الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

مفتى الجمهورية لصحيفة «بانكوك تايمز»: تفعيل حزمة من الإجراءات لمواجهة الآلية الدعائية للتنظيمات الإرهابية

مفتى الجمهورية لصحيفة «بانكوك تايمز»: تفعيل حزمة من الإجراءات لمواجهة الآلية الدعائية للتنظيمات الإرهابية
مفتى الجمهورية لصحيفة «بانكوك تايمز»: تفعيل حزمة من الإجراءات لمواجهة الآلية الدعائية للتنظيمات الإرهابية




كتب - صبحى مجاهد

أكد الدكتور شوقى علام - مفتى الجمهورية - أننا فى مصر نعالج قضايا التطرف الدينى من منطلق رسالتنا الأساسية بأن الهدف الأسمى لكل الأديان هو تحقيق السِّلم العالمى.

 

وأضاف فى تصريحات لصحيفة «بانكوك تايمز» الأوسع انتشارًا فى تايلاند أن دار الإفتاء المصرية استشعرت خطر فتاوى الإرهاب، وقامت بِحزمة من الإجراءات لمواجهة الآلية الدعائية للتنظيمات الإرهابية ومن ضمنها داعش، وذلك من خلال إقامة مرصد لمتابعة الفتاوى التكفيرية والمتشددة، والرد على هذه الفتاوى وتفنيدها من خلال منهج علمى رصين.
وأشار إلى أن الدار أقامت كذلك مركزًا تدريبيا متخصصًا حول سبل تناول ومعالجة الفتاوى المتشددة، وإطلاق صفحة إلكترونية بعنوان «داعش تحت المجهر» باللغتين العربية والإنجليزية لتصحيح المفاهيم الخاطئة التى تسوقها التنظيمات الإرهابية، وإطلاق مجلة إلكترونية «بصيرة» باللغتين العربية والإنجليزية لنشر الإسلام الوسطى المعتدل، فضلًا عن ترجمة أكثر من 1000 فتوى باللغتين الإنجليزية والفرنسية نسبة كبيرة منها متعلقة بتفنيد مزاعم التيارات المتطرفة وما تسوِّقه من مفاهيم وتصدِّره من فتاوى مغلوطة، وكذلك إصدار موسوعة لمعالجة قضايا التطرف والتكفير باللغات الأجنبية.
وحول الإسلاموفوبيا قال المفتي: تنبهنا فى دار الإفتاء المصرية لزيادة وتيرة الإسلاموفوبيا وبدأنا العمل انطلاقًا من دورنا فى تصحيح صورة الإسلام فى الخارج، من خلال برنامج واضح واستراتيجية مرسومة، سواء من خلال إرسال علماء الدار إلى الخارج، أو التواصل مع المراكز الإسلامية ومتخذى القرار فى الشرق والغرب وشرح وتوضيح السمات الحقيقية للإسلام بعيدًا عن التعصب.
وأضاف: كما قدمنا مجموعة من المقترحات التى نعمل فى الوقت الراهن على تحقيقها، منها أن الضرورة أصبحت مُلحَّةً لإنشاء قنوات فضائية إسلامية موجَّهة للشرق والغرب تخاطب الجميع بلغته وتعطى صورة شاملة عن الثقافة الإسلامية وتسهم فى تصحيح صورة الإسلام والعرب والمسلمين، ومن ثَمَّ فلا بد من إنتاج برامج تخاطب العالم باللغات الأجنبية بغية تصحيح صورتنا لديهم، وهذا ما تفعله دار الإفتاء على صفحاتها المترجمة باللغات الأجنبية.
ولفت إلى أن هذه البرامج والحملات الإعلامية تركِّز على تفعيل دور الإعلام الإسلامى فى تحسين صورة الإسلام والمسلمين من خلال التعرف على صورة الإسلام والمسلمين فى وسائل الإعلام العالمية، كما ينبغى طرح رؤية مستقبلية فى مواجهة تشويه صورة الإسلام والمسلمين، والتعرف على تأثيرات العولمة فى تشكيل الصورة الذهنية عن الإسلام والمسلمين، وتفعيل دور الاتصال المباشر فى مواجهة الصورة السلبية عن الإسلام والمسلمين فى العالم، ومن خلال كل هذه الجهود نستطيع أن نواجه حملات التشويه ضد الإسلام.
وقال: «لا بد من إنشاء جهاز إعلامى إسلامى للبحوث، يتولى رصد وتحليل ما يُقدَّم عن الإسلام والمسلمين فى وسائل الإعلام العالمية، وإعداد الدراسات العلمية والحقائق التى يُعتمَد عليها فى الرد على ما يقدَّم من صور مشوهة أو إساءة تتعلق بالمسلمين وثقافتهم ودينهم، وهذا ما تحقق من خلال إنشاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم التى أنشأتها دار الإفتاء المصرية فى العام الماضى لكى تضطلع بهذا الدور المهم.
وأوضح مفتى الجمهورية أن الإسلام الذى تعلمناه وتربينا عليه دين يدعو إلى السلام والرحمة، فإن أول حديث نبوى يتعلمه أى طالب للعلم الديني: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا مَن فى الأرض يرحمكم من فى السماء».
 وأكَّد مفتى الجمهورية أن السواد الأعظم من المسلمين عبر تاريخ الإسلام الطويل قد انخرطوا فى تنمية مجتمعهم وبناء شخصية صالحة، وأشار إلى أن القرآن الكريم فيه ما يزيد على 6000 آية، تتعلق 300 منها فقط بالتشريع والباقى متصل بإنشاء شخصية ذات خلق حسن، وبالمثل هناك ما يربو على 60 ألف حديث تتصل 2000 منها بالأمور التشريعية، والباقى يتناول الشخصية الخلوقة، والرسول عند المسلمين موصوف بأنه رحمة أُرسلت للعالمين.
 وأوضح المفتى أن الإسلام أقام حضارة إنسانية أخلاقية وسعت كل الملل والفلسفات والحضارات، وشاركت فى بنائها كل الأمم والثقافات، وإننا نرى أنفسنا بوصفنا مسلمين أناسًا استوعبوا تعددية الحضارات، فقد تعرضنا –مستوعبين- لحضارات فارس والهند والصين واليونان وضممناها لحياتنا الثقافية والفكرية، وأفدنا منها جميعًا، كما أضفنا إليها.
وأضاف أن الحضارة الإسلامية تضع الناس والعباد فوق أماكن العبادة، وهذا المنظور الإنسانى والعالمى لا يسمح لنا باعتبار أنفسنا فوق ما عدانا من الخلق.
وقال: «إننا فخورون بحضارتنا لكننا لا نتنكر للحضارات الأخرى، فكل من يعمل على التنمية البناءة فى العالم شركاء لنا، وبما أن حضارتنا مهتمة بالإنسانية، فهى تجمع بين الروحى والمادي. إننا لا نبغض الحياة ولا نسعى لخلق حالة من عدم التوازن الاجتماعى، ومن يتورط فى ذلك فقد سار فى عكس اتجاه تعاليم ديننا وما تعلمناه عن الشخصية ذات الخلق الحسن».
 وحول المشكلات التى تواجه المجتمعات الإسلامية الآن أشار فضيلته إلى أن مشكلة «المرجعية» من أهم هذه المشكلات، ففى الإسلام وغيره من الديانات نشهد ظاهرة تصدى غير المتخصصين ممن ليس لهم نصيب وافر من التعليم الدينى وتنصيب أنفسهم مرجعيات دينية، بالرغم من أنهم يفتقرون إلى المقومات التى تؤهلهم للحديث فى الشريعة والأخلاق.
وأضاف: لقد أدى هذا التوجه إلى أن فُتح الباب على مصراعيه أمام التفسيرات المتطرفة للإسلام التى لا أصل لها، وفى واقع الأمر فإن أحدًا من هؤلاء المتطرفين لم يدرس الإسلام فى أيٍّ من معاهد التعليم الدينى الموثوق بها، وإنما هم نتاج بيئات مفعمة بالمشاكل، واعتمدوا على تفسيرات مشوهة ومنحرفة لا أساس لها فى التراث الإسلامى، فغايتهم تحقيق مآرب سياسية محضة لا أصل دينى لها؛ فهمُّهم إشاعة الفوضى، ودورنا -كوننا قيادات إسلامية قضت حياتها فى دراسة النصوص الدينية- هو إعادة المرجعية بإعادة مَن لهم قدم راسخة فى العلم.
وقال: «لقد بدأنا من خلال «إنشاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء فى العالم» تقديم صورة للمرجعية الإسلامية التى ستسهم فى فهم الإسلام وحقائقه».
وأضاف: «اسمحوا لى أن أكون واضحًا بأن أكرر لكم أن الإسلام ضد التطرف على طول الخط، لكننا إن لم نفهم العوامل التى تقدَّم لتبرير العنف، فلن نتمكن أبدًا من استئصال هذا الوباء، ولا بد من فهم ذلك حتى نبنى مستقبلًا أفضل يضع نهايةً لهذا الوضع الذى يؤزم العالم».
ولفت إلى أن الإسلام يحتاج لمن يقدمه بطريقة أكثر عمقًا وشمولًا وبمزيد من الحساسية والموضوعية فى كل من الإعلام والمناهج الدراسية خاصة فى بلاد غير المسلمين.
 وأكد أن دار الإفتاء المصرية تبذل جهودًا دءوبةً نحو الوصل بين الإسلام والواقع المعيش، فنحن نصدر آلاف الفتاوى بشأن حق المرأة فى الكرامة والتعليم والعمل وتولى المناصب السياسية، وإدانة العنف فى معاملتها، كما أيدنا الحق فى حرية الضمير وحرية التعبير ضمن حدود اللياقة المشتركة.
 وأضاف: «لقد عززنا المشترك الذى يتقاسمه الإسلام والمسيحية وغيرها من الديانات، وشددنا على أن الدولة الحديثة لا بد أن تكون مبنية على أساسٍ من العدل وسيادة القانون».
 وأشار إلى أن الدار أدانت -وبشكل قاطع- العنف ضد الأبرياء خلال تجربة مصر المرة مع الإرهاب فى الثمانينيات والتسعينيات وبعد هجمات الحادى عشر من سبتمبر المروعة، ولا زلنا نقوم بذلك فى ردودنا على المتطرفين حول رؤيتهم المشوهة للإسلام.
 وقال مفتى الجمهورية: «علينا أن نسعى لتعزيز المبادئ والقيم المشتركة، ويتعيَّن علينا أيضًا أن نقبل واقع الاختلاف فى العالم، واحترام الاختلافات التى بيننا هو أساس للتعايش لا الصراع، لأنه من البديهيات كى يكون الإسلام لاعبًا أساسيًّا فى عالم اليوم أن يكون العلماء المسلمون المؤهلون هم مَن لهم الحق فى التحدث باسم الإسلام، وقد رأينا فى أحيان كثيرة أن وسائل الإعلام العالمية تستجيب للإغراءات  وتعتبر  المتطرفين -الذين لا يمثلون إلا أنفسهم- تيارًا سائدًا».
 وأضاف أنه يمكن للإسلام الصحيح أن يُسكت أصوات الأقلية المتطرفة، وثمة تقدُّم هائل يتم إحرازه اليوم فى أرجاء العالم الإسلامى لتثقيف الدعاة وطلبة العلم الشرعى فى برامج التدريب والتأهيل التى تقوم بها دار الإفتاء المصرية وغيرها من المؤسسات العريقة، كما يتم مساعدتهم كذلك على الانخراط والتعاطى مع معطيات العالم الحديث وفهم الواقع وتحدياته.
 ولفت إلى أنه من الضرورى أن يكون حوارنا متعدد الأوجه، ليشمل الجوانب الثقافية والعلمية والاقتصادية. وينبغى أن تكون هناك علاقات وثيقة بين الجامعات ومراكز البحث والطلاب بين الدول، فتبادل المعرفة فى أوساط الشباب، تعد أضمن الوسائل التى تُعين على نشر التسامح بين أوساط قادة الأجيال المقبلة فى كلا الجانبين.
 وأكد مفتى الجمهورية فى ختام حواره أننا نحتاج أن ندرب أنفسنا والمجتمع معنا على فكرة قبول الآخر وقبول الاختلاف معه، وعلينا أن نصل إلى مرحلة التوافق والاستقرار، وذلك من خلال إشاعة ثقافة الحوار فيما بين الإنسان وأخيه أو بينه وبين الآخر، وأيضًا يجب أن نبحث عن المشترك الذى يتم به التعاون والانطلاق، وأن نستوعب التضاد فى وجهات النظر ولا نحوِّله إلى صدام.