُيِّن أستاذًا لعلم الاجتماع السياسى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية.
وفى عام 2012م أعاد تأسيس «المركز العربى للبحوث والدراسات» وضم إليه مجموعة من الخبراء فى الاقتصاد وعلم السياسة وعلم الاجتماع وعلوم الإعلام والتاريخ، ولا يزال يرأس هذا المركز حتى الآن.