الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

سامح فايز: لا أكتب كى أغير العالم.. لكننى أسجل اعتراضى حتى ولو لم يقرأه غيرى

سامح فايز: لا أكتب كى أغير العالم.. لكننى أسجل اعتراضى حتى ولو لم يقرأه غيرى
سامح فايز: لا أكتب كى أغير العالم.. لكننى أسجل اعتراضى حتى ولو لم يقرأه غيرى




حوار- إسلام أنور


سامح فايز صحفى وكاتب مصرى صدرت له ثلاثة أعمال أدبية، اثنان منها ينتميان لأدب السيرة الذاتية وهما «جنة الإخوان.. رحلة الخروج من الجماعة» عن دار التنوير، و«رحلة يوسف» عن دار الكرمة، بالإضافة لرواية بعنوان «جحر السبع» عن دار سما.
يمزج سامح فى كتابته بين السيرة الذاتية بكل ما تحمله من مواقف شخصية وهموم ذاتية وبين الأدب بكل ما يحمله من زخم وتعدد للروى والتجارب والتأويلات، عن تجربته مع الكتابة حيث المراوحة بين الخاص والعام والعمل الصحفى والكتابة الأدبية دار معه هذا الحوار.
■ عبر ثلاثة أعمال صدرت لك هناك كتابان ينتمين لأدب السيرة الذاتية هل هناك مشروع تعمل على مراكمته فى هذا السياق؟
- المسألة غير مرتبة، كل شىء حدث بالصدفة، أحببت الكتابة وأردت أن أرى يوما كتابًا لى على أرفف المكتبات لكنه كان مجرد حبا منزوع الأمل فى التحقق، حتى قامت ثورة يناير 2011 فكتبت، ولأننى أحب الحكايات فلم أجد سوى حكايتى أمزجها بالحياة فخرجت بكتاب «جنة الإخوان»، ثم «رحلة يوسف»، فأنا أفضل المقولة التى تقول أكتب عما تعرفه، ولا أعرف سوى نفسى، أو على أقل تقدير أكتب حتى أعرفها بشكل أوضح من خلال الكتابة، البعض هاجمنى على هذه الرؤية وطالبوا أن أكتب عن عوالم أخرى أو أن أخرج بعيدا عن أسر الذات، لكننى أكتب أولا لنفسى وعنها، ولست مشغولا أن أكون الكاتب الأفضل، فقط يشغلنى أن أحكى عنى.
■ فى أعمالك هناك مزيج بين لغة صحفية وأخرى أدبية كيف تتعامل مع سؤال اللغة وكيف تطور وعيك بها على مدار السنوات الماضية؟
- علاقتى باللغة غير مفهومة حتى اللحظة، حفظت القرآن فأصبحت اعتمد على السمع فى وزن الكلمة، وجلست لسنوات لا أقرأ سوى الرواية من أجيال مختلفة، وأصوات متنوعة فأصبحت أتذوق الكلمات، ومنذ سنتين عملت فى الصحافة الثقافية فأكسبتنى صوتا آخر للغة، لكننى رغم ذلك أسعى الآن لتعلمها من جديد، ذلك أننى لسنوات كنت أنتمى لأسرة بسيطة أمارس الأعمال اليدوية، ولم أتخيل يوما أننى سأصير كاتبا يقرأ له أحد، فأهملتها، حتى إننى لسنوات لم أمسك قلما.. وحين التحقت بالجامعة منذ شهور فى قسم الدراسات العليا وجدت صعوبة فى البداية وأنا أكتب الحروف، لذلك فهى علاقة غير مفهومة حتى الآن، أحبها نعم، لكنها لفظتنى لسنوات فنسيتها، وحين أقبلت مرة أخرى أقبلت.
■ فى أعمالك هناك سؤال يتكرر حول «البحث عن الذات» ما الذى وجدته فى ذاتك فى رحلتك مع كتابة «الخروج من جنة الإخوان» وفى «رحلة يوسف»؟
- تتغير حياتى مع كل كتاب، مع جنة الإخوان انتقلت من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، من عضو ينتمى فكريا وعقديا لجماعات دينية متطرفة إلى شاب مؤمن بالمدنية وعلمانية الحياة، ومع رحلة يوسف انتقلت من شاب تشغله هوامش الحياة إلى آخر يقف أمام موت طفله دون أن يبكى، يفكر كيف يهزم الموت فيهزمه بالفعل، فيوارى جسد طفله يوسف فى القبر، لكن يظل اسم يوسف محفوظا على كتاب يقرأه الناس طالما هناك حياة تدب على الأرض.. وكلما كتبت عن نفسى عرفتها أكثر، وليس كل ما أعرفه أفضل ما يتمناه الناس فى أنفسهم، أحيانا أعرف عن نفسى الأسوأ، فأسعى لإصلاح ما أفسدته الحياة فى نفسى.
■ تيمة الرحلة حاضرة فى العملين كيف تتعامل مع سؤال الزمن؟
- اعتمد فى كتاباتى على البناء الدائرى للزمن، فلا نقطة أنطلق منها وأخرى أصل إليها فى ترتيب تصاعدى، لكن هناك فكرة استخلصها من أزمان مختلفة، فمكونات حياتنا ما هى إلا تراكمات زمنية، قد أفهم بعد أعوام فعلا ارتكبته طفلا، أو شابا، أو شيخا، فأنطلق من النهاية مارا بدائرة الزمن عائدا إلى البداية، كل ذلك بحثا عن الفكرة من هذه الحياة التى أعيشها، أو محاولة لاستيعاب هذه الروح التى تدب فى جسدى، الإنسان يملك نفسا معقدة التراكيب، واستيعابها يحتاج إلى رحلة تكشف عوالم الدائرة مكتملة، دون التقيد بزمن أو مكان.
■ وماذا عن الجغرافيا خاصة فى كتاب «رحلة يوسف» وهذه الثنائيات بين الريف والمدنية والصعيد والدلتا؟
- الجغرافيا تشغلنى حتى فى عملى الصحفى، حين أذهب إلى قريتى فى الصعيد يقول الناس حضر أهل مصر، وحين أعود إلى القاهرة يقولون إنه ذاهب إلى مصر، أصبحت القاهرة كلمة اعتباطية الدلالة على مصر، لكن مصر هى الدلتا والجنوب والشرق والغرب، وأندهش أن الحكومات أصبحت تتعامل مع القاهرة على أنها مصر وأهل الفن والثقافة والأدب والعلم، الجميع ينظرون للقاهرة على أنها مصر، لكن حين ينتفض أهل النوبة مثلا ضد ظلم جائر نسمع من يقول مساعى لانفصال النوبة كأنها دولة أخرى، أو محاولات لفصل سيناء، لذلك ارتحل خارج القاهرة لأعرف مصر، لأعرف نفسى من خلال أماكن أخرى غير القاهرة التى تربيت فيها.
■ ذكريات الطفولة تستحوذ على مساحة كبيرة من أعمالك إلى أى مدى نحن أسرى طفولتنا؟
- إلى ما لا نهاية نحن أسرى الطفولة، فحياتنا ما هى إلا نتاج ما نشأنا عليه، مثلا حين تركت الجماعات الدينية لم أتحلل منهم بالكلية، فلازالت طفولتى أسيرة عوالمهم، أجد نفسى أحيانا أردد أدعية دينية بشكل لا إرادى، قبل النوم وبعده، قبل الصعود إلى السيارة أو الطائرة، وحين يصيبنى كرب أذكر الله بشكل لا إرادى، لست ضد ذلك لكننى ضد أن أردد الكلمات دون وعى، دون إدراك، والرحلة التى بدأتها منذ سنوات فى كتبى ما هى إلا رحلة لاستكشاف الطفولة، أو الهروب منها، أو إليها.
■ ثالوث الفقر والجهل والمرض حاضر بقوة فى أعمالك فى مجتمع كهذا ما جدوى الكتابة وخاصة فى ظل سلطة لا تسمع وواقع يزداد قتامة؟
- لا أكتب كى أغير العالم، فقط أكتب لأسجل اعتراضى حتى ولو لم يقرأه غيرى، غير مشغول بالسلطة، لأننى على يقين أنها تعرف هذا المثلث القاتل الذى يعيش فيه الفقراء، وأبسط ما ستقدمه لك هو تبرير، أننا يجب أن نتحمل من أجل أن يعيش الوطن، لكنهم يجهلون أنه حين يموت الناس فلا وطن من الأساس. يشغلنى ثالوث الفقر والجهل والمرض لأنه الدائرة التى تربيت فيها، ولازلت أعيش فيها حتى الآن، ولدت فى قرية على أطراف صحراء بنى سويف، وتربيت فى قرية من توابع مركز كرداسة الذى تسيطر عليه الجماعات الدينية، وانتميت لأسرة مات عائلها لأنه لم يجد مهربا من المرض، وأحمل فى أوراقى الرسمية اسم يوسف، طفلى الرضيع الذى قتله المرض، وأحارب فقط كى أهرب من الجهل الذى شوه طفولتى، فكيف بعد كل ذلك لا يشغلى الثالوث الجائر، وكيف بعد أكثر من نصف عمرى أعيش داخله ولم ينتبه أحد، يدخلنى أمل أن ينتبه نفس هذا الأحد الأعمى طوال عقود!
■ المرأة لها حضور قوى فى أعمالك ما الذى تمثله لك المرأة على المستوى الأدبى والشخصى؟
- المرأة هى المخلص، حين كنت طالبا فى الجامعة أحببت فتاة فأدركت حياة أخرى بعيدا عن كره الآخر، وبعد سنوات أحببت أخرى فكتبت أول سطور كتاب جنة الإخوان، وأدين لها بالفضل أننى أصبحت كاتبا يقرأ له الناس، وأعيش حتى اللحظة على ذلك الهامش من المحبة الذى أحال حياتى إلى جانبها المضئ، وأحاول فيما أكتب أن أوفيها حقها على الورق، لأنها – المرأة الشرقية – لا حق لها على أرض الواقع.
وتشغلنى أيضا لأننى ابن هذا الواقع المشوه، أشترك بالفعل أحيانا وبالصمت أحيانا أخرى فى ظلم يظلل عالمها، وربما طهرت نفسى بالكتابة عنها.
■ رغم كل الصعوبات والآلام التى عشتها ودونتها من أين تستمد هذا الأمل فى الحياة؟
- ومن قال إنى استمد أملا فى الحياة؟! منذ تركت عالم الجماعات الدينية عام 2005 وأنا أذهب إلى النوم كل ليلة وأتمنى ألا استيقظ ليوم جديد، ولو كنت أملك الجرأة الكاملة لفعلتها بعد انتهائى من كتابى «رحلة يوسف» وأنهيت حياتى بنفسى، أنا وغيرى كثيرون نعيش فقط لأننا لا نملك جرأة مواجهة ما وراء الموت، ولازلت حتى لحظة كتابة هذه السطور أنتظر هذه الليلة التى تنهى كل ذلك.