الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الأسئلة الممنوعة فى عيد ميلاد المسيح

الأسئلة الممنوعة فى عيد ميلاد المسيح
الأسئلة الممنوعة فى عيد ميلاد المسيح




د - أكرم حبيب
 

فى عيد الميلاد هناك دائما اسئلة تطرق الاذهان من بينها اسئلة تتكرر كل عام حول الاختلاف بين توقيت الاحتفال بين 25 ديسمبر و7 يناير واسئلة اخرى متعلقة بالشخصيات المرتبطة بميلاد المسيح .من ذلك السؤال القائم والباحث عن العلاقة التى تربط بين العذراء مريم ام المسيح واليصابات ام يوحنا المعمدان.
هذا السؤال يطرحه الكثيرون، مرة يأتى من بعض النقاد وغير المؤمنين فى الغرب يريدون أن يقولوا أن هناك تضاربًا فى نصوص الكتاب المقدس، ومرة يثار نفس السؤال من بعض مهاجمى الكتاب المقدس فى مصر ممن يريدون أن يثبتوا أن العذراء مريم من سبط لاوى وليست من سبط يهوذا، لأنهم يسمونها فى كتاباتهم «أخت هارون»، وغيرهم.
هناك العديد من الأسئلة الفرعية يطرحها هؤلاء منها:
■ هل العذراء مريم من سبط يهوذا أم من سبط لاوى؟
■ هل يوحنا المعمدان من حقه أن يعمد وهو من خارج سبط لاوى لو كانت أمه من سبط يهوذا؟
■ هل يمكن لزكريا وهو رئيس كهنة أن يتزوج بزوجة من خارج سبط لاوى؟
■ هل هناك تضارب فى رواية الأناجيل؟
كى نفهم حقيقة العلاقة بين العذراء مريم وبين اليصابات، يجب أن نفهم عددًا من الحقائق، أهمها ما سنتعرف عليه من دراسة التقليد اليهودى السليم.
(1) هوية الشخص تأتى من ناحية أمه أم من ناحية أبيه؟
هذه قضية مهمة، تنتشر بيننا أقوال أنه عند اليهود يتوارث الطفل هويته من ناحية أمه وليس من ناحية أبيه، وهذا أمر غير صحيح أيضاً بحسب قوانين وعادات اليهود الموثقة، ومكتوب عنها بالتفصيل فى كتاب التلمود.
ويقول التلمود اليهودى إن منوح والد شمشون القاضى كان من سبط دان إذ جاء فى سفر القضاة «وكان رجل من صرعة من عشيرة الدانيين اسمه منوح» (قض 13: 2)، بينما كانت أم شمشون من سبط يهوذا، جاءت هذه المعلومة فى العديد من كتب التقليد اليهودى منها المدراش (راجع مثلا BT Bava Batra, 91a ، أوراجع Midrash Tadshe, Ozar he-Midrashim, 474)، ثم يقول التلمود إن الأم من سبط يهوذا لم تغير تبعية شمشون الذى اعتبر من سبط أبيه دان.
المشكلة أن هناك خلطًا بين الجنسية الهيودية وبين التبعية فى الاسباط، نعم التجنس بالهوية اليهودية تكون دائما حق للأم، أى أن الطفل المولولد من أم يهودية يصبح يهوديا بالميلاد حتى ولو كان أبوه غير يهودى، أما الطفل الذى ولد من أم غير يهودية فلا يكتسب الجنسية اليهودية مباشرة حتى لو كان أباه يهوديًا، كل هذا صحيح تماماً ولا يزال متبعاً حتى اليوم.
ولكن هذه القاعدة لا علاقة لها بالتبعية من ناحية السبط، فوراثة تبعية السبط تكون للأب وليس للأم، أى أن الطفل المولود من أم من سبط يهوذا ومن أب من سبط لاوى، تكون هوية هذا الطفل أو تبعيته هى لسبط لاوى (أى سبط الأب)، ولن لا يعتبر الطفل من سبط يهوذا.
مع ملاحظة أن الزواج لا يغير هوية أو تبعية الشخص اليهودى، مثلا زوجة من سبط أشير تزوجت زوج من سبط زبولون، لا يعطيها الحق أن تصير هى من سبط زبولون.
للأسف كثيرون كتبوا فى كتبهم معلومات خاطئة عن هذا الأمر ومنهم مفسرون محترمون للكتاب المقدس، وهذا لعدم رجوعهم إلى المصادر اليهودية المؤكدة، ولعدم احتكاكهم الشخصى بالمجتمع اليهودى المنغلق دائما على ذاته.
تطبيقاً على هذا يعتبر يوحنا المعمدان من سبط لاوى، بغض النظر عن كون أمه أليصابات من سبط يهوذا كما سنرى.
(2) الزواج المختلط من بين الأسباط:
يقول البعض أنه كان ممنوعا عند اليهود أن تتزوج امرأة من رجل من خارج سبطها، وخاصة لو كانت وارثة لأراضى، ويرون فيما جاء فى الإصحاح الأخير من سفر العدد ما يؤيدهم فى هذا.
ولكن هذا غير صحيح على الإطلاق، ففى مثل هذه الأمور لا يجب أن نرجع فقط إلى الكتاب المقدس لنعرف كيف كان اليهود يتصرفون فى حياتهم، بل يجب أن نرجع إلى مصادر التشريع التفصيلية فى المجتمع اليهودى وأهمها كتاب التلمود اليهودى، وهو المرجع الأساسى فى تنظيم الأمور الحياتية لليهود مثل الأحوال الشخصية، يقول التلمود بالنص أن ما ذكر فى سفر العدد هو أمر خاص جداً فقط بالجيل الذى خرج من أرض مصر، ثم يكمل التلمود أنه بالتالى كان الزواج من خارج السبط مسموحاً به عبر التاريخ، ومازال مسموحاً به (لمراجعة أقوال التلمود فى هذا الشأن يرجى الرجوع إلى Bava Bathra 120 - 121).
الخلاصة كل من يدعى أن اليهود لا يتزوجون من خارج السبط هم أناس لا يعرفون تقاليد ولا قوانين المجتمع اليهودى بدقة، كان الزواج من خارج السبط أمراً متاحا للكل ولكل الأجيال باستثناء الجيل الأول الذى خرج من أرض مصر.
بل وفى حالات معينة كان الزواج من خارج السبط ميزة وشرف، مثلا كان من المفضل أن يتزوج الرجل زوجة من سبط يهوذا، سبط العائلة الملكية، أو من سبط لاوى، نسل الكهنوت المقدس، وبالطبع كان من المميز جدا أن يتم زواج بين أبناء سبطى يهوذا ولاوى، لتجتمع الدماء الملكية مع البركة الكهنوتية.
وبناء على هذا ففى قصة العذراء واليصابات زواج مختلط بين أفراد من سبطى يهوذا ولاوى، وسنعرف فيما بعد أن اليصابات غالباُ هى أخت حنة والدة العذراء مريم (أى أن اليصابات هى خالة العذراء، وهى أخت حنة) وبالتالى فهى من سبط يهوذا، ولكنها تزوجت من زكريا الذى يعتبر من أبناء سبط لاوى، رغم أن زكريا كان كاهناً بل رئيس كهنة وهذه نقطة تالية.
(3) هل لابد للكاهن أن يكون متزوجاً من سبط لاوى؟
خطأ ثالث منتشر للأسف ولا اساس له هو القول إن الكاهن (بالطبع يكون من سبط لاوى، وبالتحديد من أبناء هارون بن لاوى) لا بد أن يكون متزوجاً من واحدة من بنات سبط لازى، وإلا فقد الكهنوت، ويضيف كاتب معروف أن اللاوى عندما يتزوج من امرأة من خارج سبط لازى لا يفقد هويته وتبعيته لسبط لاوى، ولكن لا يكون من حقه أن يصير كاهنا وخاصة رئيس كهنة.
كل هذا شائعات لا أساس لها من الواقع أو من كتب التقليد اليهودى المعتبرة والمقدسة لدى اليهود.
ينص التلمود اليهودى على القول على أنه حتى رئيس الكهنة نفسه من الممكن أن يكون متزوجاً بزوجة من أى سبط آخر
kohen gadol -- high priest -- could just as easily have a non-kohen mother
إذا لم يكن هناك أى مانع شرعى يهودى فى أن يكون زكريا رئيس الكهنة متزوجاً من سيدة من سبط يهوذا هى اليصابات، بل كان هذا ميزة له.
(4) قرابة العذراء مع اليصابات
من إنجيل مار معلمنا لوقا البشير نعرف أن الملاك دعا اليصابات أنها نسيبة العذراء مريم، قال الملاك للعذراء «وهوذا أليصابات نسيبتك هى أيضا حبلى بإبن فى شيخوختها وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقراً» (لو 1: 36)، ومن هذا النص نعرف أولاً وبشكل مباشر أن اليصابات كانت فى شيخوختها، أى متقدمة فى السن، بينما العذراء مريم كانت من يومها فتاة صغيرة، ويقدر المؤرخون الفرق فى السن بأربعين سنة على الأقل.
النقطة الثانية فى هذا النص هو نوع العلاقة، يريد البعض أن يحصر هذه العلاقة فى بنى العمومة، وهذا غير صحيح على الإطلاق، وسبب المشكلة هى ترجمة الملك جيمس الإنجليزية، فقد جاء النص بها يقول «and behold, they cousin Elisabeth»، وهذه ترجمة غير دقيقة، علماً بأن الغالبية من الترجمات الإنجليزية الأخرى جاءت تقول «your relative Elizabeth».
الكلمة المستخدمة هنا هى كلمة «نسيبة» وفى اللغة اليونانية جاءت بكلمة «συγγενίς» أو كلمة «سينجينيس» التى لا تعنى إطلاقا بنات العم أو الخالة، والكلمة حرفيا تعنى «شخصًا ذا صلة»، وقد تعنى فى الكثير من الحالات «شخص مواطن من نفس البلد fellow countryman»، وبالطبع قد تعنى «قريبًا» بصفة عامة.
وقد استخدم الرب يسوع نفس الكلمة اليونانية فى قوله الشهير «ليس نبى بلا كرامة إلا فى وطنه وبين أقربائه وفى بيته» (مر 6: 4)، وهو يعنى هنا أهل بلده، فالكلمة تعنى ما أكثر اتساعاً فى العلاقات من أبناء العم أو الخالة.
إذا لا يوجد فى نصوص الإنجيل ما يقول أن العذراء مريم واليصابات هما بنات عم أو بنات خالة أو شىء من هذا القبيل، ولكنهما قريبتان لا أكثر.
(5) اليصابات من بنات هارون:
فما معنى إذا ماجاء فى إنجيل مار معلمنا لوقا عن أليصابات «كان فى أيام هيرودس ملك اليهودية كاهن إسمه زكريا من فرقة أبيا وإمراته من بنات هارون وإسمها اليصابات» (لو 1: 5)، هل هذا معناه كما يقول البعض أنها كانت من سبط هارون؟
بالطبع لا يوجد ما يسمى سبط هارون، فهارون هو أحد أبناء لاوى، والسبط سبط لاوى وليس هارون، ولم يذكر فى الكتاب المقدس بعهديه أبداَ عن أحد أنه من سبط هارون، بل هارون نفسه كان يسمى بقول الرب أنه «هارون اللاوى» (خر 4: 14) أى هارون الذى من سبط لاوى، سمعنا أحيانا عن «رتبة هارون» (عب 7: 11)، أى من الرتبة الكهنوتية، ولكن ليس على قبيل السبط، بل الوظيفة.
أما عن تعبير «بنات هارون» فله معنيان، الأول أى من أهل بيت هارون، أى التى أصبحت من أعضاء البيت الكهنوتى المقدس بزواجها من رئيس الكهنة، والثانى هو أنها من الشعب اليهودى الذى نال بركة الكهنوت الهارونى، وهذا تعبير نبوى موجود فى العهد القديم.
إن شعب الله القديم كله كان يسمى بيت هارون، فقد جاء عدة مرات فى المزامير عن شعب الرب منها مثلا «يَا إِسْرَائِيلُ، اتَّكِلْ عَلَى الرَّبِّ، هُوَ مُعِينُهُمْ وَمِجَنُّهُمْ، يَا بَيْتَ هَارُونَ، اتَّكِلُوا عَلَى الرَّبِّ، هُوَ مُعِينُهُمْ وَمِجَنُّهُمْ، يَا مُتَّقِى الرَّبِّ، اتَّكِلُوا عَلَى الرَّبِّ، هُوَ مُعِينُهُمْ وَمِجَنُّهُمْ» (مز 115: 9- 11)، ثم يختم المزمور الفكرة بالقول «الرَّبُّ قَدْ ذَكَرَنَا فَيُبَارِكُ. يُبَارِكُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ. يُبَارِكُ بَيْتَ هَارُونَ» (مز 115: 12)، مستخدما مترادفات «بيت إسرائيل» هو نفسه «بيت هارون».
الشعب كله مدعو للاتكال على الرب، الحديث هنا عن كل الشعب الذى نال الخدمة الكهنوتية، فصار يسمى «بيت هارون»، وبالطبع غير المقصود بهذا الكلام النبوة سبط لاوى ولا حتى عائلة هارون (راجع أيضاً استخدام نفس التعبير فى مز 118: 2- 4).