الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«البطة العرجاء» أقوى مما نعتقد

«البطة  العرجاء» أقوى مما نعتقد
«البطة العرجاء» أقوى مما نعتقد




بقلم وليام هيج – وزير الخارجية البريطانى الأسبق - نقلا عن الجارديان

ترجمة : وسام النحراوى

«البطة العرجاء فى الكريسماس» عنوان صحيفة بريطانية سخرت من رئيسة وزراء بريطانيا تيرزا ماى ووصفتها بـ «البطة العرجاء»، وهو مصطلح سياسى أمريكى يطلق على الرئيس فى السنة الأخيرة من عهده، حيث عادة ما يفتقر إلى الدعم السياسى المطلوب لتمرير سياساته والتقدم بمشاريع جديدة، والمصطلح مأخوذ من  البورصة البريطانية الذى يشير إلى الإفلاس، وجاء ذلك بعد إعلان ماى رسميا أنها لا تخطط لقيادة حزب المحافظين فى الانتخابات المقبلة 2022، عقب نجاتها بأعجوبة من تصويت على سحب الثقة منها كقائدة  للحزب.
صحيح أن إشارة القائد إلى رحيله بشكل تدريجى يفقده القدرة على التحكم فى الأحداث ومجرياتها، فالخوف يقل تلقائيا عند التأكد من أن هذا الشخص عليه المغادرة قريبا، والخوف هو جزء من القوة، وبالتالى يضفى الشرعية على إتباع قادة مستقبليين محتملين وتأييدهم والولاء لهم.   
على الرغم من كل هذه المعطيات، فإن وضع السيدة ماى أكثر تعقيدا من ذلك، فقرارها بعدم الترشح مرة أخرى للانتخابات المقبلة «حررها» وزاد من قدرتها على المناورة والقدرة على شق طريقها فيما تراه، من وجهة نظرها، يخدم المصلحة الوطنية دون تثبيط، إضافة إلى أن فشل محاولة الإطاحة بها يعنى أنه لا يمكن تحديها مرة أخرى داخل حزبها لمدة عام كامل، وبالتالى فعلى الرغم من قصر المدة قبل تنحيها، لديها توقيت مميز فى التاريخ لتشكيل مستقبل حزبها وبلدها قبل أن تذهب.
وتظل فرصة ماى فى التأثير المستقبلى قائمة عن طريق امتلاكها لـ «قوة حاسمة» تتمثل فى تصعيدها لشخصيات ناشئة موالية لها تمتلك القدرة على الدفاع عن أفكار زملائهم ليكونوا خلفاء أكثر إثارة وأصالة.
ترك السيدة ماى منصبها فى هذا الوقت الذى تواجه فيه السياسة السائدة فى العديد من البلدان الغربية غضبا، كما هو الحال مع البريكست، فبداية بسلطة ماكرون المنهارة فى فرنسا، مرورا بسياسة «الاقتصاد المجنون» التى تتبناها ايطاليا، ووصولا لنظام الأحزاب الألمانى المتأرجح على حافة الانهيار، وبالتالى فأوروبا تتجه نحو أزمة ذات أبعاد هائلة، لكن الرئيس المغادر بإمكانه أن يلقى الخطب أو يفكر بوضع حزبه فى مقدمة عملية صياغة أفكار المستقبل، بشرط أن يتمكن هذا الحزب من النجاة من الأزمة الحالية.
وعلى الرغم من رحيلها المتوقع، فإلى الآن لا يمكن تمرير أى تشريع اساسى دون موافقتها، لا يمكن لأى مشروع قانون للترويج لاستفتاء ثان أن يحرز أى تقدم ضد معارضتها، لا يوجد خيار لديه أدنى فرصة للمرور إذا لم تكن تؤيده، لا يمكن إجراء أى سلسلة من «الأصوات الإرشادية» لإعطاء القرارات إلى البرلمان دون موافقتها، فى النهاية الشخص الذى يترك منصبه فى المستقبل غير البعيد، ما زال أمامه 12 شهرا من التحكم فى مجريات الامور.
الأخطر من ذلك، أن لديها الحق فى إلغاء استخدام المادة 50، ( التى تمثل السبيل لأى دولة تود الخروج من الاتحاد الأوروبى وضمنت هذه المادة فى معاهدة لشبونة التى وقعت عليها كل الدول الاعضاء فى الاتحاد الأوروبى والتى اكتسبت صفة القانون فى عام 2009. ولم تكن هناك قبل تلك المعاهدة أى آلية لخروج أى دولة من عضوية الاتحاد الاوروبي، والمادة 50 لا تتجاوز 5 فقرات، وتنص على أن على أى دولة عضو فى الاتحاد الأوروبى راغبة فى الخروج من الاتحاد ان تحيط المجلس الاوروبى علما بذلك وأن تتفاوض على ذلك على ألا تتجاوز مدة المفاوضات سنتين الا فى حالة موافقة جميع الدول الاعضاء الاخرى على تمديد هذه الفترة، وتنص المادة  أيضا على ان أى اتفاق لخروج أى دولة من عضوية الاتحاد يجب ان يحظى «باغلبية مشروطة» أى 72 %من الدول الأعضاء الـ 27 المتبقية فى الاتحاد الأوروبى وكذلك بتأييد نواب البرلمان الأوروبي، وتتطرق الفقرة الخامسة من المادة الى امكانية عودة الدولة التى قررت الخروج من الاتحاد الاوروبى الى عضوية الاتحاد)، إلى أن يوافق البرلمان على مقترحها، وبالتالى فالواقع يؤكد أن لديها نفوذا أكثر من أى شخص آخر، إذا رغبت فى استخدامه، فهى لا تزال بحاجة إلى الآخرين لتأمين أى نتيجة عملية، ولكنهم يحتاجون إليها أيضا .
صحيح أن البطة العرجاء لا تحقق الكثير فى السياسة.. لكن لديه القدرة على اتخاذ مواقف  وقرارات مفاجئة، خاصة أن ليس لديها الكثير لتخسره.