السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

القاهرة تعبر سور برلين

القاهرة تعبر سور برلين
القاهرة تعبر سور برلين




أحمد باشا: يكتب من برلين

نحو خطوة أكثر دفئًا للعلاقات المصرية - الألمانية بدأت اليوم زيارة الرئيس  عبدالفتاح السيسى إلى برلين حيث قمة إفريقيا G20  التى تأتى فى إطار رئاسة ألمانيا لمجموعة العشرين وسعيها لتحقيق الشراكة بين مجموعة G20 مع إفريقيا والاتفاق معها فى نسبة تمويل مجموعة العشرين للتنمية المستدامة فى الاستثمارات داخل القارة السمراء خصوصًا فى مجالات البنية التحتية والاقتصاد، وعلى جانبها يعقد الرئيس المصرى لقاء ومباحثات مهمة مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والذى يعد اللقاء السادس بين الزعيمين فى غضون عامين ونصف العام منذ أول زيارة للرئيس المصرى لبرلين فى مايو 2015 وتوالت بعدها اللقاءات الثنائية فى أكثر من مناسبة ومكان وفاعلية.
لم يكن عبور القاهرة سور برلين السياسى سهلًا بعد ثورة 30 يونيو حيث كان الموقف الألمانى صعبًا وصلدًا وأغلقت القنوات الدبلوماسية والسياسية بين البلدين، حيث قادت ألمانيا توجهًا متشددًا مع دول الاتحاد الأوروبى عقب إزاحة نظام الحكم الإخوانى عقب ثورة شعبية خالدة فى 30 يونيو وصل فيها الأمر إلى حظر تصدير السلاح إلى مصر وكذا المعدات الأمنية والعسكرية وصولًا إلى درجة أقرب إلى التجمد فى العلاقات بين البلدين!
لم يكن عبور سور برلين سهلًا أمام الإدارة المصرية المنتخبة فى 2014 لتحسين صوت مصر وإيقاف حملة التشويه المتعمد لما جرى فى مصر وكيفية ضخ دماء فى عروق العلاقات المصرية - الأوروبية بعد انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى، وبالأخص مع دول أوروبا الكبرى (فرنسا - بريطانيا - ألمانيا)، وكانت الزيارة الأولى لسيادته أول محاولة لإذابة جبل الجليد السياسى بين البلدين، خصوصًا أن العلاقات بينهما كانت الأفضل نموذجًا فى الماضى وصولًا إلى ثورة 30 يونيو، كما أن ألمانيا تعد البوابة الملكية للاتحاد الأوروبى وصاحبة التأثير الأقوى فى القرار السياسى والاقتصادى بالقارة العجوز وهو ما تفطن له القاهرة من ناحية والتى أيضًا شهدت  ارتقاء فى نظرتها لنفسها كدولة تنفض عن نفسها دنس نظام الإخوان الإرهابى وتعلم قيمة وقدر الدولة المصرية، كند وشريك وليس مجرد تابع لأى نظام عالمى أو دولة عظمى!
لا يخفى على أى متابع تأزم الموقف الألمانى السياسى على عدة مستويات بالأخص فى محيطها الأوروبى بعد الاستفتاء البريطانى على الخروج من الاتحاد الأوروبى ما مثل زلزالًا وشرخًا فى جدار تماسك القارة العجوز، إضافة إلى توتر العلاقات عبر الأطلسى، حيث إن واشنطن وإدارتها الجديدة كشفت عن مساحات توتر واختلاف بينها وبين ألمانيا فيما يخص التفاهمات حول الناتو والاتفاق العسكرى الواجب من الدول الأوروبية فيه وهو ما لا يرضى الولايات المتحدة، كذا العلاقات الثنائية الاقتصادية بين البلدين وصولًا إلى الاختلافات فى وجهات النظر حيال قضايا إقليمية ودولية ما يمثل ضغطًا على المستشارية الألمانية ربما لم يخففه سوى وصول ماكرون إلى قصر الإليزيه ليلقى بطوق النجاة ويعطى قبلة الحياة مجددًا للاتحاد الأوروبى، وأصبحت فرنسا الشريك الاستراتيجى وعمود الخيمة الثانى الذى تقف عليه أوروبا.
وسط كل تلك التفاعلات والتداخلات الإقليمية والدولية لعبت القاهرة مباراة سياسية ودبلوماسية رائعة وصولًا لتحقيق مصالحها الاستراتيجية وتثبيت أركانها فى مجال محيطها الحيوى، وفى مقدمته شمال المتوسط، لتنجح فى تصحيح مسار العلاقات الثنائية مع ألمانيا تحديدًا كما أسلفنا سابقًا على قواعد الشراكة والندية والمصالح المشتركة.
ما بين اللقاء الأول بين الزعيمين فى يونيو 2015 وحتى اللقاء السادس اليوم فى يونيو 2017 لعبت القاهرة دورًا مهمًا فى تجفيف منابع التوتر والمخاوف الألمانية وتصحيح الصورة واتخذت الاستراتيجية المصرية فى سبيل ذلك عدة مستويات وقنوات تراوحت بين الاقتصادى والسياسى والأمنى.
بشكل عام نجحت الإدارة المصرية فى تقديم نفسها كشريك أساسى وضلع فاعل فى الاستراتيجية العالمية لمواجهة ومكافحة الإرهاب، بل كانت هى القائد والموجه حتى أن خطاب الرئيس السيسى فى القمة الإسلامية - الأمريكية الأخيرة فى الرياض اشتمل على خطة عمل ومواجهة حقيقية للإرهاب وهو ما عانت منه مؤخرًا ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبى كما أن مصر فى إطار هذه الاستراتيجية هى التى تقود تجديد وتصحيح الخطاب الدينى عبر الأزهر الشريف الذى أيضًا أخذ على عاتقه تدريب وتأهيل الدعاة الألمان على نفقته الخاصة لنشر الفكر الإسلامى الوسطى بعد أن سيطرت القوة الراديكالية الإسلامية (الأتراك - الإخوان - السلفيين) على المراكز والمساجد الإسلامية فى ألمانيا.
على صعيد متصل تخشى ألمانيا مثلها مثل باقى دول شمال المتوسط من ظاهرة الهجرة غير الشرعية والتى تلعب مصر الدور الأهم والفاعل فى مواجهة هذه الظاهرة، وهو ما يعظم الدور المصرى وأهميته باعتبارها الدولة الأكبر والأعظم فى محيطها الإقليمى والأكثر استقرارًا وأمنًا وثباتًا وسط منطقة تموج بالصراعات خصوصًا الدور السياسى المصرى فى ليبيا وصولًا إلى تقارب - وليس تطابقًا - فى الرؤى بين القاهرة وبرلين بخصوص الملف الليبى بعد أن كان مثار خلاف واختلاف بين البلدين.
كما أن عودة مصر كدولة قوية راسخة لدورها الاقليمى والعالمى وكلاعب أساسى وشريك فاعل فى كل ملفات المنطقة سواء فى سوريا أو اليمن أو حتى إفريقيا أجبرت القوى العالمية على تصحيح مسارها فى العلاقات الثنائية مع القاهرة والقفز فوق الخلافات تحقيقًا للمصالح المشتركة خاصة الاقتصادى منها، حيث تنفذ شركة «سيمنز» الألمانية حاليًا أكبر تعاقد لها فى تاريخها مع الحكومة المصرية الذى يصل إلى 8.5 مليار دولار فى مجال الطاقة ما جعل من مصر سوقًا رائجة للاستثمارات الألمانية، ولا يخفى على أحد الدور المؤثر للاقتصاد فى التفاهمات السياسية بين الدول، كما أن مصر فى نفس ذات المجال الاقتصادى وللمرة الأولى يجرى تواصل وزيارات متبادلة بين وزراء الزراعة فى البلدين للاستفادة من التجربة الألمانية فى تسمين وتطوير سلالات الماشية فى إطار المشروع القومى المصرى (المليون رأس ماشية) وكذلك الاستفادة من التجربة الألمانية فى مجال التعليم الفنى والتدريب المهنى، وهو ما يمثل أهمية قصوى للدولة المصرية.
وأخيرًا يأتى التفاهم الآنى بين البلدين ليكون ركيزة تفاهم أقوى، خصوصًا أن الألمان اقتنعوا بالطرح المصرى تجاه جماعة الإخوان الإرهابية التى يصفونها حتى الآن بـ«الخطيرة» وليس الإرهابية وان كانت أجهزة الأمن والاستخبارات الألمانية قد رصدت مؤخرًا تحركات مريبة ومشبوهة  لجماعة الإخوان خارج معاقلها ونقلت نشاطها إلى شرق ألمانيا، كذا وقع البلدان مؤخرًا أول اتفاقية للتعاون الأمنى بينهما، بعدما قدمت مصر ما يفيد ويثبت تورط جماعة الإخوان فى الإرهاب داخل مصر وخارجها عبر أجنحتها المسلحة حركتا حسم ولواء الثورة.
المؤكد أن كلًا من البلدين يعتبر بوابة العبور الملكى، سواء لمصر على أوروبا أو ألمانيا على إفريقيا، وهو ما يعظم قمة أفريقية مع G20 وكذا فرصة اللقاء الثنائى المهم بين عبدالفتاح السيسى وأنجيلا ميركل.