الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المحاولات المنسية لترجمة الإنجيل للعامية المصرية

المحاولات المنسية لترجمة الإنجيل للعامية المصرية
المحاولات المنسية لترجمة الإنجيل للعامية المصرية




إعداد: روبير الفارس

فى اطار اللقاء السادس والعشرين لأصدقاء التراث العربى المسيحى الذى عقد مؤخرا بكلية اللاهوت الانجيلية، قدم القسّ عيد صلاح راعى الكنيسة الإنجيليّة بعين شمس- والباحث فى التراث العربي المسيحي والحاصل على دبلوم الدراسات المسكونيّة جامعة جنيف سويسرا دراسة بعنوان «الترجمة المصريّة العاميّة للإنجيل فى محيطها الثقافي والاجتماعي.. الخبر الطيب بتاع يسوع نموذجًا» وهى دراسة مهمة للغاية تعرض فيها لموضوع لم ينل حقه من البحث وهو الترجمة العاميّة المصريّة للإنجيل حيث يقول:
ولدت الترجمة العاميّة المصريّة للإنجيل فى ظل هذا السياق المفعم بالجدل حول العاميّة والفصحي، وقد انحاز المترجم وليام ويلكوكس إلى اللغة العاميّة المصريّة فى هذه الترجمة، الذى راعى فيها الوصول إلى رجل الشارع والفلاح المصريّ، وإيصال كلمة الله الإنجيل بلغة مفهومة.

مولد وليام ويلكوكس

وُلد وليام ويلكوكس فى روركي، بالهند، واحد من أربعة أبناء ذكور لمهندس رى بريطانى يعمل فى أعمال الرى على نهر الگانج فى الهند، ودرس الهندسة فى روركي- الهند ثم تخرج فى كلية توماسون للهندسة المدنية- روركى فى عام 1872. انضم إلى إدارة الخدمات العامة الهندية فى عام 1872.
وبعد الغزو البريطانيّ واحتلال مصر، سافر إلى مصر فى 1883 حيث التحق بإدارة الخدمات العامة المصريّة على النيل، فى قناطر أسيوط، التى انتهى إنشاؤها فى 1902.
فيما بعد أصبح رئيس شركة خدمات مياه القاهرة ورئيس الشركة الإنجليزية المصريّة لمخصصات الأراضى والتى كان لها دور أساسى فى تخطيط وتعمير منطقة الزمالك «تعرف الآن باسم جزيرة الزمالك» فى أوائل القرن العشرين، وكان يوجد شارع فى الزمالك مسمى باسمه «ويلكوكس»، ثم تغير الاسم إلى شارع طه حسين.
ترك منصبه فى مصر عام 1897 وبعد أربع سنوات دعى لزيارة جنوب إفريقيا. وبنهاية حرب البوير الثانية طلب منه الإشراف على مشروعات الرى فى مستعمرة ترانسڤال ونهر الأورانج. وقد تم تنفيذ بعض خططه، ولذلك فقد أُنعِم عليه بلقب KCMG.

أعماله الفكرية

تعددت وتنوعت الأعمال الفكرية والأدبية لويليام ويلكوكس قاربت من الثلاثين مصنفًا بين الاختصاص الأصيل فى مجال تخصصه وبين الاهتمام العام، وسنورد للأعمال التى قام بها، القليل منها مترجم إلى اللغة العربيّة والكثير منها مخزون فى اللغة الإنجليزية. وقد ورد حصر مؤلفاته فى مقال منشور عنه على موقع المعرفة الإلكترونى.

شخصية ويلكوكس

يبدو أنَّ شخصية ويلكوكس كانت مجددة فى أفكارها، منجزة فى مشاريعها، وفى تقديم كتاب من جنة عدن إلى عبور نهر الأردن، يقول سايس فى مقدمته للكتاب: «يبدو أن مقترحات السير ويليام ويلكوكس ووجهات نظره الحديثة لم تقتصر على الموضوعات الهندسيّة فحسب فقد كان من حين إلى آخر يبدى ملاحظات من شأنها أن تزعزع المقترحات القديمة الراسخة فى النفوس ويقترح مسلكًا جديدًا للتفكير والبحث العلمىّ».
بدأ ويلكوكس بدراسة الحالة اللغوية فى مصر وقام بدعوة المصريين للكتابة باللغة العاميّة المصريّة ونشر دعوته فى مجلة الأزهار فى عام 1893. وفى عهد يناير من نفس السنة نشر مقالا باسم: لِمَ لمْ تعد توجد قوة الاختراع لدى المصريين الآن؟ وفسر غياب قدرة المصريين المعاصرين على الاختراع والابتكار بأنهم يفكرون ويتحدثون بلغة مختلفة تماما، وأثار ذلك المقال جدلاً كبيرًا بين المثقفين المصريين فى ذلك الوقت وما زال يشار له حتى الآن عند الحديث عن العلاقة بين العاميّة والفصحى. وفى محاولة لإثبات وجهة نظره قام ويلكوكس بترجمة الإنجيل العهد الجديد وكذلك إحدى مسرحيات ويليام شكسبير للغة العاميّة المصريّة.
فقد اعتبر ويلكوكس مخربًا للغة العربية وارتبطت دعوته بالاستعمار وانه ضد القومية العربية وضد لغة العرب. وقد كتبت عنه مجلة الهلال 1994 مقالا بعنوان “إن كان ويلكوكس قد مات فإن أشباهه لا يموتون”، وكان من هؤلاء -مخربي اللغة العربيّة- ويليام ويلكوكس المهندس الذى دعا إلى العاميّة وحاول ترجمة الإنجيل إليها، والقاضى وبلمور الذى دعا إلى العاميّة مع كتابتها بالحروف اللاتينية.
قاوم أغلب المثقفين المصريين فى ذلك الوقت أفكار وليام ويلكوكس واستمروا فى إرسال مقالاتهم لمجلة الأزهار مكتوبة باللغة العربية الفصحى ما اضطر ويلكوكس لإغلاقها فى أكتوبر 1893، ورغم أن عبد الله النديم كان من الوطنيين المصريين الذين يكتبون مقالاتهم باللغة العاميّة، فقد هاجم ويلكوكس هجومًا شديدًا. وقد يكون السبب الحقيقى لرفض الطبقة المثقفة المصريّة لاقتراحات ويلكوكس كونه بريطاني الجنسيّة وكانت مصر فى ذلك الوقت تحت الاحتلال البريطانى، وبالتالى اعتبر المثقفون أن رفضهم لأفكاره جزء من مقاومة الاستعمار.
وقد تم استدعاء شخصية وليام ويلكوكس فى رواية حديثة صدرت عن دار النشر اللبنانية، عام 2016، وعنوانها «تذكرة وحيدة للقاهرة» للروائى أشرف عشماوي، كأحد شخوص الرواية  وقد قدم جابر عصفور فى جريدة الأهرام نقدًا وتحليلاً لهذه الرواية بالقول والبداية هى استجابة «شفيق باشا المغازي» وزير الأشغال العمومية مرغمًا إلى إلحاح «ويليم ويلكوكس» المهندس البريطانيّ الذى كان يقوم على بناء سد أسوان، وأشرف على تعليته الأولى وتعليته الثانية.
الخبر الطيب بتاع يسوع: الإنجيل بالعاميّة المصريّة:
وفى هذه الترجمة نرى أنَّ المترجم العربيّ المسيحيّ للكتاب المقدّس كَسَرَ فكرة ارتباط المقدّس بالفصحى، فترجم الكتاب المقدّس سجعيًا فى محاولة قام بها عبد يشوع الصوباوى القرن الثالث عشرالميلاديّ، وترجمة الإنجيل إلى اللغة العاميّة المصريّة على يد وليام ويلكوكس فى محاولته المتميزة “الخبر الطيب بتاع يسوع أو الإنجيل بالعاميّة المصريّة”.
بدأ نشر هذه الترجمة التى سميت «الخبر الطيب بتاع يسوع أو الإنجيل باللّغة المصريّة» عام 1924م وهى ترجمة عربيّة باللهجة المصريّة قام بها ويليام ويلكوكس، ونشرها فى سبعة أجزاء «ويليام ويلكوكس ولماذا اختارها أصلا وتبنتها مطبعة النيل المسيحيّة من الواضح أن الغرض كان إيجابيًا من اللحظة الأولى، فى الرجوع إلى تلك الفترة، يتبين لنا أن الذى كان وراء هذه الفكرة أو المحاولة مهندس مدنى إنجليزيّ يهتم بأعمال الري، هو السير «ويليام ويلكوكس» الذى كان من رعاة الكتابة باللهجة العاميّة أو المصريّة.
 كما أشار فى كل أبحاثه حتى إنه اختار أن يترجم الكتاب المقدّس إلى المصريّة، وقد كان الهدف من ذلك هو تبسيطه وإيصاله إلى أكبر عدد ممكن من الناس فى هذه الفترة التاريخية الأكثر تعقيدًا فى تاريخ مصر.»
كان من أبرز الدعوات إلى هدم اللغة واستخدام العاميّة بدلًا منها، دعوة المستشرق وليام ويلكوكس، مهندس الرى البريطانيّ الذى بدأ دعوته من خلال محاضراته التى نشرت فى مصر عام1893. تبع ذلك دعوة القاضى ويلمور الذى أهاب بأبناء مصر إصلاح لغتهم وكتابتها بالعاميّة، وكان ذلك سنة 1901.

كتب العامية المصرية

وقد ذكر الترجمة فى مقدِّمتها-التى كتبها بالعاميّة المصريّة أيضًا-هذه العبارة التى تبين الهدف من القيام بهذه الترجمة: «الكتاب ده مترجم من الترجمة الإنجليزيّة والأمريكانيّة فى القرن التمنتاشر. إحنا عملنا كل جهدنا علشان نبيّن كلام الله على حقيقته تحت رعاية الله وعنايته.» وقد ساعد السير وليام ويلكوكس فى الترجمة منصور أفندى بخيت.
ونورد على سبيل المثل بعض من هذه الترجمة كنموذج لما اتخذته هذه الترجمة من نهج وأسلوب، فقد ورد ترجمة التطويبات الواردة فى إنجيل متى الإصحاح الخامس من العدد الأول إلى السادس عشر، كما يلى:
«ولما شاف الناس الكتيرة طلع للجبل ولما قعد تقدموا له تلاميذه، فتح فمه وعلمهم، وقال:
يا بخت المساكين لأن مملكة السما ملكهم.
يا بخت الحزانى لأنهم رايحين يتعزوا.
يا بخت المتضعين لأنهم رايحيين يورثوا الأرض.
يا بخت إللى يجوعوا ويعطشوا للصلاح لأنهم رايحيين يشبعوا.
يا بخت إللى بتشفقوا على غيرهم لأنهم رايحيين يترحموا.
يا بخت الطاهرين لأنهم رايحيين يشوفوا الله.
يا بخت إللى بيصلحوا بين الناس لأنهم رايحين يسموا أولاد الله.
يا بخت اللى ينطردوا علشان أنهم يرضوا الله لأن مملكة السماء ملكهم.
يا بختكم لما يعيروكم ويطردوكم ويشتموكم من غير حق علشاني.
افرحوا وهللوا لأن أجركم كبير عند ربنا. لأنهم كدا كما طردوا الأنبياء اللى جم قبلكم.
أنتم ملح الأرض وان فسد الملح فبأيه يتملح. ما ينفعش بعد كدا لشيء غير يترمى وتدوسه رجلين الناس، أنتم نور العالم، البلد اللى فوق جبل مش ممكن تستخبى، والناس لما تولع اللمبة موش تحطها تحت الكيلة لكن فوق الرف علشان تنور على كل اللى فى البيت..  خلى نوركم ينور قدام الناس علشان يشوفوا أعمالكم الطيبة، ويقدسوا أبوكم إللى فى السما».

نموذج الصلاة الربانيّة:

يا أبونا اللى فى السما يتقدس اسمك
يجى ملك
تمشى إرادتك فى الأرض زى ما هى فى السما
أدينا النهاردة عايش علشان بكرة
وسامحنا بديوننا زى ما احنا بنسامح المديونين لنا
وما تدخلناش فى تجربة لكن نجينا من الشرير
لأن لك الملك والقوة والمجد إلى الأبد أمين.
 يعلق أ. ه. سايس على الترجمة بالقول: والسير ويليام ويلكوكس بكونه ترجمهم بلغة الفلاحين المصريين فى الوقت الحاضر عمل زى بولس الرسول وخلّى كتابات بولس مفهومة من الجيل الحاضر.
بالرغم من سهوله هذه الترجمة واستخدامها مفردات رجل الشارع إلا أنها لم تلق قبولا من الكنيسة فى مصر حيث لم تحرص الكنيسة عبر مؤسَّساتها بإعادة طبعها أو حتى الإشارة إليها، أو استعمالها فى الكتابات الدينيّة العربيّة المسيحيّة. وقد يعود ذلك إلى ارتباط النص المقدّس بالفصحى وربط القداسة أيضًا بها، كما أن الاتجاه الثوريّ ضد الاستعمار أضعف هذه الترجمة.
محاولات أخرى للترجمة المصريّة بأسلوب المحاكاة
هذه محاولة من خلالها يأخذ المترجم فكرة المثل ويحكيه كما هو ولكن من خلال البيئة المصريّة، وهذه الترجمة قامت بها السيدة مارجورى داى فى كتاب صغير لها قامت بتجسيد عشرة أمثال للمسيح بصورة تعبر عن فهم للواقع الكتابيّ والواقع المصريّ، ولإيضاح الفكرة نذكر المثل التالي: «مثل السامريّ الصالح الوارد فى لوقا 10: 25- 36».
«كان رجلًا ماشيًا على الطريق بين البياضيّة وملوي، فخرج عليه اللصوص من زراعة القصب، وضربوه على رأسه، وسرقوا ماله وتركوه مطروحًا على الأرض بين حى وميت. مر به أحد الكهنة المسيحيّين فى تاكسي. ولما رأى السائق الرجل الجريح على الطريق، أراد أن يقف ولكن الكاهن قال له: لا تقف إنى مستعجل. وبعد فترة مر به مُرسل «خادم» يسوق سيارته الخاصة. رأى الرجل ملقيا على الطريق، ولكنه فكر فى نفسه «ربما تكون خدعة، وساق عربته بأسرع ما يمكن. حينئذ مر عليه عدو، راكبًا حمارًا ومعه حمل من البضائع، ولكن عندما رأى عدوه ملق على الطريق، نزل من على دابته وفحصه.
ثم أخرج زجاجة الماء، وصب ماء على وجهه وأعطى له بعضًا منه ليشرب ثم مزق قطعة قماش من قميصه وربط بها رأس الجريح، لأن جرحه كان ينزف بشدة وعندما أصبح الرجل قادرًا على الوقوف ساعده المسافر وأركبه على دابته، واتجه به إلى ملوي. كان الرجل ضعيفًا بسبب ما فقده من الدم وكان يصاب بالإغماء بين الحين والآخر. وكان المسافر سائرًا بجواره يسنده لئلا يسقط. وفى ملوى أخذ المسافر الرجل الجريح إلى المستشفى الحكوميّ، وانتظر هناك حتى فحصه الأطباء ووضعوه فى سريره. وعندما مغادرة المستشفى أعطى للقائمين على خدمته قدرًا من المال قائلًا: اعتنوا به وإن احتاج لشراء أى شيء إدفعوا له، وسأوفيكم بكل حسابكم عند رجوعى».
ولكن هذه المحاولات أيضًا لم تلق قبولًا وبالتالى لم يتوسع فيها ولم يبن عليها واكتفت فقط بعرض عشرة أمثال للمسيح حسب ورودها فى الأناجيل.
فى السنوات الأخيرة هناك محاولات يقوم بها جون دانيال وهو مدرس اللغة اليونانيّة بكلية اللاهوت الإنجيلية بالقاهرة، ينشر هذه المحاولات على صفحة بشبكة التواصل الاجتماعيّ فيس بوك اسمها: PBL Principles of Biblical Languages فى حوار معه قال: كثير من الترجمات العاميّة سواء بغض النظر عن اللغة تتبع التبسيط دون الالتفات للنص الأصلى وتعتمد على ترجمة فصحى كمصدر أكثر من المصدر الأصلي.

الترجمات المميزة البسيطة

كذلك تتميز الترجمات العاميّة بمجرد تبسيط للكلمات الفصحى دون الالتفات للتركيب اللغوى الخاص للغة العاميّة. لكنى قصدت عمل ترجمة ليست مجرد بسيطة لكن علميّة مستندة للتركيب اللغويّ العاميّ. ولا تعتمد على أى نص فصحى كوسيط.
ويواصل طرحه بالقول: غلب المترجمين للعاميّة لأنهم لم يتعودوا على الكتابة بالعاميّة فيفكرون بالفصحى عندما يكتبوا بها، هل تتذكر قناة otv الشقيقة الكبرى لـ ontv كانت تقدم نشرة الأخبار بالعاميّة. لكنك تشعر للوهلة الأولى أنَّ المعدّ كان يترجم نشرة فصحى، كانت هذه النشرة ملهمة لى أنا شخصيًا فى التفكير فى العاميّة كلغة خاصة.
وهنا ننشر الصلاة الربانية «مت 6: 9 -13» قراءة عاميّة توضيحيّة حسب نصّ NA 27th ed.)  
 يا أبونا ياللى ساكن فى السما.. خلى اسمك يتقدس.. خلى مملكتك تيجي.. خلى مشيئتك تتحقق فيبقى زى ما بيحصل فى السما، يكون فى الأرض إدينا النهاردة العيش بتاع بكرة وسامحنا على مديونياتنا، زى ما احنا بالفعل سامحنا المديونيين لينا متخليناش ندخل فى تجربة لكن انقذنا من كل حاجة شريرة.