السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«حلم ليلة صيف» وضرورة الإعادة والاستمرار

«حلم ليلة صيف» وضرورة الإعادة والاستمرار
«حلم ليلة صيف» وضرورة الإعادة والاستمرار




ما زالت جامعة المستقبل تقدم كل عام نموذجا يحتذى به فى الحرص على صناعة الفن الرفيع واكتشاف طاقات فنية شابة من بين أبنائها حتى ولو كلفها ذلك مبالغ طائلة وهو ما يستحق التوقف والتأمل والمحاكاة والاستمرار، فهذه الجامعة لا تبخل على طلابها فى الاستعانة بنجوم محترفين بمجال المسرح بكل فروعه كى يقدموا عرضا غنيا لا يقل شيئا عن عروض المسارح الكبرى بل هو قادر على الدخول فى منافسة شرسة معهم وسلب ما استطاع من جوائز وجمهور، وهو ما يؤكد شدة احترام هذه الجامعة لقيمة نشر الفن والثقافة بين أبنائها، ففى كل عام يقوم المخرج خالد جلال مع طاقمه الفنى بتقديم عرض مسرحى مبهر وضخم كان منها عروض «روميو وجوليت»، «هاملت المليون»، «السلم والثعبان» وأخيرا «حلم ليلة صيف» لوليم شكسبير.
اشتركت هذه العروض فى عاملين الأول أنها لنفس المخرج والثانى الصناعة المسرحية شديدة الجودة على كل المستويات فكل عرض كان يحمل مستوى مختلفا من الإبهار وربما كان آخر عرضين «السلم والثعبان»، و«حلم ليلة صيف» الأكثر والأعلى إبهارا على مستوى تشكيل الصورة المسرحية بتصميم ديكور مبهر نفتقد لمثله فى مسارح الدولة لمصمم الديكور حازم شبل، ساهم فى تجميله وإضفاء هالة من السحر البصرى عليه مهندس الإضاءة ياسر شعلان فهذه النوعية من العروض تتطلب مستوى مبالغ فيه من الإبهار البصرى وهو ما فعله الاثنان معا.

 تدور أحداث المسرحية داخل غابة كبيرة للجن الذى يساهم فى تغيير مسار العرض وحظ الأبطال ففى «حلم ليلة صيف» يوم الاستعداد للاحتفال بعقد قران ملك أثينا يأتى والد هيرميا للملك كى يشكو ابنته التى ترفض الزواج من ديمتريوس الشاب النبيل لكن هيرميا تعيد رفضها أمام الملك حتى لو كان سيطبق عليها قانون البلاد والذى يحق لأبيها معاقبتها بالموت أو حبسها داخل الدير طول العمر، لا تستسلم هيرميا لهذه المخاوف وتقرر الهرب مع حبيبها ليساندر وداخل الغابة يستمع الجن أوبيرون إلى شكوى هيلينا من صد حبييها ديمتريوس لها وحبه وتفضيله لهيرميا عليها فيقرر أوبيرون مستعينا بمساعده باك أن يسحر عيون ديمتريوس كى يرى حب هيلينا فى الوقت الذى قرر فيه أن يسحر عين زوجته تيتانيا الخائنة كى تعشق أى كائن تلقاه حين تستيقظ من النوم وعشقت بالفعل حمارا ثم يصلح اوبيرون وباك ما فعلاه فى نهاية العرض بإعادة ليساندر إلى حبيبته هيرميا بعد أن سحر باك عينيه عن طريق الخطأ فأصبح يرى هيرميا غرابا وهيلينا ملاكا رقيقا وبعد غفوة نوم خفيفة يجتمع شمل الأحبة من جديد داخل الغابة ويزول عنهم سحر العيون.
هكذا تدور أحداث المسرحية داخل هذه الغابة المسحورة التى استطاع مصمم الديكور حازم شبل وياسر شعلان اتقانها بمهارة سحرت أعين الجمهور على خشبة المسرح الكبير بدار الأوبرا فلم يترك الاثنان ثغرة ولو ضئيلة توحى لك بعكس ما أراده النص فعندما يفتح الستار ينتقل العرض بالجمهور إلى هذا العالم السحري، بالإضافة إلى تصميم الملابس لمروة عودة والتى ساهمت فى صناعة هذه اللوحة التكشيلية على خشبة المسرح بدقة اختيار الأزياء والألوان فى ملابس الجميع خاصة ملابس الجن وملابس الفرقة المسرحية المكونة من مجموعة العمال حيث ارتدى جميعهم زيا موحدا من الكاروهات الملون بألوان متنوعة فى مزيج متناسق بينهم فخرجوا وكأنهم قطيع واحد فكأن فنانا تشكيليا واحدا قام برسم لوحة متكاملة الأركان بريشته على خشبة المسرح.
لم تقتصر متعة هذا العرض على تشكيله البصرى فقط، بل اكتملت كل عناصره الفنية خاصة فيما يتعلق بالكتابة والإعداد للشاعر والناقد محمد بهجت الذى جمع بمهارة بين رصانة النص الأصلى بالحفاظ على قوامه الفنى بجانب اللهجة العامية الدارجة سواء فى الحوار أو الأغانى التى التحمت بعصب النص المسرحى وامتزجت معه لتنتج قالبا فنيا متكاملا لا يمكن فصله عنه فلم تكن مقحمة على الأحداث بل كانت ملتحمة بها، وتميزت هذه الأشعار الغنائية التى كتبها بهجت بحرفة ومهارة فنية عالية فى التعبير عن دراما وأحداث العرض بجانب إبراز الجانب الكوميدى والمبهج داخل النص وهو أمر شديد الصعوبة أن تكون الأغانى المكتوبة ليست فقط معبرة عن الدراما بينما معبرة عن حالة المرح الكامنة داخل النص وكان واضحا من الكتابة الغنائية أن الكاتب التزم بالشكل الشعرى والموسيقى فخرج العمل يحمل إطار وشكل الأعمال الموسيقية الضخمة فى تكوينه الفني، من بين هذه الأغانى «عفاريت الجان»، «باك»، «قرب واتفرج»، «نور عيوني»، «هى فين هى فين»، «كل العيون الغفلانين»، «أنا هاسهلك وحابهدلك»، «الحياة بالحب حلم ليلة صيف»، بالطبع كانت لن تنتقل إلينا جمال هذه الأشعار والأغانى وحالة البهجة بالعرض دون أن يكون هناك ملحن ماهر وراء هذه الأشعار الغنائية فكان لهيثم الخميسى بصمته الخاصة بموسيقاه وألحانه التى أضفت متعة وعذوبة على العمل بالكامل.
كما أصبح لا يكف المخرج خالد جلال عن أداء رسالته فى الحياة باكتشاف المزيد من المواهب الشابة وفى هذا العرض اكتشف الكثير وأعاد توظيف من يمتلكهم من جديد، ففى «حلم ليلة صيف» كشف الغطاء عن عدد كبير من المواهب الكوميدية الشابة والتى ظهر معظمها فى شخصيات العمال الذين يستعدون لتقديم مسرحية أثناء حفل زفاف الملك وهم أحمد حيدر «إيجيوس»، «عبد الله التهامى «بوتوم»، زياد زعتر «سناج»، محمد عادل «منافيلا»، عبد العاطى مجدى «أبلكاش»، محمد حسين «سناوت»، أمير الحسينى «سرفلة»، عمر أسامة «فلوت»، عبد العزيز منصور «طرنش»، ومى سويلم فى دور «إيزابيلا»، أما أبطال العرض الرئيسيون فأعاد جلال اكتشافهم بتوظيفهم للعب أدوار كوميديانات مختلفة عن الأدوار التى سبق وأن قدموها معه من قبل بشكل جديد وأداء متميز كان على رأسهم كريم شهدى فى دور «باك» قدم كريم دوره بمهارة واحتراف أعاد فيه اكتشاف نفسه ككوميديان وسيطر بأدائه الجيد على خشبة المسرح وكذلك إبراهيم الزقلة فى دور «أوبيرون»، وسارة مجدى فى دور «تيتانيا»، ونديم هشام فى «ليساندر»، ريم أحمد «هيرميا»، محمود خالد «ديمترويوس»، نهى النعيمى «هيلينا» تمتع هؤلاء بحضور طاغى على المسرح فى أدائهم بالرقص والتمثيل والغناء، وكذلك بخفة ظلهم جميعا ونجاحهم فى انتزاع الضحك من الجمهور فأحاطت البهجة بكل أجواء العرض، شاركهم البطولة كل من خالد الشامى فى دور «غضنفر»، أحمد الغندور «ثيسيوس»، نورهان عشوش «هيبوليتا»، على محمود «هيركليز»، ميار مدحت «إيزادورا»، أحمد عماد «ريكس»، عمر حمدى «فوكس»، آسر الشاعر «ماكس»، ديانا رشاد «ألكسندرا»، إسراء الدسوقى «سوزانا»، نورهان أحمد «مارجريتا»، تصميم استعراضات مجدى صابر، فنحن أمام عرض موسيقى استعراضى ضخم قدم بحرفة فنية عالية على كل المستويات ينقصه فقط الموسم الفنى الكامل، فللأسف تم تقديمه ليلة واحدة فقط احتفالا بنهاية العام الدراسى للجامعة وهو العيب الوحيد الذى يطارد هذه النوعية من العروض فى عدم قدرتها على الاستمرار فمن المهم أن تبحث الجامعة عن صيغة تعاون مع أحد المسارح تستطيع بها إعادة تقديم هذه الأعمال الضخمة والهامة خلال موسم فنى كامل للجمهور لأننا فى أمس الحاجة لمثل هذه النوعية من العروض شديدة الجودة والتميز، كما أن الاستمرار سيضمن صعود وإبراز هذه المواهب الشابة والوجوه الجديدة.