الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

دير سانت كاترين شاهد على تاريخ نبى وقديسة وخليفة فاطمى

دير سانت كاترين شاهد على تاريخ نبى وقديسة وخليفة فاطمى
دير سانت كاترين شاهد على تاريخ نبى وقديسة وخليفة فاطمى




تخفى الأماكن دائما وراءها ألف حكاية وحكاية، ليست مجرد أبنية بقدر ما هى شاهدة على تاريخ لا بد أن نحكيه.. ما سبق ينطبق على أماكن كثيرة فى مصر منها دير سانت كاترين بسيناء، حيث إنه ظل صامدا وشاهدا على أحداث تاريخية وإنسانية، وسيرة هذا الدير وحكايته أثيرت حولها أمور غير صحيحة خاصة فى تاريخ ونشأة الدير..كل هذا وأكثر عرفناه من خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوب سيناء، والذى كشف لنا كثيرا من الأمور المتعلقة بتاريخ الدير وحكايته وما يضمه وحقيقة الحكايات التى تثار عنه.
ريحان قال: إن حكاية بناء دير سانت كاترين بدأت منذ القرن الرابع الميلادى حين جاءت القديسة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين فى رحلة حج إلى دير سانت كاترين والقدس وبنت كنيسة فى أحضان شجرة العليقة المقدسة بالوادى المقدس طوى أطلقت عليها كنيسة العذراء مريم وقام جستنيان عام 560م ببناء دير طور سيناء وأدخل هذه الكنيسة ضمن أسوار الدير.

تحقيق - علاء الدين ظاهر


وفى القرن التاسع الميلادى أطلق على الدير دير سانت كاترين للقصة الشهيرة عن العثور على رفات القديسة على أحد جبال سيناء الذى حمل اسمها وهو أعلى جبل بسيناء 2246م فوق مستوى سطح البحر.
وأشار إلى أن كنيسة العليقة المقدسة الحالية أنشئت فى العصر الإسلامى لتحل محل الكنيسة القديمة ومن يدخلها يخلع نعليه تأسيًا بنبى الله موسى، وشجرة العليقة المقدسة بدير سانت كاترين هى الشجرة الحقيقية الذى ناجى عندها نبى الله موسى ربه لأنها الشجرة الوحيدة من نبات العليق التى تتميز بمميزات متفرد، حيث إنها خضراء طوال العام ولم تذبل أوراقها أبدًا كما حاول كثير من العلماء إعادة إنباتها فى أماكن أخرى من العالم ففشلت كما أن آيات القرآن الكريم تؤكد أن المنطقة الذى ناجى فيها نبى الله موسى كانت شديدة البرودة لذلك ذهب يبحث عن جذوة ليستدفئ بها مع أهله وأن أكثر منطقة برودة فى مصر كلها هى منطقة سانت كاترين كما أكد بناء القديسة هيلانة لكنيسة بجوارها فى القرن الرابع الميلادى لتتبرك بالشجرة المقدسة.

 


لوحة من الرخام

وأكد أن الجميع يعلم تاريخ بناء دير سانت كاترين فى القرن السادس الميلادى ولكن فى أى عام بالتحديد يثار حوله جدل كبير ، وهذا ما حسمه ريحان ليؤكد بناء الدير عان 560م، حيث توصل إلى ذلك من خلال قراءة تاريخية سجلت فى النص التأسيسى للدير على لوحة من الرخام فوق باب الدير الحالى بالجدار الشمالى الغربى باللغة اليونانية، مع ترجمتها فى لوحة أخرى باللغة العربية بجوارها، ويشير هذا النص إلى إنشاء الملك الرومى يوستنيانوس (جستنيان) دير طور سيناء وكنيسة جبل المناجاة تذكارًا له ولزوجته ثاوضوبره (ثيودورا) بعد ثلاثين سنة من حكمه وعين له رئيسا اسمه ضولاس بتاريخ 527م.
وقال: إن هذين الحجرين وضعا فوق الباب فى القرن الثانى عشر أو الثالث عشر الميلادى عند فتح باب الدير الجديد وبهما خطئان تاريخيان الأول أن أول رئيس للدير هو الأب لونجينيوس وليس ضولاس والثانى أن الملك يوستينيانوس لا يمكن أن يكون قد أتم بناء الدير سنة 527 م لأن هذه السنة هى بدء ملكه وكان مشغولًا بالحروب كما هو ثابت فى التاريخ وإذا صح أنه أتمه بعد ثلاثين سنة من ملكه كما هو فى النص التأسيسى فيكون قد تم البناء سنة 557م مما يدل على وجود تناقض فى النص التأسيسى.
وصحح ريحان هذا الخطأ من خلال نقش آخر باليونانية على إحدى عوارض السقف بكنيسة التجلى داخل الدير وترجمته (لأجل تحية ملكنا التقى جوستنيان العظيم لأجل إحياء ذكرى وراحة ملكتنا ثيودورا)، موضحا أن تاريخ وفاة ثيودورا كان عام 548 م ووفاة جستنيان 565 م وكانت ثيودورا الزوجة المحببة لجستنيان وشاركت فى كثير من أمور الحكم وكانت مهتمة بالمناطق الشرقية من الإمبراطورية وحرصت على إقامة علاقات سلمية معهم ولقد ماتت قبل وفاة جستنيان.
وطبقًا لهذا النص أكد ريحان أنه من الطبيعى أن يكون تاريخ بناء الدير بين عام 548م وهو تاريخ وفاة ثيودورا وعام 565م تاريخ وفاة جستنيان وأقرب تاريخ لبناء الدير وفقًا لذلك يكون عام 560م وهو التاريخ الحقيقى لبناء أشهر أديرة العالم دير طور سيناء الذى تحول اسمه إلى دير سانت كاترين فى القرن العاشر الميلادى للقصة الشهيرة عن سانت كاترين وأن نقوش عوارض سقف كنيسة التجلى تؤكد أن مهندس بناء الدير هو المهندس اسطفانوس من آيلة (مدينة العقبة حاليًا).


جامع الوادى المقدس

ومن أغرب ما هو معلوم جامع الوادى المقدس طوى داخل أشهر أديرة العالم، وهو دير سانت كاترين وكشف لنا ريحان أسراره، لافتًا أنه اعتبره علماء الغرب ظاهرة غريبة أبهرت الشرق والغرب ونظر إليها مؤرخو الغرب بشىء من الدهشة والاستغراب والروعة التى سجلوها فى كتاباتهم وهى وجود جامع داخل دير مسيحى وهو الجامع الفاطمى داخل دير سانت كاترين، وأكد أن مؤرخى الغرب من المسيحيين أثناء رحلتهم المقدسة إلى القدس عبر دير سانت كاترين شاهدوا الجامع، وأبدوا عظم إعجابهم بالتسامح بين الأديان فى مصر ومنهم ليوناردو فرسكويالدى، الذى زار الدير عام 1384م وأن شدة الانبهار بهذه الظاهرة دعت بعضهم لنسج حكايات خرافية حول بناء الجامع كلها مغالاطات تاريخية ليقللوا من شأن هذا التسامح، وهى ربط بناء الجامع بحادثة تعدى على الدير ليس لها أى أساس تاريخى أو أثرى لدرجة أن كل من ذكر هذه القصة بدأها بكلمة طبقاً للحديث المتواتر بين شخص وآخر بمبدأ (بيقولوا).
وأضاف: المؤرخ جالى نشر فى كتاب له عام 1985 عنوانه «سيناء ودير سانت كاترين» ناقلًا عن الكاتب نعوم شقير صاحب موسوعة تاريخ سيناء الذى كتبها عام 1916 قصة ليس لها سند أثرى وهى أن الحاكم بأمر الله أراد أن يهدم الدير، ولكن الرهبان أخبروه أن به جامعاً وقاموا ببناء الجامع بسرعة داخل الدير لحماية الدير، وقد نقل نعوم شقير هذا الكلام من أحاديث متواترة دون أن يتحقق من الأصل، وقيل له إنها موجودة بكتاب بمكتبة الدير يسمى (تاريخ السنين فى أخبار الرهبان والقديسين)، وهذا الكتاب ليس له وجود لا فى مكتبة الدير ولا فى آى مكان آخر أى الأصل الذى نقل عنه الجميع غير موجود ونقل عن هذا المؤرخ الكثير من مؤرخى الغرب والشرق بمبدأ بيقولوا.
وأكد ريحان أن الأدلة الأثرية الدامغة تكذّب كل هذه الافتراءات، وتؤكد أن الجامع لم يبن أصلًا فى عهد الحاكم بأمر الله، بل فى عهد الخليفة الفاطمى الآمر بأحكام الله عام 500هـ 1106م، والدليل الأثرى الأول هو وجود كرسى شمعدان من الخشب داخل الجامع عليه نص كتابى من عهد الإنشاء فيه اسم منشئ الجامع، وهو أبى المنصور أنوشتكين الأمرى نسبة إلى الخليفة الآمر بأحكام الله، الذى بنى هذا الجامع وثلاثة جوامع أخرى أحدها فوق جبل موسى موجود حتى الآن على ارتفاع 2242م فوق مستوى سطح البحر والآخران بوادى فيران أحدهما فوق جبل الطاحونة بوادى فيران على ارتفاع 886م فوق مستوى سطح البحر.
والدليل الأثرى الثانى نص كتابى محفور على واجهة منبر الجامع بالخط الكوفى، يؤكد أن بناء الجامع كان فى عهد الآمر بأحكام الله الموجود اسمه بهذا النص وتاريخ الإنشاء واسم منشئ هذا المنبر المخصص للجامع، وهو الأفضل بن بدر الجمالى عام 500هـ، وقد بنى الجامع داخل الدير ثمرة العلاقات الطيبة بين المسلمين والمسيحيين التى بلغت ذروتها فى العصر الفاطمى، ليصلى فيه قبائل سيناء ومنها قبيلة الجبالية نسبة لجبل موسى والمختصين بأمور الدير، وأكد ريحان أن لهذا الجامع منزلة كبرى لدى الحجاج المسلمين فى طريقهم إلى مكة المكرمة عبر سيناء، وتركوا كتابات تذكارية عديدة ما زالت على محراب الجامع إلى الآن، وله منبر خشبى آية فى الجمال يعد أحد ثلاثة منابر خشبية كاملة من العصر الفاطمى، الأول منبر جامع الحسن بن صالح بالبهنسا ببنى سويف، والثانى منبر الجامع العمرى بقوص كما يشبه المنبر الخشبى بمسجد بدر الدين الجمالى الذى يعود تاريخه إلى 484هـ ، 1091م المنقول من عسقلان إلى الحرم الإبراهيمى بفلسطين.


من هى القديسة؟

وبعد هذا التاريخ كله لا بد أن نسأل من هى القديسة التى حمل الدير اسمها؟، حيث قال ريحان: إن القديسة كاترين هى قديسة مصرية عذّبها اليونان وكرمت فى العصر الإسلامى، وهى ابنة كوستاس من عائلة نبيلة عاشت بالإسكندرية أيام حكم الإمبراطور الرومانى مكسيمانوس 305- 311م وتحولت إلى المسيحية فى ظل حكم وثنى، ومن أجل أن ينتزعها الإمبراطور من المسيحية أصدر أوامره إلى خمسين حكيمًا من حكماء عصره أن يناقشوها ويجادلوها فى سبيل دحض براهينها عن المسيحية، إلا أن جميع محاولاتهم باءت بالفشل وجاءت النتائج عكسية لدرجة أن هؤلاء الحكماء ما لبثوا أن انضموا إلى صفوف المسيحية، وحذا كثيرون حذوهم وكان من بينهم أقرب المقربين للإمبراطور من رجال البلاط، فلجأ مكسيمانوس لتعذيبها وأمر أن تصنع عجلات يبرز منها مسامير ورؤوس سكاكين مدببة ليضعونها فيها ولم يؤثر هذا على إيمانها مما دفع أحد الجنود لقطع رأسها.
وكشف أن العصر الإسلامى شهد تكريمًا لرفات القديسة كاترين، وتشمل الرأس ويد واحدة وذلك تنفيذًا لعهد الأمان من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم لرهبان الدير وكل مسيحى العالم المحفوظ بالدير وفيه أمان كامل للمسيحيين على أموالهم ومقدساتهم وأملاكهم وحريتهم الشخصية وحرية العقيدة، وعدم التعدى على المقدسات المسيحية وحمايتها والمعاونة فى ترميمها والمعاملة الحسنة الطيبة للمسيحيين ودفع الأذى عنهم وحمايتهم وعهود الأمان المماثلة من الخلفاء المسلمين فى كل العصور الإسلامية.