الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

كنـوز الـوطـن الحوش السلطانى تاريخ محمد على.. كنوز تنتظر من ينقذها

كنـوز الـوطـن الحوش السلطانى تاريخ محمد على.. كنوز تنتظر من ينقذها
كنـوز الـوطـن الحوش السلطانى تاريخ محمد على.. كنوز تنتظر من ينقذها




لا أحد ينكر أن الأحداث التى عاشتها الدول العربية خلال 8 سنوات ماضية قد أفرزت بجانب نتائجها التى لسنا بصدد تقييمها، حقيقة مهمة متمثلة فى أننا لدينا وطن، فكم من دول فقدت هذا المعنى بالنسبة لأصحابها ومن عاشوا فيها، لكن مصر قاومت وصمدت وتخطت كثيرًا من الأحداث الوقائع التى تعرضت لها دول أخرى وأدت لتمزيقها وتدميرها.
وبالتأكيد وطن مثل مصر استند فى صموده على تاريخ كبير وحضارة عظيمة وقوية، ربما لا تكفيها لا نبالغ إذا قلنا ملايين الصفحات لنحكى عنها، لكننا سنحكى عن كنوز هذا الوطن التاريخية والأثرية، ربما تكون هذه الكنوز معروف بعضها للكثيرين والآخر بالتأكيد لا، لكننا سنتناولها برؤية مختلفة عبر عدة حلقات.


وسط مئات وآلاف المواقع الأثرية التى تنتشر فى ربوع مصر، تأتى قلعة صلاح الدين الأيوبى لتعد من أشهرها، ربما بسبب اتساعها واحتوائها على منشآت كثيرة تمت على يد أمراء وسلاطين عبر عصور زمنية مختلفة، لكن هذه القلعة تخفى أسرارا كثيرة، ربما نعرف بعضها لكن أكثرها لا نعلمه حتى الآن، لكننا فى هذا التحقيق نكشف بعضا من هذه الأسرار، وفى نفس الوقت ننبه لخطر محدق بأحد الكنوز التاريخية فى القلعة، لنعتبر هذا التحقيق بمثابة صرخة لإنقاذ المكان من عالم آثار له سمعته المشهود لها داخل مصر وخارجها، وهو الأستاذ الدكتور سيد حميدة أستاذ الترميم المعمارى بكلية الآثار جامعة القاهرة.


القصة كلها كما كشفها د.سيد حميدة تدور حول قصر الجوهرة فى القلعة، والذى كشف لنا أسرارا مثيرة عن هذا القصر، وهذه الأسرار ترتبط بالخطر المحدق به والذى يهدده بالإنهيار فى أى وقت على حد قوله، وقد توصل لتلك الأسرار بعد دراسات وأبحاث قام بها، ولأنه يحمل أخلاق العالم المقدر للعلم، فقد حرص على تأكيد جهد أحد تلاميذه فى الأمر وذكر إسمه لحفظ حقه المعنوى، وهو المهندس طه عبد المعطى باحث ماجستير بكلية الآثار جامعة القاهرة، وقال عنه:هو تلميذى طبعا ومن حقه أن يذكر اسمه وجهده فى الموضوع.
وبدأ الدكتور سيد حميدة الحكاية قائلا:قصر الجوهرة كنز خاصة فى تقنيات البناء التى إستخدمت فيه، وهو ما اكتشفته بعمليات الرفع التفصيلى للمبني، وللأسف لا يعلم عنه كثيرون شىء حتى المتخصصين، وهناك أسرار كثيرة كشفت عنها خاصة المبانى التى بنى عليها القصر، مثل قصر الناصر محمد وقصر الغورى وايوان قايتباى، وأن أصل المكان كان مسجدا فى العصر الفاطمى، كما أن قصر الناصر صلاح الدين كان فى نفس المكان، ولك أن تتخيل رد فعل الناس عندما يعرفون أين كان يسكن ويقيم صلاح الدين.

مفاجأة الثلاثة

وواصل حميدة كشف الأسرار قائلا:القصر بجواره سرايا العدل ومقعد قايتباى، والمفاجأة أن الثلاث مبانى عبارة عن كتلة مبنى واحد، وكانوا يسمون معا بالحوش السلطانى وهو الإسم الحقيقى للمنطقة، وكان هذا الحوش يضم ثلاث مبانى قصر الجوهرة وسرايا العدل ومقعد قايتباى ككتلة واحدة، وهى النتيجة التى توصل لها بعد دراسة وأبحاث مستفيضة للمكان، وكذلك بعد عمل أول رفع معمارى حديث للقصر ببرنامج الريفيت ومنظور ثلاثى الابعاد للقصر ككل بال 9 مبانى الخاصة به.
وفجر مفاجأة بقوله:القصر فعلا مهدد بالانهيار فى اى لحظة والمبنى غير أمن ومعرض للانهيار ويعانى من العديد من المشاكل الانشائية، وهو متداعى وايل للسقوط ويحتاج لتدخل سريع، ولو حدث زلزال مشابهه لزلزال 1992»القصر هيكون على الارض»حسب قوله، لأن الاساسات سطحية والقصر مبنى على انقاض قصور ومنازل سابقة، وهذا يزيد من خطورة وتأثير الموجات الزلزالية عليه، حيث تعمل على تعظيم العجلة او التسارع الارضى للقصر، بالاضافة إلى أنه يزيد من الازاحة بشكل كبير.
 وكشف عن نتائج علمية بناءا على تحليل رقمى قام بإجرائه ببرنامج ساب، وقال إن هذا التحليل يؤكد تعرض القصر للانهيار الكامل فى حال حدوث زلزال متوسط ومشابه لزلزال 1992، وهذا بسبب التقارب الشديد بين التردد للزلزال والتردد للتربة والمنشأ نفسه، كما أنا هذا التحليل يؤكد ان جميع التصدعات التى حدثت للقصر وتظهر معالمها واضحة كانت نتيجة زلزال 1992، واعطانا التحليل للاجهادات والتحليل السيزمى نفس الاماكن التى حدث فيها ازاحة وانهيارات، واستخدمنا برنامج حديث جدا هو Robot Melineum، كما أن الخواص الميكانيكة للمواد الانشائية تعتبر من سيئة الى متوسطة بسبب تعرض بعض القاعات للحريق فى سنوات سابقة، ولو حدث زلزال «قسما بالله هنلاقى القصر ده على الارض»طبقا لقوله، خاصة ان الصلبات الموجودة حاليا قديمة وفقدت وظيفتها بشكل كبير، ولم تعد لها القدرة على السند او مقاومة الحركة للحوائط.
وشدد حميدة محذرا:لابد من تدخل سريع لترميم القصر وإنقاذه من الإنهيار، وبالتالى يمكن تحويله لمتحف، ولدى كل الدراسات الخاصة بإعادة إستخدامه كمتحف، خاصة أن هذا أول قصر بناه محمد على، وهو أول قصر يمثل التراث المعمارى الحديث فى مصر، والاسقف بالكامل خشب والحوائط حاملة من الحجر الجيرى والطوب المحروق، والمفاجأة المثيرة أن أول استخدام للأسمنت فى مصر كان فى هذا القصر، وليس مبنى مجلس الشورى كما تقول المراجع، لأن التحاليل أوضحت استخدام الأسمنت البورتلاندى فى أعمال البياض والتكسيات الخارجية لبعض حوائط القصر.

منحى تاريخى

وفى منحى تاريخى عن المكان، كشف لنا د.سيد حميدة أن قصر الجوهرة يقع فى الطرف الجنوبى الغربى من الساحة الجنوبية لقلعة صلاح الدين، تلك الساحة التى أصطلح على تسميتها خلال العصر المملوكى بالحوش السلطانى أوحوش الباشا خلال العصر العثمانى، وشيد هذا القصر فى عام 1228 1229 هـ / 1813 1814 م، وخصص هذا القصر لاستقبالات محمد على باشا ، وقد استقبل محمد على باشا فى هذا القصر كبار الزائرين من الاجانب ، وقد زار محمد على كثير من الاعلام المشهورين، منهم الاديب الفرنسى (شاتوبريان) والكونت (دى فوربان) الذى وصف فى كتابه مدينة القاهرة كما وصف حفلة إستقبال (1817-1818م) فى القصر، وعندما زار مصر السلطان عبدالعزيز خان فى ( 4 شوال سنة 1279هـ - 1862م ) احتفل به الخديو إسماعيل باشا احتفالا لا نظير له وأقام بهذا القصر 7 أيام.
ويتكون القصر من عده كتل رئيسية متجاورة وعدة مبان، مثل سراى العدل وديوان الخاصة وغرف مخصصة لموظفى القصر، ويتكون القصر من طابقين ويبدأ بالمدخل الرئيسى تكسية ظلة محمولة على أعمدة رخامية، ويؤدى إلى ممر يؤدى بدوره الى دواوين القصر وبهو الاستقبال، كما يضم الكشك وهى قاعة الاستقبالات الخاصة بمحمد على، ولها إيوان ملحق وقاعتان بالاضافة الى قاعة العرش وهى أكبر قاعات السراي، ومن بهو الاستقبال نصل الى الجناج البحرى عن طريق سلالم، وهو يحتوى على قسمين وحديقة الاسود، نظرا لوجود تماثيل من الالباستر للاسود، كما يحتوى الجناح على حمام عرف بحمام الالباستر، أما الطابق الثانى فيعلو جناح الاستقبال ويؤدى الى سراى الضيافة.
وعن المبانى السابقة لقصر الجوهرة فى نفس الموقع خلال العصور السابقة، قال أنه يذكر الباحث محمد حمدى فى رسالته عن الساحة الجنوبية للقلعة، أنه كان يشغل محل قصر الجوهرة الحالى خلال العصر الفاطمى مسجد يسمى مسجد البردينى وكان هذا المسجد يقع داخل درر الحريم السلطانية بالجهة الجنوبية أى مكان قصر الجوهرة، وقد استدل على هذا المسجد وذلك كونه موقعا على خريطة الحملة الفرنسية لعام 1798م باسم مسجد أو زاوية البردينى.
وخلال العصر الايوبى، يذكر الرحالة دى فوجانى أنه هناك قصرا كان يشغل المكان الذى بنى عليه محمد على مسجده، ونسب هذا القصر لصلاح الدين الأيوبى وأطلق عليه اسم أريحة أو أريكة يوسف، وقد أسهب دى فوجانى فى وصف ذلك القصر أو تلك الاستراحة، كما وصف مدى تميزها وانها كانت مغطاة بالمنحوتات والموازيك وأنه كان مصنوعا من أعمدة ضخمة وعن مدى صعوبة نقل مثل تلك العمدة إلى القلعة ، وينهى الرحالة كلامه عن قصر صلاح الدين أو أريكة يوسف بقوله»نفس موقع هذا المبنى أريكة يوسف الذى دمر فى عام 1829م وبالقرب من جامع الناصر محمد بن قلاوون وبنى محمد على مسجده وقصره».
أما عن العصر المملوكى فيذكر المؤرخ الجبرتى فى كتابه حوادث عام 1227هـ الاتى: أن الباشا ويقصد به محمد على هدم سراية القلعة وما اشتملت عليه من الاماكن فهدم المجالس التى كانت بها الدواوين ، مثل إيوان قايتباى وهو المقعد المواجه للداخل الى الحوش علو الكلار الذى به الاعمدة ، وديوان الغورى الكبير وما أشتمل عليه من المجالس التى كانت تجلس بها الافندية والقلقاوات أيام الدواوين وشرع فى بنائها على وضع آخر.

رد مسئول

ولأن حق الرد مبدأ لا جدال فيه، فقد سعيت للحصول على رد من ناجى حنفى مدير عام آثار القلعة، والذى قال لـ«روزاليوسف» إن القصر بالفعل مغلق حاليا أمام الزيارات التى تأتى للقلعة، مشيرًا وعلى عهدته أن القصر حالته المعمارية والإنشائية ليست صعبة لهذه الدرجة ولا بهذه الخطورة.
وتابع: وزارة الآثار تجرى حاليا دراسات علي القصر لطرحه كمشروع ترميم، وهو ما سيتم البدء فيه عن قريب جدا وسيتم ترميم القصر، حيث إنه موضوع ضمن خطة وزارة الآثار لعمليات الإنقاذ والترميم الشاملة للآثار والمنشآت التى تحتاج إلى ترميم.
وكشف مدير عام القلعة أن القصر ليس مغلقا ومتروكا هكذا، حيث إنه جار العمل به حاليا فى أعمال ترميم دقيق لبعض المحتويات والمتعلقات الموجودة داخل القصر، والدراسات التى تجرى للقصر تضم المنطقة التى يقع بها، حيث إنه يجاور المقعد السلطانى وسراى العدل.
وعن النية فى استغلال القصر بعد ترميمه، قال: وزارة الآثار تسعى لإعادة توظيف الأثر بما يلائم طبيعته ولا يضر بها، ولكن هذا لا يحدث إلا بعد انتهاء أعمال ترميم الأثر، وهذه سياسة وزارة الآثار لإحياء المنشآت والمواقع الأثرية،للحفاظ عليها وعدم تعرضها لأى إهمال.