الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فى عيد الاستشهاد.. «رسل المسيح» فى العيادة النفسية

فى عيد الاستشهاد.. «رسل المسيح» فى العيادة النفسية
فى عيد الاستشهاد.. «رسل المسيح» فى العيادة النفسية




 كتب - روبير الفارس

احتفل الأقباط خلال هذا الأسبوع بما يطلق عليه «عيدالرسل»، والذى يأتى بعد صيام استمر 37 يومًا وينتهى بعيد «استشهاد الرسولين بطرس وبولس».
ويعد «بولس الرسول» من أهم الشخصيات المثيرة للجدل فى التاريخ المسيحى، فهو صاحب أكبر عدد من الرسائل بالإنجيل (1 رسالة)، وأشهر من بشر فى المسيحية بأوروبا وآسيا فى ثلاث رحلات شهيرة، ويعتبره البعض مؤسس الهيكل التنظيمى للمسيحية فى العالم رغم أنه بدأ حياته مضطهدًا للمسيحيين بل ومشاركا فى حراسة ملابس قتلة أول شهيد مسيحى بالقدس بعد «صعود المسيح الى السماء».
بل كان ذاهبا لقتل المسيحيين فى سوريا، ويقال إنه على أبواب دمشق ظهر له «المسيح» فتغيرت مسيرته من إرهابى إلى مبشر وتنتهى حياته بالقتل على يد نيرون!
ومؤخرا قدم الكاتب الفرنسى «ديديه روشا» دراسة متميزة عنه بعنوان «بولس النموذج الاستراتيجى» قدم فيها محاور جديدة لشخصية الرسول الشهير منها تحليلا نفسيا لبولس جاء فيها:

إن شخصية بولس هى شخصية مركبة فمن ناحية بولس إنسان منفتح على الخارج والناس ويتمتع بحدس عال من جانب، ومن خلال رسائله نكتشف المفكر الكبير ذا الرؤية الاستراتيجية المتطورة جدًا، مع حس تنظيمى لا مثيل له، فهو لا يفقد قط النظرة الشاملة مع مقدرة على الاستفادة بكل فرصة متاحة بهدف رسالته وإذكائها.
تتابع الدراسة بأنه رائد يرحب بالتحديات والتجديد، كما أنه يتجنب التبشير حيث بشر الآخرين إنه يضع اللبنات الأولى ثم يترك المجال للآخرين. للمسئولين المحليين، ربما كان نرجسيًا قليلًا حين يطلب أن يتخذوه مثالاً، لكنه مع ذلك يتجنب أن يكون وجوده بينهم شيئًا لا يستغنون عنه فى الكنائس المحلية.
فهو يعرف متى ينسحب لكى يكون المسيح هو الكل فى الكل، كما أنه نهاز فرص بالمعنى الطيب، كريمًا ومتفائلاً، وعنده طاقة هائلة على العمل ووعى ذاتى قوى إنه يضحى بكل ما يعطل رسالته: الاستقرار، العائلة والمسرات مملوءً بروح التضحية، صبور فى التجارب وقوى جدًا فى مواجهتها. إنه لا يضحى بنفسه أو يجعل من نفسه شهيدًا باختياره، لأنه يعرف كيف يدافع عن نفسه عندما يجد ذلك ضروريًا.
ومن ناحية أخرى - تقول الدراسة - نستطيع أن نرى إنسانًا حساسًا وذا حدس عال إنه يترك الروح القدس يقوده ويظهر فيه من خلال الضمير، النبوة، الأحلام والرؤى.
إن بولس رجل سعيد وإيجابى مكرس للناس المرافقين له والذين بكونهم.
إنه مليئ بالقيم الإنسانية التى تجعله متعلقًا بمن فى صحبته.. إنه كمعلم يعرف كيف يستخدم سياسة العصا والجزرة، دون أن يفقد الرؤيا الشاملة، وعندما يلزم الأمر، فبولس يعرف كيف يظهر طول الأناة، مملوءً محبة وحبًا عميقًا.
لجعل هذه الدراسة أكثر معاصرة مرر الباحث شخصية بولس للتحليل النفسى للمزاج وكذلك التحليل السلوكى، إن تصنيف البشر يعتمد فعليًا على تحليل مزاجهم وتعود المصادر الأولى فى هذا التحليل إلى «أبقراط» (القرن الرابع قبل الميلاد)، حيث هناك أربعة أنواع من الشخصيات، لكل مناطق قوته وضعفه وهى: الدموى، الغضوب، الحزين واللامبالى. الأولون هم المنفتحون خارجيًا فى حين إن الآخرين انطوائيون.
الدموى - بحسب الدراسة - يتميز بمشاعر ظاهرة، اجتماعيًا ومحبًا للصحبة ومشاركة ما لديه مع الآخرين، ولأجل ذلك لا يخشى أن تكون به بعض صفات المبالغة وحب تجميل المواقف، كما أنه متفائل ودائم البحث عن المسرات ويتأرجح بين ما هو عال ومنخفض، ويتجنب الصراعات ومن السهل أن يغير رأيه أو يتلون.
أما الغضوب فهو يضع لنفسه أهدافًا وبشكل عام ينجح فى تحقيقها. يميل للعمل أكثر من الكلام. مستقلًا ومتسلطًا، قد يعطى انطباعا بالبرود والعند. ومبدأه «افعل الأمر بالشكل الذى أريده وفوراً». الحزين المزاج، كثير التفكير.
فهو يدرس المواقف ويحللها ويضع الخطط المنهجية متينة البنيان التى تلائمها. إنه شخص جاد منظم فى كل نواحى حياته. أكثر من استمتاعه باللحظة الحاضرة. ولأنه قد ينساق فى النقد الذاتى، فقد يجد نفسه تائهًا بين أفكاره.
لا شىء لديه أهم من النظام والانضباط أما الأخير، وهو اللامبالى أو البارد، فهو يتأقلم مع جميع الظروف، يقيم علاقات اجتماعية متعددة ويحب الصحبة، إنه هادئ ومتمحور حول ذاته، يعرف كيف يحسن الاستماع. ولا يترك نفسه يتأثر بالآخرين، لكنه يتخذ طريقه بهدوء. متبعًا إيقاعه الخاص. إنه لين، ويأخذ كل الوقت الذى يحتاجه، وكذلك يعرف كيف يستمتع بمسرات الحياة.
أما بولس فهو من النوع الغضوب، ذى عزم وتصميم، طموح ولا يدع أحداً يحول عنه أهدافه.
أما أكثر الشخصيات الكتابية التى تبدو أكثر دموية الطبع فهو بطرس الرسول،  مستعد أن يعلن عن إيمانه وأول من هرب وأنكر كذلك عندما قبض على المسيح.يصنف موسى ضمن الشخصيات الحزينة، فى حين أن الشخصية البارزة فى البرود أو اللامبالاة فهو إبراهيم أبو الأنبياء فى العهد القديم .
وفى مجال تحليل السلوك يقول الباحث إن بولس ينفتح على الآخر، فهو حازم ومشحون طاقة ويعرف كيف يقرر.
كما أنه يحب المنافسة ويبحث عن القوة من خلال السيطرة. لكنه أيضًا فى زاوية التأثير فهو يتميز فى قدرته على التأثير فى الآخرين وعلى إشراكهم فى مشروعاته.
تعتبره الدراسة واسطة اتصال لديه القدرة على الحلم وعلى إشراك الآخرين فى أحلامه، كما أنه يبحث عن تقرير من زاملوه. إنه بالتأكيد أقل اهتمامًا بالتأقلم والاستقرار وخصائصهما فيما عدا اشتراكه مع الاستقرار فى الانتباه وقدرته على التنظيم والبناء.
أما شخصيته فى إطار التحليل الخاص بالمعاملات والعلاقات الاجتماعية وقدرات الاتصال، كان بولس قادرًا على إقامة علاقات بين بالغين وبالغين. كما تبين ذلك رسالته الى «فليمون» فإن رسالته تأتى مبطنة بلغة أبوية. فالكلمات المستخدمة كثيرًا ما تكون آمرة وبسلطان أبوى.
إنه هو من تلقى رسالة من المسيح، وهو المعلم واللاهوتى، وإليه يرجع مساعدوه وشركاؤه، وهو يقرر كل الأمور المهمة. وهو يقرر لتلاميذه ما يجب أن يفعلوه ويحدد من يحل محل تيطس فى قبرص، إنه يؤدى دور القائد فى مؤسسة إرسالية، وهو لا يتوانى عن استخدام لغة آمرة من أجل إنجاز ذلك.
وبالعكس من ذلك، فحين يأخذ بولس مكانه كأب طبيعى، فإن مستمعيه سرعان ما يدخلون فى وضعية أقل تماثل علاقة الطفل بأبيه. فى حالة تعامله مع أهل كورنثوس، يتخذون وضعية المتمرد الذى يعارض سيده مما يحزن بولس ويدفعه لاتخاذ رد فعل.
أيضا لقد كان بولس بلا شك مضطهدًا مشهورًا. وبفضل لقائه مع المسيح، تبدلت شخصيته تمامًا، وقد أصبح يؤدى دور المنقذ بسلطان سيده. سواء حينما يعظ أو يقوم بشفاء المرضى.
كما أنه هو نفسه يصبح ضحية غير أن بولس وإن كان مقدرًا له أن يلعب دور الأب ذى السلطان فهو يعرف أيضًا كيف يتجنب فخاخ هذا المثلث الدرامى.
عندما يهاجم فإنه لا يبالغ فى رد فعله بل يسلم أمره للمسيح ليفعل ما يراه فى الدفاع عنه وعندما يحس أنه ليس بمقدوره أن يحل موقف معين بنفسه، فإنه يرسل مرسالاُ أو أحدا من مساعديه لتهدئة الجو.
فى الرسائل يعبر عن مشاعره دون أن يدخل فى وضع المتحكم فى مستمعيه، إنه يسعى لإقناعهم بحجج مقنعة، لكنه يضعهم بين يدى المسيح الذى يقدر وحده أن يخرجهم من الموقف الذى هم فيه.