السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«الإسلام السياسى».. وتوظيف «الخطاب الدينى» الذين «افتروا على الله».. وعلينا! الحلقة 4

«الإسلام السياسى».. وتوظيف «الخطاب الدينى»  الذين «افتروا على الله».. وعلينا!  الحلقة 4
«الإسلام السياسى».. وتوظيف «الخطاب الدينى» الذين «افتروا على الله».. وعلينا! الحلقة 4




تحليل يكتبه: هاني عبدالله

لأسباب مختلفة (تتعلق بـ«البناء المعرفي» لتيار الإسلام السياسى)، فإن أغلب الروافد «المغذية» لمعتقدات التيار، تقف فى موضع «الخصم» من مرتكزات «الدولة الوطنية» (أى دولة) بمفهومها المعاصر؛ إذ تتراجع تلك «المرتكزات» (عند أبناء تيار «الإسلام السياسى») فى مقابل إعلاء فكرة «دولة الخلافة»، وحتمية استعادتها.. ومن ثمَّ.. ينطلق جُل أبناء التيار - غالبًا - فى فهمهم لنموذج «الدولة الحديثة» ( الجغرافية، المُتعارف عليها) من أنها صنيعة «القوى الاستعمارية»، التى أسقطت «دولة الخلافة» فى عشرينيات القرن الماضي.. من دون الالتفات لعددٍ من الخصوصيات التاريخية، والحضارية، التى تزخر بها العديد من بلدان «الشرق الأوسط».. فالدولة المصرية (على سبيل المثال)، امتلكت – من الناحية التاريخية – حدودًا «مستقرة»، ومعروفة، حتى قبل تأسيس «دولة الخلافة» نفسها بآلاف السنين (باستثناء حقب تاريخية، معدودة).
وإجمالاً.. يؤسس «التيار»، هنا، توجهاته؛ اعتمادًا على رافدين «رئيسيين»: الأول؛ هو «المُنتج الفقهى» (الشرعي)، والثاني؛ هو «توظيف» هذا المُنتج (سياسيًّا، وتنظيميًّا)، فى إطار التخديم على مفهوم استعادة «دولة الخلافة» (المندثرة).. وفى مقابل هذا التأسيس؛ تبدو - فى كثير من الأحيان - الساحة «النقدية»، المتصدية لتفنيد «الدعاوى»، التى يؤسس عليها تيار «الإسلام السياسى» منطلقاته الفكرية، وكأنها تسير فى اتجاهين، لا يلتقيان إلا نادرًا: الأول؛ يتعلق بتفنيد مرتكزات «المنتج الفقهى» للتيار (كتوجه دينى).. وهو دورٌ، كثيرًا ما كانت تتم محاصرة المتصدين له، باتهامات (جاهزة)، مثل أنهم: «فقهاء السلطان»، أو «شيوخ الدولة».. والثاني؛ يتصدى له أنصار «الدولة المدنية الحديثة»، عبر تفنيد آليات «توظيف الخطاب الديني» من أجل إعلاء مصلحة التنظيم (أى تنظيم)، على حساب «كيان الدولة» ذاته، من دون التطرق (بشكل كبير) للجانب «الفقهي»، الذى يُصدّره التيار.
ومن هنا.. تحاول «الحلقات التالية» المقاربة بين الاتجاهين السابقين (نوعًا ما)، عبر التداخل بين ما هو «فقهي» (خصوصًا عندما يُرجح أبناء التيار آراءً بعينها، من دون سواها)، وبين ما هو «سياسي»، بشقيه: «النظري» (ترجيح آراء الغلو، والتشدد). و«التنفيذي» (حمل السلاح، نموذجًا).

 

فى سياق عمليات «التوظيف الفقهى»، التى يتخذها تيار «الإسلام السياسى» تُكَأة؛ للنيل من خصومه [سواء أكانوا حُكامًا أم أفرادًا]، يُعد «التكفير»، وإخراج هؤلاء الخصوم عن الملة، هو السلاح الأقراب عند أبناء التيار.. إذ تحفظ لنا الذاكرة «التاريخية» [فضلاً عن الأحداث المُعاصرة] العديد من وقائع الحُكم بـ«ردة» الخصوم الفكريين للتيار (سيكون لنا مع أحكام الردة «وقفة فقهية» تالية)، أو الحُكم بـ«كُفر» الحاكم بزعم أنه «لا يحكم بما أنزل الله».
وفيما كانت واقعة اغتيال الرئيس الراحل «أنور السادات» هى نموذجنا «التطبيقى» على هذا الأمر [بالنسبة لتكفير الحاكم، واستحلال دمه]؛ فإننا سنواصل – قليلاً – تحليلنا لما أنتجه صاحب فتوى «استحلال دمه» (أى: الأمير الضرير/ عمر عبدالرحمن) فى كتابه: [أصناف الحُكام وأحكامهم]؛ بحثًا عن محاولة «أعمق» للتقاطع مع «المرتكزات الفقهية» [التراثية] التى يؤسس عليها هذا التيار معتقداته.. إذ يُمكننا - هنا - ملاحظة أنّ ذروة هذا التقاطع (إلى جانب الاقتراب «المتشدد» من رمى الحاكم بالجور/ الظلم، أو العصيان/ الفسق، أو الابتداع.. ابتداءً)، تتمثل فيما يُسمى بـ«الحاكم الكافر» داخل سياقات التقسيم الفقهى [التقليدى]؛ إذ يُعد هذا المبحث الفقهى، هو نقطة الارتكاز الرئيسية للولوج إلى مبحث أحكام «من لم يحكم بما أنزل الله» عند أبناء التيار.
وفيما يتسع المجال التشريعى، ليشمل: الأحوال الشخصية، والمعاملات المالية، والفقه القضائى، والعبادات، والعادات الحياتية، والسياسة الشرعية، والتشريع الجنائى [بتقسيماته المُختلفة].. فإن تيار «الإسلام السياسى»، عندما يتصدى لمسألة: «من لم يحكم بما أنزل الله»؛ فإنه – عادةً – ما يختزل كُلَّ «المجال التشريعى» هذا فى نحو 4 أحكام [حدودية]، فقط (!).. ويصبح الحديث عن تلك العقوبات «الحديّة» (نسبة إلى الحد الشرعى)، وتطبيقها من عدمه، هو «الفصل» عندهم فيما إذا كان الحاكم كافرًا أم لا (؟!).. وعبر تصدير صورة ذهنية [متحاملة] عن كُفر الحاكم، أو ردته عن الإسلام، يُصبح من السهل – بعدها – إنزال ما يتعلق بأحكام «الحاكم الكافر» على أى من أصحاب الأمر [حتى لو كان متمسكًا بدينه، مقرًا بالشهادتين]، فى سياق المساعى السلطوية للتنظيم (أى تنظيم).
..وتمهيدًا لتلك النقطة.. انطلق الشيخ الجهادى «عمر عبدالرحمن» فى كتابه: [أصناف الحُكام]، من أحكام «الحاكم الكافر» – فى عُجالة – للولوج إلى أحكام «من لم يحكم بما أنزل الله».
■ ■ ■
واستند «الأمير الضرير» فى هذا المبحث إلى حديث عبادة بن الصامت (رضى الله عنه) قال: دعانا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فبايعناه.. فكان فيما أخذ علينا أن بايعناه على السمع والطاعة فى منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله.. قال: «إلَّا أن تروا كُقرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان».
..لينقل بعد ذلك جملة من «تفسيرات» الحديث، منها:
(أ)-  قال ابن حجر:
[قوله: «عندكم من الله فيه برهان» أى نص: «آية»، أو «خبر صحيح» لا يحتمل التأويل (1).. ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم (أى: ولاة الأمور) مادام فعلهم يحتمل «التأويل».. قال النووى: «المراد بالكفر هنا المعصية، ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور فى ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم مُنكرًا محققًا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيث كنتم» انتهى.. وقال غيره: المراد بالإثم؛ المعصية والكفر.. فلا يُعترض على السلطان إلا إذا وقع فى الكُفر «الظاهر».. والذى يظهر: حمل رواية الكُفر على ما إذا كانت المنازعة فى الولاية؛ فلا ينازعه بما يقدح فى الولاية إلا إذا ارتكب الكُفر وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية.. فإذا لم يقدح فى الولاية نازعه فى المعصية بأن ينكر عليه، ويتوصل إلى تثبيت الحق بغير عنف، ومحل ذلك إذا كان قادرًا. والله أعلم] (2).
(ب)- قال النووى:
[قال القاضى عياض: أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر ، وعلى أنه لو طرأ عليه الكفر انعزل.. وقال: وكذا لو ترك إقامة الصلوات والدعاء إليها.. قال: وكذلك عند جمهورهم البدعة.. قال: وقال بعض البصريين تنعقد له وتستدام له لأنه متأول.
قال القاضى: فلو طرأ عليه الكفر وتغيير للشرع أو بدعة؛ خرج عن حكم الولاية، وسقطت طاعته، ووجب على المسلمين القيام عليه، وخلعه، ونصب إمغم عادل إن أمكنهم ذلك، فإن لم يقع ذلك إلا لطائفة وجب عليهم القيام بخلع الكافر.. ولا يجب فى المبتدع إلا إذا ظنوا القدرة عليه.. فإن تحققوا العجز لم يجب القيام، وليهاجر المسلم عن أرضه إلى غيرها، وليفر بدينه] (3).
(ج)- قال الجوينى:
[الإسلام هو الأصل، والعصام.. فلو فرض انسلال الإمام عن الدين لم يَخْفَ انخلاعه، وارتفاع منصبه، وانقطاعه.. فلو جدد إسلامًا لم يعد إمامًا إلا أن يجدد اختيار] (4).
(د)- قال الشوكانى:
[وطاعة الأئمة واجبة إلا فى معصية الله، ولا يجوز الخروج عليهم ما أقاموا الصلاة ولم يظهروا كُفرًا بواحًا] (5).
وفيما خلُص «عمر عبدالرحمن» إلى أنّ الأمة أجمعت على أنّ الإمامة لا تنعقد لكافر؛ فلو طرأ على الوالى أو الخليفة كُفر سقطت طاعته، وخرج عن حُكم الولاية، ووجب على المسلمين القيام عليه، وخلعه، ونصب إمام عادل.. كان أن انطلق مؤلف «أصناف الحُكام» مباشرة إلى ما يريد فى مبحث: «من لم يحكم بأمر الله» (الفصل الثانى من كتابه).. وهو قضية وصفها «عمر عبدالرحمن» نفسه، بأنها أكثر القضايا التى ارتبك أمامها الكثير من العاملين للإسلام (6).
■ ■ ■
بدأ «الأمير الضرير» الفصل الثانى من كتابه، بشكل مباشر، بعبارة تقول: «نحـن أمام نوعين من الحكام»:
أحدهـما: مسلم يحكـم بكتاب الله، ولكنه ترك الحكم بما أنزل الله فى إحدى الوقائع أو بعضها وهو يعلم أنه بذلك عاص آثم.. والآخـر: يدّعـى الإسلام، ولا يحكم بكتاب الله، ولكن يحكم بتشريع وضعى يشرعه هو أو غيره من البشر ويحمل الناس على التحاكم إلى هذا الشرع الوضعى، منحيًّا شرع الله عن الحكم.
فما القول فى كل منهما؟.. وما نصيب كل واحد منهما من قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}؟ (7).
هـل يستـوى هـذا الحاكـم الـذى أسس بنيان حكمه على الإسلام وعلم أنه عبدلله ما عليه إلَّا أن يطبق حكم الله ويقيم شرع الله ... بيد أنه أتى معصية بتركه الحكم بما أنزل الله فى واقعة.. عصيانا لاجحودًا ولا استبدلاً ولا اعتقادًا بأفضلية شرع غير شرع الله.. وليس عنده تشريع غير شرع الله يأمر الناس بالتحاكم إليه.
هـل يسـتوى هـذا مـع مـن أسس بنيان حكمه على شفا جرف هارٍ من القوانين الوضعية فانهارت به فى نار جهنم.. فتجده لا يحكم بما أنزل الله لأنه لا يقيم حكمه على أساس أنه عبدٌ لله... بل يرى أنه هو أو غيره ــ برلمانًا كان أو حزبًا أو هيئة أو نظامًا ــ صاحب الحق فى التشريع من دون الله، أو التشريع مع الله..
إن الأول منهما - بلا جدال - إنما هو حاكم مسلم عاص.
■ عـاص: لأنه خالف مولاه فترك الحكم بما أنزل الله فى واقعة عصيانا لا جحودًا ولا استبدالاً وهو الذى عناه ابن عباس بقوله «إنه ليس بالكفر الذى تذهبون إليه، إنه ليس كفرا ينقل عن الملة {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} كفر دون كفر (8).
أمـا الثـانى - قاتلـه الله - فهو كافر... كافر... لأنه أراد أن يجعل نفسه - أو غيره - شريكًا لله، أراد أن يخلـع على نفسه صفة من صفات الربوبية وخاصية من خصائصها، ألا وهى حق التشريع، قال تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ} (9) ... من فعل ذلك فهو كافر قطعا وكفره كفر أكبر ينقل عن الملة وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم... هذا هو الحق الذى لا مراء فيه (!)
وفى الحقيقة.. قبل أن نتابع [فى وقت لاحق] تفصيل ما قاله الأمير الضرير، حول هذين «النوعين» من الحكام، على وجه التحديد.. لنا فى المقابل عدة ملاحظات:
أولاً : تبدأ «نسخة الكتاب» التى معنا، من بعد الفقرة التى تقول: [إن الأول منهما - بلا جدال - إنما هو حاكم مسلم عاص...] بشرح كلمة: (عاص).. ومع ذلك.. صادفنا فى بعض «الاقتباسات الجهادية» عن الكتاب، نفسه، اقتباسٌ يشير إلى أن هناك عبارة تسبقها، تقول: [مسلمٌ: لأنه يقيـم حكمـه على أسـاس أنّ الحُكـم والتشـريع إنما هو خالص حق الله تعالى لا يشاركه فيه غيره، ويعلم أن دوره - كوالٍ أو خليفة للمسلمين - هو أنه يحكم بين عباد الله بما أنزل الله...].. وهى عبارة (كما أوضحنا) غير موجودة بالنسخة [الموجودة معنا].. بل إنّ عدم وجودها يتماشى مع سياق الملاحظة التى ذكرناها بحلقات سابقة، عن أن الشيخ الجهادى كان أكثر ميلاً لحجب هذه الصفة (أى صفة المسلم) عن الحاكم الموصوف بغير العدالة المطلقة، كما بدا من عناوين كتابه.. وفى الواقع.. فإننا نميل إلى أنّ هذه الفقرة كانت موجودة بالفعل، وأنّ «عملية الحذف» جاءت تالية على تأليف المصنف [أى أنّ النسخة التى معنا (نسخة بداية الثمانينيات)، كانت «النسخة الأحدث» من الكتاب].. وهو أمر يعكسه – ابتداءً – ملاحظة [بصرية] بسيطة.. إذ عمد الشيخ فى نسخته «المُعدلة» إلى حذف وصف المسلم؛ ليتماشى مع ما لقنه لشباب «الجماعات الجهادية» وقتئذ، حول حتمية الخروج على الحاكم «الجائر» [ومن فى مستواه]؛ لأنه أصبح إلى الكُفر أقرب منه إلى الإيمان.. لكنه (للمفارقة)، لم يحذف «علامات ترقيم الفقرات» (Bullet)، التى تُوضع عندما يكون هناك أكثر من نقطة شارحة.. وهو ما يعنى أنّ هناك بالفعل فقرة كانت سابقة على تلك الفقرة.. كما أنّ وجودها – بالفعل – أكثر منطقية من حذفها.
ثانيًا: تبدو عبارة [الذى يدّعـى الإسلام، ولا يحكم بكتاب الله، ولكن يحكم بتشريع وضعى يشرعه هو أو غيره من البشر ...إلى آخره]، وكأنها «مربط الفرس» الذى أراد الشيخ الوصول إليه منذ البداية.. إذ تحمل العديد من الدلالات، هى الأخرى، منها:
■ وصف: «يدعى الإسلام»، وما تبعه من تصنيف «كُفرى» لهذا النموذج من الحُكام، يؤكد ما أوضحناه [من قبل] حول مفهوم «احتكارية الإيمان» الذى يدعيه أبناء تيار «الإسلام السياسى» (بمختلف روافدهم) فى مواجهة خصومهم.. وكأنهم «شقوا عن صدورهم» وأخرجوا ما فيها (!)
■ على عادة «التيار».. تم توظيف مصطلح «القانون الوضعى» فى غير موضعه؛ ليبدو وكأنّ «المصطلح القانونى» فى خصام مُستمر مع «الشريعة».. إذ إن «القانون الوضعى» [اصطلاحًا]، هو: (مجموعة القواعد المُستمدة من مصادر القانون؛ لتنظيم لسلوك الأشخاص.. وهى قواعد تضمن الدولة تطبيقها).. فكل قاعدة، أو مبدأ تم «تقنينه»، وإقرار «تطبيقه» من قبل الدولة، هو «وضعى» بالأساس [حتى لو كان مصدره «الشريعة الإسلامية» ذاتها].. فإذا فرضنا - مثلاً - أنه تم الرجوع إلى الشريعة بنسبة 100% فى صياغة مواد كل الفروع القانونية، حينها سينطبق وصف «القانون الوضعى» على الشريعة أيضًا.. وهو أمر معلوم – جيدًا – لدارسى القانون (10).
■  تبدو الخصومة بين الشيخ ومؤسسات «الدولة الوطنية» الحديثة (المجلس التشريعى، نموذجًا) أوضح ما تكون فى عبارة: [يشرعه هو أو غيره من البشر].. إذ كثيرًا ما سعى التيار «الجهادى» إلى اعتبار هذه المؤسسات «مؤسسات كفرية» غريبة عن البيئة الإسلامية(!)
.. ونكمل لاحقًا

 

    هوامش

(1)- يُقسّم علم «أصول الفقه» الأدلة الشرعية إلى «قطعية»، و«ظنية».. وتلك الثنائية ترتبط بثنائية أخرى، هى: «الثبوت»، و«الدلالة».. وعلى هذا.. تصبح الأدلة، على أربعة أصناف:
 (أ) ـــ دليل قطعى الثبوت والدلالة: وهو الدليل الثابت [يقينًا] وروده عن «الشارع» (القرآن/ الأحاديث المتواترة» الواردة بأكثر من طريق عن الرسول)، كما أنّ تأويله (دلالته) ليس عليه خلاف (أى: قطعى الدلالة)، مثل قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ}.
(ب) ـــ دليل قطعى الثبوت ظنى الدلالة: وهو الدليل الثابت [يقينًا] وروده عن «الشارع»، إلا أنّه يحتمل التأويل [أى: ربما يكون له أكثر من معنى]، مثل مقدار مسح الرأس فى الوضوء فى قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم للصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين}.
(ج) ـــ دليل ظنى الثبوت قطعى الدلالة: وهو الدليل «الراجح» وروده عن الشارع، بسند صحيح.. لكنه لم يصل إلى حد التواتر، مثل «أحاديث الآحاد» [خبر الواحد] (أى الحديث الوارد عن الرسول برواية «شخص واحد» فقط، بأى طبقة من طبقات السند).. إلا أن دلالته قاطعة فى معناها.
(د) ـــ دليل ظنى الثبوت ظنى الدلالة: أى «خبر الواحد» الذى يحتمل التأويل، مثل معنى «التغيير باليد»، أو معنى «المنكر» فى حديث أبى سعيد الخدرى: [من رأى منكم منكرًا فليغيره... إلى آخر الحديث].
(2)- فتح البارى: (13/6).
(3)- شرح صحيح مسلم: (12/ 229).
(4)- غياث الأمم: (98).
(5)- الدرارى المضيئة: (2/ 301).
(6)- عمر عبدالرحمن، «أصناف الحُكام وأحكامهم»، ص: 56.
(7)- المائدة: آية 44.
(8)- تفسير القرآن العظيم: (2/ 62).
(9)- الشورى: آية 21.
(10)- تتوافق الشريعة الإسلامية بنسبة تقترب من 85% مع «القانون الوضعى» (أى: المُطبق) فى مصر.. وهو ما سنوضحه بشكل تفصيلى لاحقًا.