الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

صوّامون قوّامون من أهل النار

صوّامون قوّامون من أهل النار
صوّامون قوّامون من أهل النار




كتب – عمر حسن


بمجرد ملاحظتك لشخص ما يؤدى فرائض الصلاة فى المسجد، ويزكّى ويتصدق ويصوم، يتولد لديك إحساس منطقى بصلاح ذلك الشخص، وطيب أخلاقه، لكن ربما تتفاجأ بعكس ذلك من سلوكيات غير متوقعة، تتمثل فى إيذاء الجار، أو ربما تسلط اللسان، أو حتى كسر الخواطر، وهنا يتوارد إلى الذكر سؤال بديهى حول ارتباط قبول الطاعة بحسن أو سوء الخُلق لدى المتعبد،

 فهل يتقبل الله الصلاة والصيام والزكاة والحج من شخص لا يكف أذاه عن الناس، ولا يكرم ضيفه، ولا يحض على طعام المسكين؟
الدكتور أحمد موافى، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة، يقول فى ذلك: «الله - سبحانه وتعالى - فرض العبادات حتى يكتسب العبد الأخلاق من خلال ممارساته له، وينبغى أن يخاف المتعبد من عدم ظهور أثر عباداته فى نفسه، ويعلم أنه فى خطر، فقد يلقى الله يوم القيامة ويجد نفسه فى موقف صعب، رغم صلاته وقيامه وصيامه فى الدنيا، فقط لأن أثر تلك العبادات لم ينعكس على سلوكياته»، ويتابع: «المسلم الممارس للعبادات ولكنه بعيد عن المنظومة الأخلاقية التى ارتبطت بتلك العبادات لا يجب أن يأمن لقاءه بالله حينما يجد - لسوء حظه - كل عباداته فى الدنيا غير مقبولة».
يؤكد أستاذ الشريعة بكلية دار العلوم، أن الهدف الأساسى من العبادات هو تهذيب النفس، فلم يفرض الله الصوم -على سبيل المثال - حتى يجوع الناس ويتألمون ظمأ، فكما قال الله فى كتابه الحكيم: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون»، وتظهر التقوى من خلال التعاملات، وليس بكثرة أداء العبادات، مستشهدا بحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينما قال: «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْل فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِى أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ»، ومعنى ذلك أن الصائم ليس له من صيامه سوى الامتناع عن الطعام والشراب، طالما أن سلوكياته تنافى تماما النتيجة المنطقية لصيامه أو صلاته.
يوضح الدكتور أحمد عشماوى، أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر، أن الإسلام كيان كامل لا يتجزأ، وجميع الفرائض تصب فى جانب الأخلاق، فمثلا الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والصيام أيضا يدفع المسلم للإحساس بالمساكين والضعفاء، وبالتالى ينعكس ذلك فى شكل تضامن مع هؤلاء، وأحاديث الرسول تنبئ بانعكاس جميع العبادات على الأخلاق.
يتابع أستاذ التفسير وعلوم القرآن: «المسلم هو من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس على أموالهم وأعراضهم، فماذا تفيدنى عبادتك إذا كنت أنت صائما قائما وتؤذيني؟»، مستشهدا بحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم: « قال رجلٌ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن كَثرةِ صَلاتِها وصَدقَتِها وصيامِها، غيرَ أنَّها تُؤذى جيرانَها بِلِسانِها؟ قال: هيَ فى النَّارِ، قال: يا رَسولَ اللهِ، فإنَّ فُلانةَ يُذكَرُ مِن قِلَّةِ صيامِها وصَدقَتِها وصَلاتِها، وإنَّها تَتَصدَّقُ بالأَثوارِ مِن الأَقِطِ، وَلا تُؤذى جيرانَها بِلسانِها؟ قال: هيَ فى الجنَّةِ».
الرسول لخص رسالته فى جملة واحدة: «إنما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق»، يتابع عشماوى: «كثير من الناس يؤدون العبادات بشكل موروثى روتيني، اتباعا لما وجدوا عليه الآباء والأجداد، والله لا يرضى أن يُعبد على جهل، فمشكلة الإنسان حينما يبطش بلسانه وبقدمه فهذا يعنى أنه منقوص الإيمان، ونجد أحاديث النبى تربط الأفعال بالإيمان بالله وباليوم الآخر، فالجميع يؤمن بالله، والقليل يؤمن باليوم الآخر، والشك فى اليوم الآخر وراء أفعال القهر والبطش التى يرتكبها الناس».
يمارس الكثيرون الصلاة والعبادات كأمر شكلي، والكثير من الناس ينخدعون بشخص لا يترك صلاة حاضرا، وحينما تعامله لا تأمنه بدينار، وهذا الإنسان لا تؤثر فيه العبادة، وهو يؤدى مجرد أشكال وحركات مبنية على الخوف، فى حين أن العبادات مجموع الحب والخضوع والخوف من الله، على حد قول الدكتور أحمد عشماوى.
من جانبه يستعرض الدكتور محمد متولى منصور، الأستاذ بجامعة الأزهر، الخيوط التى ربطت الإسلام بالسلوكيات، فيقول:  «الإسلام يقوم على العقيدة والشريعة والأخلاق، وجمع الله الثلاث أعمدة فى سورة البقرة، حينما قال (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب..إلخ)، والآية تحدثت عن جانب من الأخلاق، وأكدت على ارتباط الشريعة والعقيدة بالأخلاق، فلا يصلح أى منهم بمفرده»، ويتابع: «الناس يركزون على الإسلام الظاهرى فى هذه الآونة بفعل عوامل داخلية وخارجية كثيرة، من أهمها وسائل التواصل الاجتماعى التى دمرت الأخلاق لدى المسلمين وتحديدا الشباب، وإذا أصيبت الأمة فى أخلاقها فأقم عليها مأتما وعويلا، لكن يجب أن نبحث عن أسباب التردى الأخلاقي».
يفند الدكتور منصور أسباب تدنى الأخلاق بقوله: «الأسرة تخلت عن تربية أبنائها وفق الأخلاق، وكذلك التعليم من أسباب تدنى الأخلاق، بعد تفريغ المناهج من كل شيء يدعو لمكارم الأخلاق، ولا بد من إعادة النظر فى المناهج الدراسية، وكذلك الدعاة الذين يجب أن نصدرهم للناس من العالمين والعارفين وأهل الثقة وليس أشباه الدعاة»، متابعا: «الإعلام أحد أسباب تدهور الأخلاق لأنه يعنى بالربح فى المقام الأول، ويتزيل الاهتمام بنشر الأخلاقيات قائمة مهامهم»، مختتما: «إن الله لم يفترض فريضة إلا وذكر أسبابها، وهدف الصيام هو التقوى، وتأتى بالالتزام بمكارم الأخلاق، فى زمان ماتت فيه الضمائر».