الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الصراع على السيادة فى بحر الصين الجنوبى

الصراع على السيادة فى بحر الصين الجنوبى
الصراع على السيادة فى بحر الصين الجنوبى




أحمد عبده طرابيك يكتب:

يشكل بحر الصين الجنوبى أهمية كبيرة ليس لدول جنوب شرق آسيا المطلة عليه وحسب، بل للاقتصاد العالمى، وذلك لأهمية ذلك الشريان المائى الكبيرة للتجارة العالمية، فهو ثانى أكثر الممرات البحرية العالمية كثافة بالحركة الملاحية، حيث تمر من خلاله نحو نصف الشحنات التجارية البحرية الدولية، والتى يقدر قيمتها بنحو خمسة تريليونات دولار، يضاف إلى تلك الأهمية لبحر الصين الجنوبى غناه بمصايد الأسماك ذات الأنواع الأكثر طلباً عليها فى العالم، إلى جانب الدراسات التى تؤكد احتواء الجزر والكثبان الرملية المنتشرة فيه بكميات كبيرة من النفط والغاز الطبيعى.
وبحر الصين الجنوبى هو عبارة عن جيب مائى، أو جزء من المحيط الهادي، يشمل المنطقة الممتدة من سنغافورة ومضيق ملقا حتى مضيق تايوان، ويشغل مساحة تبلغ نحو 000 500 3 «ثلاثة ملايين وخمسمائة ألف كيلو متر مربع» ويطل على البحر كل من الصين، تايوان، الفلبين، ماليزيا، اندونيسيا، فيتنام، لاوس، كمبوديا، تايلاند، بروناي، سنغافورة. ويحتوى على الكثير من الجزر أهمها باراسيل وسبراتلى، والكثير من الشعب المرجانية أهمها سكاربرة.
اندلعت عدة مواجهات بهدف فرض السيادة على جزر ومياه بحر الصين الجنوبي، كانت الصين طرفاً فى جميع تلك المواجهات، ففى عام 1974 استولت الصين على سلسلة جزر باراسيل من فيتنام، فى مواجهات خسرت فيتنام فيها 70 جندياً، وفى عام 1988 نشبت مواجهة أخرى بين الطرفين حول سلسلة جزر سبراتلي، قتل فيها 60 عسكريا فيتناميا، وفى أوائل عام 2012، اندلعت مواجهة بين الصين والفلبين حول شعاب سكاربره، وفى نفس العام قامت احتجاجات فى فيتنام بعد ورود أنباء لم يتم تأكيدها عن تخريب الصين لمنصتى استكشاف للنفط والغاز تابعتين لفيتنام، وفى أوائل عام 2013، أعلنت الفلبين عن اعتزامها رفع دعوى قضائية ضد الصين أما محكمة التحكيم الدولية وفق قانون البحار الصادر عن الأمم المتحدة، وفى أوائل عام 2014، قامت الصين بسحب منصة استخراج نفط فيتنامية بالقرب من جزر باراسيل، تبعه عدة عمليات تصادم بين عدد من السفن الصينية والفيتنامية، ويلاحظ من تلك الحوادث تزايد عدد المواجهات بوتيرة متسارعة خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذى يشير إلى اتجاه وتيرة المواجهات إلى التصعيد، ويجعل من بحر الصين الجنوبى منطقة قلائل واضطرابات عالمية.
رغم التزايد المستمر فى وتيرة المواجهات والاحتكاك بين القطع الحربية الصينية من جهة، وبين الدول المتنازعة على السيادة فى جزر ومياه البحر من ناحية أخري، فإن كل تلك العمليات لن تتطور إلى حرب شاملة بمفهومها العسكرى بين الطرفين فى المستقبل المنظور، وذلك لعدد من العوامل، يأتى فى مقدمتها القناعة التامة لدى الطرفين بأن الخيار العسكرى فى تسوية ذلك الصراع مستبعد وغير مدرج فى قائمة الحلول لهما، باعتباره أكثر الحلول تكلفة لهم جميعا، ورغم ميل ميزان القوة بشكل كبير لصالح الصين إلا أنه لن يكون بمقدورها اللجوء إلى ذلك الخيار لأسباب تتعلق بحرص الصين على استقرار المنقطة وعدم وجود ذرائع للقوى الخارجية بالتدخل فيها وخاصة الولايات المتحدة، التى تسعى للتواجد بالقرب من الصين المنافس لها على الزعامة العالمية، رغم المخاوف الأمريكية من التورط فى حروب خارجية تزيد من أعبائها بعد تجربتى أفغانستان والعراق، ولذلك فالمصلحة المشتركة لجميع الدول المتنافسة على السيادة فى بحر الصين الجنوبى هو استبعاد الخيار العسكرى كحل للصراع.
لقد اعتمدت تجارب التنمية بشكل أساسى فى منطقة شرق، وجنوب شرق آسيا «آسيان» على حرية التجارة الخارجية، الأمر الذى جعل معدل التجارة الإقليمية البينية فى منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وفى منطقة جنوب شرقى آسيا يعد من أعلى معدلات التجارة الإقليمية البينية فى العالم، إلى جانب توفير بيئة جاذبة للاستثمارات بشكل كبير يفوق أى منقطة أخرى فى العالم أيضا، كان من بينها عاملى الاستقرار وتوافر الأيدى العاملة الماهرة والأقل تكلفة، ومن ثم فهناك اتفاق ضمنى وإن لم يكن معلناً بين الصين والدول المتنازعة على السيادة فى بحر الصين الجنوبى على عدم ضياع تلك المزايا التى حققت من ورائها معدلات كبيرة فى التنمية.
يرتبط الصراع على السيادة فى بحر الصين الجنوبى بثلاثة أطراف رئيسية، الصين كطرف رئيسي، ودول شرق وجنوب شرق آسيا كطرف ثان، إلى جانب الولايات المتحدة التى تسعى لعرقلة أى جهود صينية بمواصلة تنميتها المتصاعدة، وتوجد كثير من المساحات للأطراف الثلاثة للتحرك فيها، فالصين ستستخدم سياسة الأمر الواقع من خلال السيطرة الفعلية على الجزر واستمرار تنامى قدراتها العسكرية فى تلك الجزر، مع تأكيدها على الالتزام بحرية الملاحة البحرية والجوية فى بحر الصين الجنوبى باعتبار ذلك يمثل مصالح عالمية، مع الاستمرار فى استخدام ورقة الحقوق التاريخية لها فى البحر، وستحاول الصين كذلك احتواء الأطراف الأخرى سواء من خلال تقديم المساعدات المالية والفنية لدول الجوار المتنازعة معها، وتوسيع مجالات التعاون مع تلك الدول حتى تكون بديلاً عن التدخل الأمريكى، أما الولايات المتحدة فمن جانبها ستحاول تنمية علاقتها مع دول المنطقة بما فيها التعاون العسكرى، مع استمرارها فى محاولة ابراز التهديد الصينى للملاحة العالمية فى بحر الصين، وسعيها لتدويل ذلك الصراع بهدف الضغط على الصين دولياً.
دول شرق وجنوب شرق آسيا الطرف الثانى فى الصراع مع الصين على السيادة فى بحر الصين الجنوبى أمامها العديد من الأوراق فى مقدمتها اللجوء إلى التحكيم الدولى والحصول على أحكام دولية على غرار الفلبين لإثبات حقوقها، مع الاستمرار فى تنمية علاقاتها مع الولايات المتحدة للضغط على الصين وجعل مواقفها أكثر مرونة فى القبول بتسوية لذلك الصراع.
 أما عن مصر فرغم بعدها الجغرافى عن المنطقة إلا أن عامل الاستقرار فى منطقة بحر الصين الجنوبى يمثل أهمية كبيرة لها، فالاستقرار يعنى استمرار تدفق حركة التجارة العالمية فى المنطقة والتى بدورها تؤثر على حركة الملاحة فى قناة السويس التى تعتبر من أهم موارد الدخل القومي، ولذلك فإن مصر لديها اهتمامات كبيرة بذلك الصراع، ولديها رغبة فى بذل أى جهد يسهم فى تسوية هذا الصراع فى تلك المنطقة المهمة من العالم.