الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

رحيل الطاهر مكي عميد الأدب المقارن

رحيل الطاهر مكي عميد الأدب المقارن
رحيل الطاهر مكي عميد الأدب المقارن




إعداد - رانيا هلال

أفل عن مجرة اللغة العربية شمس من شموس عالم اللغة والأدب، لقبه محبوه بـ«عميد الأدب المقارن»، وهو أحد أبرز علماء مصر فى اللغة العربية والتراث الأندلسى بتنويعاته التاريخية والأدبية هو «د.الطاهر أحمد مكي»، له مؤلفات عديدة مثل «الأدب المقارن.. دراسات نظرية وتطبيقية»، إضافة إلى كتب مترجمة ودراسات.
ولد الطاهر أحمد مكى يوم 7 أبريل 1924 فى محافظة قنا (جنوب مصر)، ودرس فى المعهد الأزهرى فى مسقط رأسه بقنا؛ حيث حفظ القرآن الكريم وتلقى علوم اللغة والأدب، ثم انتقل إلى القاهرة وتخرج فى كلية «دار العلوم» عام 1952، ثم حصل على الدكتوراه فى الأدب والفلسفة عام 1961 من كلية الآداب بالجامعة المركزية فى العاصمة الإسبانية مدريد.

تولى الطاهر مكى عديدًا من الوظائف الأكاديمية؛ منها وكيل كلية دار العلوم للدراسات العليا والبحوث حتى عام 1989، وأستاذ زائر بجامعة بوغوتا الكولومبية، التى تعرّف فيها على الأدب المكتوب بالإسبانية فى أمريكا اللاتينية.
كما عمل أستاذا زائرًا فى جامعات تونس ومدريد والمغرب والجزائر والإمارات.
توجه إلى مجال الأدب الأندلسى والترجمة بحكم أنه كان يجيد الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية، إضافة إلى اللغة اللاتينية القديمة وكان معجبًا بالأديب المصرى طه حسين، وقال إنه أحبه كخطيب أكثر من محبته له كأديب؛ لكونه -أى طه حسين- كان مناصرًا للعربية ويرفض تمامًا الكلام بالعامية.
من أهم المؤلفات والترجمات والدراسات استحق عنه لقب «عميد الأدب المقارن»؛ إذ ألف عشرات الكتب فى حقول معرفية مختلفة؛ من بينها «دراسة فى مصادر الأدب»، و«الشعر العربى المعاصر.. روائعه ومدخل لقراءته»، و«امرؤ القيس.. حياته وشعره» عام 1968، و«الأدب المقارن.. دراسات نظرية وتطبيقية» عام 2002.
كما ألف كتاب «الأدب الأندلسى من منظور إسباني»، و«دراسات أندلسية فى الأدب والتاريخ والفلسفة». و«بابلو نيرودا.. شاعر الحب والنضال» عام 1974. ومن أبرز أعماله تحقيق كتاب «طوق الحمامة» لابن حزم الأندلسي.
ولم يتوقف مكى عند التراث الأندلسى فحسب، وإنما ترجم نحو عشرة كتب من لغات أجنبية إلى العربية؛ فترجم من الكتب الإسبانية ملحمة «السيد» عام 1970، وهى قصيدة ملحمية تتناول بطولات البطل القشتالى «رودريغو دياث دى بيبار»، ومن اللغة الفرنسية ترجم «الحضارة العربية فى إسبانيا» لـ«ليفى بروفنسال» وغيرهما.
■ محمد أبو عوف: راهب العلم واللغة
أول ما قابلت اسمه كان على غلاف «طوق الحمامة» لابن حزم الأندلسى محققًا، والمرة الثانية كانت فى مناقشة دكتوراه فى كلية دار العلوم، رأيت عالمًا ألبسه الله هيبة العُلماء، رغم تواضعه والشعور الأبوى الذى تشعره بمجرد أن تراه، جميع كلماتى عنه لن تفى حقه فالرعيل الأول من الأساتذة لن تعوضنا الكلمات عن فقدانهم، لكننى عرفت منذ مدة قريبة أنه لم يتزوج وعندما سُئِل عن هذا،، ونشرت إجابته فى مجلة الخفجى الخليجية، قال لقد أحببت فتاة إسبانية أثناء وجوده شابا فى إسبانيا، والظروف الاجتماعية والعادات تلزمه أن يخبر أهله قبل أن يقدم على مثل هذه الخطوة، وبالفعل أخبرها أن عليه أن ينزل إلى مصر ويخبر أهله وهو يعلم رد فعلهم مسبقًا بالرفض بحكم العادات الشرقية وقتها، وعندما عاد من سفره، كانت دخلت الدير ووهبت نفسها للكنيسة وقرر بعدها ألا يتزوج، وبالفعل لم يتزوج إلى أن توفى وفاءً لها، فهى الحب الأول والأخير والذى عاش على ذكراه طيلة حياته المديدة، قصة نراها فقط فى السينما ونقرأها فى القصص، لكن الطاهر مكى حققها على أرض الواقع رأيت فيها المحب العاشق، يبقيها التاريخ لنتعلم منها معانى الوفاء. فهو أخلص لحبيبته وأخلص للعلم، فإلى جانب أستاذيته فى دار العلوم، كان يتحدث اللغات بطلاقة منها الإسبانية والإنجليزية، فهو النموذج الذى نفتقده والذى نسعى للوصول إلى بعض من إخلاصه لعمله ولقلبه. رحمه الله، برحيله فقدنا رجلًا لن يأتى مثله أبدًا، فقط نحاول أو نحذو حذوه، فهناك من يتركون آثارا نهتدى بها الظلام، وهو واحد منهم.
■  د.رشا غانم: كنا معه فى معية العلم والحكمة
علمنا بناء أطر جديدة من الأمل والتفاؤل والحزم، والمسئولية، تجعلنا نشعر بقيمتنا فى الحياة ونحدد أهدافنا بعناية شديدة. عندما أتحدث عنك وقد تكرَّمت بالإشراف على رسالتى للدكتوراه منذ خمس سنوات أجد ذاكرتى تضم مواقف كثيرة، ولكن مهما أطلقت لسانى فى سردها لن أحصيها؛ لأنها ببساطة لم تكن مجرد كلام يقال، بل أفعال يقف الضمير أمامها مثنيا على الإخلاص والتفانى والحرص على منفعة الطالب، وتزويده بالكتب المطلوبة من مكتبته العامرة حتى أنه كان يحملها لنا من منزله إلى مكتبه بالكلية، وقد ينتظر منا أن نأتى ونأخذها؛ لتيسر لنا ما نحتاج تفسيره، وتضىء أفكارنا ونحن فى معية العلم، وهو فى كل ذلك لا يمل ولا يسأم بل يعطى لا ينتظر عطاء. وقد كان حنوه على تلاميذه، ورعايته لهم حنوًّا أبويًّا صادقًا عرفه له تلاميذه ومحبوه فأصبحوا متعلقين به تعليقًا كبيرًا، وهذا الوفاء الذى نراه فى كثير من تلاميذه هو الشيء الذى نفتقده أحيانا، فى من يحيط بنا من تلاميذنا، وقد أكرمه الله بهذه الميزة. أما عن إنتاجه العلمى فله من المؤلفات الكثيرة والجهود المضنية لخدمة التراث فقد أثرى المكتبة العربية بالعديد من الأعمال القيمة التى تنوعت بين التأليف والترجمة والإبداع من أشهرها: «امرؤ القيس حياته وشعره»، و«دراسات فى مصادر الأدب»، و«القصة القصيرة: دراسات ومختارات»، و«الشعر العربى المعاصر، روائعه ومدخل لقراءته»، وله من الكتب المحققة: طوق الحمامة لابن حزم الأندلسي، «الأخلاق والسير فى مداواة النفوس» لابن حزم الأندلسي، الأدب المقارن أصوله وتطوره ومناهجه»،  وهذا الكتاب الثرى والمفيد وغيره من الدراسات التطبيقية المقارنة كـ، وملحمة السيد، شعراء التروبادور، ظاهرة الموت بين نازك الملائكة ولوركا، أثر المعراج النبوى فى الكوميديا الإلهية، وتأثيرات كتاب طوق الحمامة لابن حزم على دانتي، وكتاب تربية العلماء لبدرو الفونسو، وقصة ريح الأصدقاء لثربانتس وتأثرها بقصة عربية، وقصة صلاح الدين الأيوبى فى الآداب الأوروبية جعلته عميد الأدب المقارن فى مصر والوطن العربي، حيث قضى سنوات أستاذا زائرًا فى جامعة بوجوتا عاصمة كولومبيا مكنته هذه الإقامة بالاتصال المباشر بشعب من شعوب أمريكا اللاتينية والتعرف الوثيق على الأدب المكتوب بالإسبانية فى هذه القارة والاهتمام به، حتى أصبح واحدًا من تخصصاته الأدبية الكثيرة، أما عن أهم محطة فى حياته فهى الأندلس والذى يعد رائد الدراسات الأندلسية يقول عنها «هى تمثل محطة فاصلة فى تاريخ حياتي، رأيت عالمًا جديدًا، فشغلت بمعرفة الأسباب التى جعلته يصل إلى هذا الرقى والتى تمنيتها لوطني، واحترام الإنسان هناك شىء أساسى مع أن احترام الإنسان فى الأصل مبدأ إسلامى: (ولقد كرمنا بنى أدم وحملناهم فى البر والبحر) ولكن وجدت احترام الإنسان واقعًا موجودًا هناك مما هو موجود فى بلادنا، هذا الانفتاح غذى ما عندي، وطعمه بزاد ما كان يمكن أن يتوفر لى لو لم أذهب إلى «إسبانيا».. وعندما سئل فى حوار أجرته مجلة الخليج معه كيف ترى ما تكتبه الأجيال الجديدة؟ قال: «هذا الجيل يتمتع بإمكانات لم يتمتع بها أى جيل سابق، ولكن هناك تدهورًا ملحوظًا ومن أسبابه سهولة النشر، خصوصًا فى الهيئات الرسمية، التى تنشر مستويات لا تليق بالحركة الأدبية فى مصر.
■ محمد سالم عبادة: أستاذ الأساتذة ومشكل وعى الأجيال
أتصور أن كل المهتمين بالأدب العربى فى مصر على الأقل يعرفوه جيدا، كنت محظوظ بمعرفة أهميته مبكرا، وأنا فى الصف الثانى الإعدادى اشتريت كتابه (الشِّعر العربى المعاصر: روائعُه ومدخلٌ لقراءتِه) الصادر عن دار المعارف، وقد عرفته من خلال أستاذى فى اللغة العربية أ.حسين الجندى فى (الحلمية الإعدادية القديمة للبنين) وهو كان أستاذى فى إلقاء الشِّعر، ظل هدا الكتاب المرجع بالنسبة لى فى فهم تيارات الشِّعر العربى من النصف الثانى للقرن الـ19 لما بعد منتصف القرن العشرين.. وجدت به شعراء عرب مهمّين فى الحقيقة انحصرت علاقتى بمنجَزهم الشِّعرى فى مختارات الدكتور (الطاهر مكي) لهم فى كتابه هذا.
فى أولى ثانوى قُدّر أنى أقرأ كتابه (امرؤ القيس: حياته وشِعره)، وفضل امرؤ القيس بالنسبة لي-بغض النظر عن طعون الدكتور طه حسين وغيره على نسبة أشعار امرئ القيس-من خلال الكتاب هذا هو النبع الصافى للذهنية العربية شِعريًّا، وعزّزها مسرحية (اليومَ خمر) لمحمود تيمور..
فى سنة البكالوريوس قُدّر انى أقرا (طوق الحمامة فى الألفة والآلاف) لابن حزم الأندلسى بتحقيق وشرح أستاذنا الطاهر مكي، متقاطعًا مع ما يجب أن يتقاطع معاه من أحداث حياتي..ومن أقل من سنتين قرأت كتابه عن القصة القصيرة، بمختاراته ودراسته..الأكيد أنه واحد من أهم الناس الذين شكّلوا وعيي.. بالصدفة فى أواخر 2016 تعرفت على أحد أقاربه المحترمين فى المجلس الأعلى للثقافة-وهو كان بالضرورة لا يعرفني، ولا أعرفه الحقيقة-وحمّلته سلام تلميذ تلاميذ الطاهر مكى لأستاذ الأساتذة.