الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

الاختراق الأكبر قادم

الاختراق الأكبر قادم
الاختراق الأكبر قادم




تحليل يكتبه: أحـمـد متــولى

تحالفات سرية وأخرى معلنة تجرى تفاصيلها فى الغرف المغلقة للسياسيين الأوروبيين والأمنيين، اجتماعات على أعلى المستويات بتنسيقات غير مسبوقة بين ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبعضها مع الولايات المتحدة لمواجهة حرب من نوع لم تعتده الإمبراطوريات الأوروبية قادرة على التحكم عن بعد فى مصيرها.
فمع فوز الرئيس الأمريكى دونالد ترامب أمام منافسته هيلارى كلينتون بمنصب الرئاسة فى البيت الأبيض نوفمبر 2016، غير المتوقع بحسب أغلب المحللين السياسيين ومراكز الأبحاث والاستقصاءات، خرجت وقتها تسريبات من الاستخبارات الأمريكية والمباحث الفيدرالية تتحدث عن عمليات اختراق إلكترونية كان لها أكبر الأثر فى ترجيح كفة الرئيس الرأسمالى ترامب، أو على الأقل تقليل فرص فوز كلينتون! الأمر الذى أدى بكبار مسئولى السى آى إيه (الاستخبارات الأمريكية) إلى الإدلاء بشهادتهم فى الخامس من يناير 2017 حول ما سمى بعمليات اختراق إلكترونى اتهمت روسيا بالوقوف خلفها فى أثناء الحملة الانتخابية الرئاسية، رغم أن ترامب شكك فيما توصلت إليه الاستخبارات حول ضلوع موسكو فى هذه العمليات.

جميع أجهزة الاستخبارات الأمريكية أكدتها
وبعدها اطلع مديرو الاستخبارات ترامب على عمليات الاختراق الإلكترونى التى استهدفت خصوصا الحزب الديمقراطى، وشملت الشهادات كلا من مدير المخابرات العامة الذى استقال بعد إعلان فوز ترامب جيمس كلابر، ومدير وكالة الأمن الوطنى مايك روجرز، ووكيل وزارة الدفاع لشئون المخابرات مارسيل ليتر، أمام لجنة الخدمات المسلحة بمجلس الشيوخ التى يرأسها الجمهورى جون مكين.
تزامنت شهادات مسئولى الأجهزة الاستخباراتية الأكبر فى العالم بعد أسبوع من قرار الرئيس الأمريكى السابق، باراك أوباما، طرد 35 روسياً اتهمتهم إدارته بالتجسس على الولايات المتحدة، كما فرضت عقوبات على وكالتى مخابرات روسيتين للاشتباه فى ضلوعهما فى اختراق أنظمة جماعات سياسية أمريكية خلال الانتخابات الرئاسية، ما اعتبر وقتها أنه انتقام من أوباما لخسارة حليفته هيلارى للانتخابات.
نفى بطعم الإثبات
روسيا بدورها وعلى لسان الرئيس فلاديمير بوتين نفت هذه الادعاءات، لكنه نفى بطعم الإثبات إذ قال فى تصريحات لتليفزيون بلومبيرج الإخباري: بدلا من البحث عن من سرب أو اخترق الأنظمة الإلكترونية.. علينا أن نسأل ماذا سرب؟!
انتهى الأمر فى أمريكا – مؤقتا - بالقبول بترامب رغم ما شهدته بعض المدن من احتجاجات واستمرار يقين الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية أن هناك تلاعبا وقع خاصة فى الولايات التى تعتمد على التصويت الإلكترونى لتكرار حصول هيلارى كلينتون على نسب قليلة من التصويت فى مواجهة ترامب رغم تمتعها بشعبية كبيرة فى هذه المدن والولايات!
كما عقدت فى الثامن من مايو 2017 جلسة استماع بشأن التدخل الروسى المزعوم فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016.
أوروبا تعيش قلقا غير مسبوق
على جانب آخر تعيش أوروبا حالة من القلق الاستخباراتى لخروج التسريبات الإلكترونية عن سيطرتها وتخوفات من تأثير وتوجيه مباشر وغير مباشر للناخبين فى أى انتخابات رئاسية أو برلمانية مقبلة تسمح بفرض وجهة نظر أو تأتى بأشخاص تفكيرهم وأجندتهم لا يخدمان أوروبا، بل يعمل على تحقيق أهداف دول تسعى لزعزعة الاستقرار الأوروبى السياسى والاقتصادى لصالح كيانات بعينها، فما أن بدأ السباق الانتخابى فى فرنسا، حتى مالت موسكو لدعم مرشح بعينه وهى ماريان لوبان عبر تصريحات شبه رسمية وتوجيه منظم لحملات إعلامية تروج لها، ما عزز الشكوك الاستخباراتية أكثر بشأن موسكو!
محاولات لتشييد حائط صد إلكترونى ضد الاختراقات
فى الأشهر القليلة الماضية وبحسب تقارير غربية سربتها أجهزة استخبارات أوروبية لوسائل الإعلام، فإن السياسيين ومسئولى المخابرات فى كل من فرنسا وألمانيا كثفوا تحذيراتهم من التدخل الروسى المتوقع فى الانتخابات بالبلدين وهجمات إلكترونية قريبة.
وأبرز تلك التصريحات ما ذكره رئيس جهاز الاستخبارات الفيدرالى الألمانى الخارجى برونو كال فى نوفمبر 2016 بعد نحو 7 أشهر من تعيينه فى هذا المنصب، من أن ألمانيا تمتلك أدلة على وقوع هجمات إلكترونية فى أوروبا ليس لها أى هدف سوى إثارة البلبلة السياسية والتشكيك فى المرشحين والعملية الانتخابية والسياسية برمتها واستهداف هيئات ومصالح تابعة للحكومات الأوروبية.
واتبع تلك التصريحات تعبير المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن مخاوف مماثلة من معلومات تشير إلى احتمالية تأثير موسكو على الانتخابات البرلمانية فى ألمانيا والمقرر لها سبتمبر 2017 .
الفرنسيون تعاملوا بحذر واستوعبوا اختراقات أمريكا
الفرنسيون بدورهم أخذوا التحذيرات الاستخباراتية على محمل أكثر جدية وحزما قبل بدء الانتخابات الرئاسية فى أبريل  – مرحلة أولى – ومايو  2017 – مرحلة ثانية- خشية الوقوع فى الفخ الذى وقعت فيه أمريكا من اختراقات لمواقعها الانتخابية، ورغم ذلك فإن جيوم بوبارد المدير العام للوكالة الوطنية الفرنسية لنظم المعلومات ألمح فى ديسمبر  2016، إلى شعور فرنسا بالقلق نتيجة معلومات ودلائل تشير إلى محاولات التدخل فى التأثير على نتائج الانتخابات الرئاسية، واصفا إياه بالتدخل الأجنبى، كاشفا عن أهم تحد يواجه «الديمقراطيات الغربية» على حد وصفه وهو « تطور القدرات والتهديدات الرقمية» بهدف زعزعة الأنظمة الأوروبية سياسيا واقتصاديا».. والتى من شأنها أيضا بث الشائعات التى تعصف بالاقتصاد والاستثمارات وتتسبب فى ارتفاع أعداد العاطلين وربما تؤدى إلى العنف السياسى بترويج المعلومات المغلوطة.
مؤسسات فرنسا وألمانيا غير مؤهلة لمجاراة الهجمات
التقارير بينت أن ألمانيا وفرنسا ليستا مؤهلتين للتعامل مع مثل هكذا هجمات، كما أن المؤسسات الحكومية بالبلدين لا تمتلك القدرة على صد أى خروقات رقمية على الشبكات الإلكترونية، فضلا عن عدم وعى السياسيين أنفسهم والمواطنين بكيفية التعامل مع هذا النوع من الحروب غير المعلنة فى «الكابلات» وعبر الهواء!
الحواسيب السيبرانية هى الحل
يقول مسئولون غربيون إنه لا بديل عن تفعيل «الحواسيب السيبرانية» فى مؤسسات الدول المختلفة منعا لأى اختراقات إلكترونية، إذ إنها تعمل كشبكات داخلية متصلة ببعضها البعض وفى حال حدوث أى محاولة للاختراق أو عطل فى أى مؤسسة يتم الإبلاغ فورا والتصدى له.
فرنسا قلقة من التأثير على انتخابات البرلمان
ورغم نجاة فرنسا من محاولات الاختراق «السياسي» المؤثر فى انتخابات الرئاسة، إلا أنها تتخوف من نجاح هذه الاختراقات فى التأثير على انتخابات البرلمان المقررة فى يونيو 2017، خاصة بعد اختراق رسائل البريد الإلكترونى لحملة المرشح الفائز – قبل التصويت النهائى - إيمانويل ماكرون وتسريب رسائل ووثائق تتعلق بتمويل الحملة.
فى ذكرى القضاء على النازية.. أكبر اختراق إلكترونى فى التاريخ!
لكن تبقى روسيا المتهم الأول بامتلاكها كتيبة من المخترقين المحترفين «هاكرز» القادرين على السيطرة على أى حاسوب او أجهزة مرتبطة بالشبكات التى لها اتصال بخادمات إلكترونية سواء بكابلات أو عبر الموجات اللاسلكية، وأنها تستغلها فى التلاعب والاختراقات للتأثير فى الانتخابات وتوجيه الدول الغربية لاختيار صناع قرار يميلون إلى دعم وجهة النظر الروسية فى المستقبل، رغم هذه الاتهامات، هل يعنى تنفيذ هذه الاختراقات من أجهزة تقع على الأراضى الروسية ضلوع موسكو رسميا، أم أن هناك من يستغلها؟
إذ إن أقوى الهجمات الإلكترونية «قرصنة» فى التاريخ والتى استهدفت نحو 100 دولة بينها مصر – التى تفادت هيئاتها ومؤسساتها اختراقا فادحا لأنها حدثت فى يوم عطلة «الجمعة 12 مايو 2017 -، تزامنت مع الذكرى الـ 72 لانتصار الاتحاد السوفيتى على ألمانيا فى الحرب العالمية الثانية 1945 وهى الذكرى التى تحتفل بها روسيا بشكل أسطورى للقضاء على النازية (التى شهدت أكبر استهداف من هتلر ضد اليهود الذين بدورهم هربوا إلى دول الاتحاد السوفيتى قبل التفكك واستوطنوا بها – يوجد نحو 250 ألف يهودى فى روسيا و75 ألفاً فى أوكرانيا حاليا )؟!
بالعودة إلى الماضى، وتحديدا ما كشفه أرييل شارون رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق عندما تحدث عن واحدة من أهم استراتيجيات الدولة العبرية فى استخدام الروس وعقولهم وقدراتهم على الابتكار، عندما قال نصاً: لقد هاجر حوالى مليون شخص من الاتحاد السوفيتى السابق إلى إسرائيل، وقد قدم هؤلاء إسهاماً لا يقدر بثمن فى بنية إسرائيل الثقافية، والاقتصادية، لقد غيروا وجه دولة إسرائيل، ونحن نأمل بإن يأتينا مليون يهودى آخر ولا ننسى أن هؤلاء الناس يمثلون جسراً بشراً للتواصل بين إسرائيل وروسيا».
إصرار إسرائيل على هجرة الروس يؤتى ثماره
انتهى حديث شارون هنا لكنه لم يتطرق إلى ما قدمه ويقدمه الروس فى مجالات التكنولوجيا العسكرية وعلوم الفضاء لإسرائيل.. لقد تحدث بين السطور قائلا: إن الروس يمثلون جسرا بشريا للتواصل بين إسرائيل وروسيا».. وهى فقرة ذات دلالات هامة تؤكد أن الاستغلال الإسرائيلى للروس ليس فقط فى الداخل الإسرائيلى بل تحتاج تل أبيب إلى أذرع طويلة فى واحدة من أهم وأقوى دول العالم، وهو ما يؤتى ثماره الآن!
لقد مارست إسرائيل قبل أكثر من عقدين وتحديدا بعد إسقاط قوة الاتحاد السوفيتى وتفكيكه، ضغوطا كبيرة لوقف هجرة الروس إلى أمريكا وأوروبا حتى تأخذ نصيبها من العلماء والمفكرين الروس وهو ما أتى بنتائج كبيرة لصالح الإسرائيليين داخليا وخارجيا.
الأقمار الصناعية.. اختراق كبير يصعب رصده
فبعد نحو 4 أعوام من حل الاتحاد السوفيتى رسميا، نجحت إسرائيل فى العام 1995 بأول عملية إطلاق ناجحة لقمر الرصد والمتابعة «أوفيك 5» بعد محاولات لم يكتب لها النجاح طويلا فى الغلاف الجوى، بعدها أخذت قدراتها فى الأقمار الصناعية تتطور فى خطين متوازين أحدهما للتجسس بسلسلة «أوفيك»، والآخر لاختراق الاتصالات ورصدها بسلسلة «عاموس».
أهم قمر صناعى أطلقته إسرائيل حتى الآن كان «أوفيك 11»، الذى وجد طريقه للفضاء الخارجى بنجاح فى سبتمبر 2016 وهو من أكثر الأقمار الصناعية المعدة للرصد والتجسس تطورًا، إذ إنه قادر على التقاط صور واضحة دقيقة من أى بقعة فى العالم دون مستوى الـ 70 سم المتعارف عليه وهو نسخة مطورة من «أوفيك 10» الذى أطلق عام 2014، وهو اليد العليا لمتابعة إيران والعراق وسوريا والأردن وفلسطين، كما أن سيناء ضمن خريطة الأماكن المرصودة.. ما يفسر إطلاق التحذيرات للسياح الإسرائيليين بين فترة وأخرى من الذهاب إلى سيناء، واستهداف شحنات أسلحة لحزب الله اللبنانى فى سوريا!
إن الهجمات الإلكترونية الأكبر والتى طالت مناطق كثيرة فى العالم فى الثانى عشر من مايو 2017 وعرفت باسم «الفدية» لطلبها من كل جهاز 300 دولار مقابل السماح بإعادة الملفات المخزنة عليه لم تصب إسرائيل، رغم ذلك طالبت «وحدة السايبر» الإسرائيلية المستشفيات والمرافق الصحية بفصل أجهزة الحاسوب عن شبكة الإنترنت كلياً، وعدم تلقى أى بريد إلكترونى من دول أجنبية، ووجهت ذات التعليمات لشركة المياه والكهرباء والبنية التحتية الأخرى.
وخرج رئيس الوزراء الإسرائيلى نتنياهو الأحد الرابع عشر من مايو يتفاخر بأن بلاده أدركت أن الشبكات والإنترنت سيمثلان تهديدا كبيرا فى المستقبل لذلك أنشأت «وحدة السايبر» القادرة على رصد ومواجهة أى اختراق إلكترونى.
تزامنت الهجمات كذلك مع اختراق من نوع آخر، والذى جرى فى أثناء إلقاء حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله فى لبنان كلمة بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لمقتل مصطفى بدر الدين القيادى البارز فى الحزب بسوريا، إذ فوجئ اللبنانيون باختراق شبكة الاتصالات السلكية واللاسلكية اللبنانية من خلال اتصالات ورسائل وجهت إليهم يقول نصها إن: «قاتل الشهيد مصطفى بدر الدين يلقى خطابه الآن أمامكم».
سمع اللبنانيون هذه العبارة من خلال رسائل صوتية، من رقم لبنانى داخلى تابع لشركة الاتصالات اللبنانية «أوجيرو» الذى تبين فيما بعد أنه رقم تابع لمكتب العلاقات الإعلامية فى حزب الله.. وهو ما يبين أن ثمة اختراق كبير من جهة ما للحزب نفسه عبر شبكات الاتصال، أرجعها لبنانيون إلى أن إسرائيل هى من يقف وارء هذا الاختراق.
المعارك ليست عسكرية.. الشبكات والأقمار الصناعية أفضل الأسلحة
إن الأساليب التقليدية التى تنتهجها أغلب الدول فى مواجهة هذه الاختراقات تعتمد بالأساس على إطلاق تحذيرات من التعامل مع أى معلومات أو رسائل معادية تهدف إلى ترسيخ حالة من عدم الاستقرار الفكرى فى المجتمع المستهدف وبالتالى حالة من عدم الاستقرار السياسى الذى بدوره يؤثر على الاستقرار الاقتصادى والأمنى للبلد المستهدف وهى النتيجة التى يسعى إليها من ينفذ تلك الاختراقات لتحقيق مصالحه دون خوض أى حروب عسكرية، فقط المواجهة والصراع الآن على الشبكات وعبر إشارات الأقمار الصناعية التى طورت من أدائها وأصبح منها ما يتجاوز الـ70 سم المحددة لها على الأرض!
فلم يعد يجدى أن تكتفى الدول بالتحذير بأنه على كل شخص موجود على مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعى وفى المقدمة الإعلاميون وأيضا جميع المواطنين التحلى بالمسئولية وعدم نقل أى محتوى من شأنه تشويه مصداقية أى انتخابات أو قرارات سياسية أو اقتصادية أو أمنية أو حتى مجتمعية، بل على الدول نفسها عدم انتظار وصول المعلومات المضللة والمثيرة للتوترات داخل المجتمعات بتطوير حوائط الصد الإلكترونية بمؤسساتها وهيئاتها المتنوعة، خاصة تلك التى تحمل معلومات مؤثرة، وتضمين هذا الحائط بمرادفات معلوم استخدامها فى هجمات إلكترونية لمنع مرورها وتتبع مصدرها.
بالتأكيد هى خطوة مكلفة وتحتاج إلى جيش من الكتائب الإلكترونية، خاصة ونحن فى عصر يحصل فيه الناس على قدر كبير من أخبارهم من على الإنترنت وتتدفق فيه المعلومات بحرية عبر الحدود ولا تعرف فيه هوية كثير من المستخدمين، لكن على الأقل تتبع الاختراقات ومعرفة مصدرها لتطوير التعامل وتقليل الخسائر.
بعض الدول الأوروبية رغم كونها منبعا للديمقراطيات – حاليا - استخدمت عنصر التهديد لمواجهة المعلومات المثيرة للتوترات داخل مجتمعاتها لمنع انتشارها، مثل فرنسا التى أعلنت أثناء انتخابات الرئاسة الأخيرة، بأن نشر بيانات أو معلومات تهدف إلى زعزعة الدولة أو من شأنها إشعال مواجهات مجتمعية ستجلب لناشرها ومن يعيد نشرها المتاعب والملاحقات الأمنية ومن ثم مواجهة تهمة «جنائية» أمام القضاء، وهنا فرنسا لا تتحدث عن كونها مجرد «جنحة»، بل ارتقت بها إلى مستوى الجناية؛ استشعارا لخطورة تداول معلومات أو بيانات تهدد المجتمع الفرنسى الذى يتسع للجميع وبه أكثر من 9 ملايين مسلم وعربى!
«اللوموند» تعطى درسا فى التعامل فى الاختراقات
مواجهة الاختراقات الالكترونية يحتاج كذلك إلى وعى النخب الإعلامية ودعم المؤسسات الصحفية فى البلد المستهدف لمؤسسات الدولة - بصرف النظر عن الاختلاف فى الرأى - فهى حالة أشبه بأوقات الحروب تحتاج فهم جميع وسائل الإعلام للموقف وغرض هذه الاختراقات، ويكفى تجاهلها حتى لا تنتشر.
لقد قالت صحيفة «اللوموند» الفرنسية بعد أن وصلت إليها وثائق تدين حملة المرشح إيمانويل ماكرون إنها لن تسمح لنفسها بأن تستغلها عناصر مجهولة لصالح أجندتها فى النشر احتراما لقواعدها الأخلاقية والصحفية، وبينت الصحيفة أنها تستوعب تسريب هذه الرسائل قبل 48 ساعة فقط من إعلان الرئيس الفرنسى الجديد والغرض منه، هذا هو.. الشعور بالمسئولية، عندما تتحلى به وسائل الإعلام والصحف تنقذ بلدها من التوترات، هذا ببساطة ما أقدمت عليه اللوموند!  
أما تلك الاختراقات التى تستهدف كيانات مؤثرة فى الدول فتحتاج إلى توظيف عقول تتمتع بديناميكية المناورة الإلكترونية والتعامل مع الشفرات والتطوير المستمر لملفات صد تلك الغزوات العابرة للقارات عبر الشبكات، وهى أهم وظيفة مطلوبة فى القرن الواحد والعشرين للدول المتقدمة.
أوروبا الآن تعمل على متابعة ومراقبة تلك المواقع الإلكترونية التى تسمح بالتبادل الحر للوثائق والمعلومات دون تحديد المصدر، لمعرفة من يقف خلفها سواء أشخاصاً عادية أو منظمات أو حتى الدول، وهى مواقع تعمل على وضع بضعة وثائق حقيقية مع كثير من الوثائق المزيفة لإعطاء المعلومات المسربة مصداقية وبالتالى إحداث أكبر قدر من الارتباك المجتمعى وزرع الشك فى حكومة الدولة المستهدفة!  
اختراق الانتخابات وعالم السياسة فى أمريكا
إن التنسيق بين الاستخبارات الاوروبية خاصة الثلاثى «فرنسا، ألمانيا وبريطانيا» مازال يبحث ما أكدته وكالات مخابرات أمريكية فى يناير 2017، من أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين أمر باختراق مواقع مرتبطة بمرشحة الحزب الديمقراطى فى انتخابات الرئاسة الأمريكية هيلارى كلينتون للتأثير على النتيجة لصالح مرشح الحزب الجمهورى دونالد ترامب، للوقوف على أسبابه ومنعا لوقوع الحدث نفسه بالقارة العجوز.
ويكفى أن نشير إلى ما ذكره «فيتالى كريميز» مدير الأبحاث فى شركة فلاش بوينت المتخصصة فى توفير المعلومات ومقرها نيويورك من أن المراجعة التى قام بها تشير إلى أن مجموعة (إيه.بى.تى) المرتبطة بالمخابرات العسكرية الروسية وراء التسريب الذى طال حملة الرئيس الفرنسى «ماكرون» وكاد أن ينتشر لولا مسئولية وسائل الإعلام هناك ووعى القائمين على كثير من مواقع التواصل الاجتماعى.
بالطبع نفى الكرملين ضلوع بلاده فى مثل هذه الهجمات الإلكترونية، غير أن معسكر ماكرون جدد شكواه من وسائل الإعلام الروسية وجماعة للتسلل تنشط فى أوكرانيا.
صحيفة الواشنطن بوست ناقشت الاختراق الروسى «المتوقع وقتها» فى تقرير لها فى الخامس من سبتمبر 2016 قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى أقيمت فى نوفمبر بعدها بشهرين، بنقلها على لسان مسئولين أمريكيين بأن الاستخبارات الأمريكية ووكالات تنفيذ القانون تتقصيان ما يعتبرانه عملية روسية سرية موسّعة فى الولايات المتحدة الأمريكية تهدف لزعزعة ثقة الشعب الأمريكى بالانتخابات الرئاسية وكذلك المؤسسة السياسية الأمريكية.
وبين المسئولون أن التحقيق يهدف لفهم مقصد وغاية الحملة الروسية، التى تستخدم فيها روسيا أدوات إلكترونية لاختراق الأنظمة المستخدمة فى العملية السياسية، بما يعزز قدرة روسيا على نشر معلومات مغلوطة مضللة إعلامياً.
وذهب بعض المسئولين الأمريكيين وقتها إلى تعمد روسى لإحداث فوضى، وتوفير الذرائع الدعائية التى تؤجج مهاجمة سياسات البناء الديمقراطى الأمريكى حول العالم، وبالأخص فى دول الاتحاد السوفيتى السابق وإظهار أمريكا نفسها بالضعف السياسى والخضوع للإرادة الروسية!
اختراقات تجريبية
إن ما حدث من اختراقات إلكترونية فى الثانى عشر من مايو 2017، ما هو إلا تمهيد لموجة قادمة أكبر من الهجمات الإلكترونية ذات تأثير فعلى على الأرض وربما كان اختبارا لبرامج جديدة جرى الاستيلاء عليها من وكالة الأمن القومى الأمريكية يتم تطويرها لمفاجآت ربما تتسب فى صراعات أو حروب نتيجة التحكم فيما بعد بأجهزة إطلاق الصواريخ أو التوجيه الخاطئ للمقاتلات والتشويش على أجهزة الدفاع الجوى وهو السيناريو الأسوأ الذس سيمنح مالكه سيطرة كبيرة على الأمور لكنها سرعان ما قد ترتد عليه لأن هذه البرامج أيضا يمكن استهدافها ببرامج أكثر شراسة فى هجمات عكسية!