الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«التأمين الصحى».. رحلة مرضى سوهاج إلى «الآخرة»

«التأمين الصحى».. رحلة مرضى سوهاج إلى «الآخرة»
«التأمين الصحى».. رحلة مرضى سوهاج إلى «الآخرة»




سوهاج - خالد سليمان

إذا أردت أن تتخلص من حياتك فى وقت قصير، فعليك فقط أن تذهب إلى إحدى عيادات التأمين الصحى فى محافظة سوهاج، خاصة أن الآلام التى يشعر بها المرضى والعذاب الذى يتجرعونه كل يوم بسبب معاناتهم المرضية لا تمثل شيئا بالنسبة للمسئولين والأطباء فى عيادات التأمين الصحى، حيث تحول المريض أمامهم إلى مجرد أوراق ومستندات وقرارات وخطابات تحويل من عيادة إلى أخرى، ثم إلى مستشفى فى سوهاج أو القاهرة، ومع مرور الوقت تتفاقم حالة المريض وتزداد معاناته، وقبل أن يصل إلى علاجه أو جراحته التى وعدوه بها يكون الموت أقرب إليه.
على سلم العيادة التخصصية بمدينة سوهاج الطبية، رصدت عدسة «روزاليوسف»، مآسى ومعاناة العديد من مرضى القلب والكبد والعظام والأورام من منتفعى التأمين الصحى بسوهاج..
فى البداية يقول على أحمد عبدالباسط على، موظف بمديرية الزراعة بسوهاج، بالمعاش، ومقيم بمركز جرجا: لقد حضرت إلى اللجنة الطبية التخصصية لمرضى الباطنة والقلب، ومعى خطاب تحويل من عيادة التأمين الصحى بجرجا وأشعة الأيكو التى أجراها لى طبيب التأمين الصحى المنتدب من كلية الطب جامعة سوهاج، وبعد أن دخلت اللجنة الطبية بعد حوالى ساعة ونصف الساعة من الانتظار اللجنة لا تعمل سوى 3 أيام فى الأسبوع «السبت - الاثنين - الأربعاء» وتضم 3 أطباء وبعد فحص أوراقى والتحاليل والاشعة قرروا عمل قسطرة على القلب وخيرونى أن أجريها فى مستشفى جامعة سوهاج أو معهد القلب.
ويتابع: لكن الطبيب أخبرنى أن الانتظار والدور فى الجامعة أقل بكثير من معهد القلب، حيث إنه فى معهد القلب طابور طويل ولستة انتظار لا تعد ولا تحصى، ويمكن إجراء العملية بعد 3 أشهر من تاريخ التسجيل إذا حالفه الحظ فى ذلك، فوافقت على إجراء القسطرة فى الجامعة وفوضت أمرى لله، وتوجهت إلى مستشفى الجامعة، وهناك تحول المستشفى إلى سوق كبيرة لا أحد يعرف فيه شيئا، ولا أحد يجيب عن شىء. ويضيف عبدالباسط: وبعد 3 ساعات من الصعود والنزول على درجات السلالم وأوشكت روحى على الخروج، وصلت إلى عيادة القلب وأبلغونى أن أحضر فى الصباح الباكر، لأن الأطباء غادروا المستشفى، وفى اليوم التالى التقيت طبيب القلب، وطلب منى الحضور بعد شهر لإجراء القسطرة، وحاولت أن يكون هناك ميعاد أقرب، وبعد إلحاح، تم تحديد ميعاد آخر بعد 15 يوما وجئت فى الموعد وطلبوا منى إجراء تحليل دم قبل العملية.
ويلفت إلى أن إحدى الموظفات بالمستشفى نصحته بأن يجرى التحليل خارج المستشفى لأن تحاليل المستشفى سوف تتأخر إلى الظهيرة والعملية ستجرى الآن، مضيفا: فأسرعت فورا وأجريت التحاليل وبعد نصف ساعة حضرت إلى قسم العمليات فأدخلونى فيها لتحضير العملية ثم طلبوا من شقيقى شراء 3 جوانتيات و3 سيبديهات ومستلزمات اخرى لإجراء العملية، فاسرع شقيقى بشرائها، وعرفت بعذ ذلك أن الموظفة حصلت على هذه المشتروات لنفسها، رغم أن هناك تنبيهاً مكتوباً على الحائط بعدم الحصول على أى إكراميات من أهالى المرضى.
وينوه عبدالباسط، إلى أنه بعد إجراء عملية القسطرة أخبرنى الطبيب أننى احتاج إلى تركيب دعامتين ويتم إجراء العملية فى مستشفيات التأمين الصحى بالقاهرة أو فى مدينة نصر أو مستشفى المقطم، وخرجت من المستشفى بعد 4 ساعات والأسى على وفجهى والحزن يعترينى، وحضرت مرة أخرى لعيادة التأمين التخصصية ليعطونى خطاب تحويل إلى القاهرة، متسائلا: لماذا نسافر إلى مستشفيات القاهرة ولدينا فى سوهاج معهد القلب وتجرى فيه عمليات القسطرة والدعامات والقلب المفتوح.
ويشير إلى أن ما زاد من مأساته ومعاناته، حينما أخبره أحد العاملين فى التأمين الصحى بأن عملية الدعامات ستجرى بعد 6 أشهر على أقل تقدير، فى الوقت الذى تزداد حالته المرضية سوءاً يوما تلو الآخر بسبب ضيق الشريان التاجى والشريان الأمامى، فضلا عن أن تكلفة العملية يتجاوز الـ50 ألف جنيه، فلم يجد أمامه سوى الانتظار إلى ما بعد 6 أشهر، قائلا: «ربنا يستر وعلاجى يكلفنى فى الشهر الواحد 400 جنيه بس مش أكتر».
تلك المأساة لم تكن بالنسبة لـ«عم عبدالباسط»، فحسب، بل هى ما أكدها أيضا زكى مهنا، من سوهاج، حيث يقول: لا نعرف السر فى عدم تعاقد التأمين الصحى مع مستشفيات قريبة فى أسيوط أو معهد القلب؟، متسائلاً: لماذا يرسلوننا إلى مستشفيات القاهرة ونعيش شهورا طويلة فى انتظار العملية الجراحية سواء للقلب أو العظام، مطالبا بضرورة التدخل لرفع الظلم والمعاناة عن المرضى، الذين ضاقت بهم السبل، فى وقت يعانى جميعهم ضيق الحالة المادية.
أما سعاد سيد حسين من أولاد نصير مركز سوهاج، تلفت إلى أنها حصلت على خطاب تحويل من العيادة التخصصية إلى مستشفى كلية الطب لإجراء عملية قلب مفتوح، منوهة إلى أنها تعيش فى قلق ورعب شديدين من العملية لأنها عملية كبيرة كما أخبروها فى بلدتها ولا تعرف ماذا تفعل سوى أن تسلم أمرها إلى الله وتجريها فى جامعة سوهاج، قائلة: أنا عمرى 30 سنة، وعندى 3 أطفال، وخايفة أموت واسيبهم فى هذه السن الصغيرة».
الكارثة أن المشهد فى الطابق الثانى بالعيادة التخصصية بسوهاج أشبه بالسوق، حيث الزحام داخل العيادات المختلفة سيد الموقف، درجة الحرارة مرتفعة، والمرضى وذويهم يفترشون الطرقات، أما غرف الانتظار فمكتظة بالمرضى، والأقسام كلها تراصت جنبا إلى جنب، عيادة القلب والباطنة بجوار عيادة العظام بجوار حجرة الأشعة التليفزيونية، الأمر الذى أحدث حالة من الارتباك والبلبلة والضوضاء غير المسبوقة.
يقول أحد الأطباء، الذى فضل عدم ذكر اسمه: إن هيئة التأمين الصحى تقدم خدماتها للمنتفعين فى ظل ظروف صعبة بالميزانية المحدودة للغاية، فى وقت تزداد فيه أعداد المرضى، وترتفع فيه أسعار الأدوية والمستلزمات الطبية، فضلا عن أن إجراء العمليات الكبرى يكلف الهيئة ميزانيات ضخمة، وفى سوهاج نحتاج إلى توسعة فى مستشفى الهلال للتأمين الصحى أو إنشاء مستشفى أكبر بحى الكوثر لخدمة «سوهاج قنا نجع حمادى».
ويلفت الطبيب إلى أن هناك عجزا صارخا فى الأجهزة الطبية، حيث إنه لا يوجد جهاز قسطرة القلب، الذى من المفترض أن تقوم الهيئة بشرائه وتدعيم سوهاج به بدلا من التعاقد مع مستشفيات خارج التأمين الصحى وتوفير ملايين الجنيهات، ناهيك أن التأمين الصحى عليه أن يتعاقد مع جميع المستشفيات الكبرى والخاصة بسوهاج ليرحم المرضى من السفر إلى القاهرة لإجراء عمليات القلب المفتوح أو القسطرة، منوهًا إلى أن علاج مرضى فيروس سى يستغرق وقتا طويلا وهناك قائمة انتظار تصل إلى عدة أشهر بسبب عدم ورود العلاج إلى المحافظة، خاصة معهد القلب والجهاز الهضمى والكبد، مطالبا بضرورة دعم سوهاج بميزانية مضاعفة.
لكن من الواضح أن تقصير هيئة التأمين الصحى لم يكن فى حق المرضى فقط، بل وفى حق موظفيها أيضًا، حيث كان قد أضرب فى وقت سابق عدد كبير من الإداريين العاملين بعيادات وأفرع التأمين الصحى على مستوى محافظة سوهاج عن العمل، احتجاجًا على ما وصفوه على حد قولهم بأنه تخاذل من الهيئة فى تحقيق المساواة المالية بين العاملين والمطالبة بالكادر.
وقال العاملون أن ذلك: إن الإضراب جاء بعد طرقنا جميع الأبواب للمطالبة بالمساواة فيما يتصل بالمستحقات المالية الخاصة بالعاملين بالصحة، مشيرين إلى أن قرار الهيئة العامة للتأمين الصحى نص على تعديل قيمة البدلات التى يحصل عليها الأطباء العاملين بالهيئة لترتفع قيمة الحوافز والبدلات الخاصة بالطبيب إلى 625% من أساسى الراتب، وتتم إضافة 50% للطبيب المقيم و50% لمديرى الفروع والمناطق والعيادات الشاملة.
فضلاً عن حصول الأطباء البشريين على 700 جنيه تحت مسمى بدل مهن طبية، وتخضع نسبة 150% من الحافز المقرر لكل الفئات للتقييم، وتصرف الاستحقاقات، اعتباراً من أول يناير الماضى، الذى لا تتعدى نسبته عن 50%، ويخضع خلاله الموظف لتقييم قيادات العمل.
 وأوضح العاملون بسوهاج أن تعرض الموظف للتقييم للحصول على نسبة الحافز المحددة له يعد ظلماً واضحاً وإذلالاً للموظف الذى سوف يخضع لطلباته وتكون عملية التقييم بالمزاج، ناهيك أن القيادات الأمنية والتنفيذية تدخلت حينها، فى محاولات منها لإقناع العاملين بالتأمين باتباع السبل القانونية فى عرض مطالبهم وإرجاء عملية الإضراب حتى لا تتوقف منظومة العمل.