الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

قضايا البسطاء تتصدر عروض المسرح

قضايا البسطاء تتصدر عروض المسرح
قضايا البسطاء تتصدر عروض المسرح




لم يغفل المسرح أو يتجاهل دوره فى رصد معاناة الفلاح المصرى بل تعددت وتنوعت العروض المسرحية فى معالجة موضوعات شتى خاصة بعد ثورة 1952، خرجت الكثير من الأقلام والأعمال المعبرة عن قضايا الفلاح عقب إصدار قانون الإصلاح الزراعي، ويعتبر من أبرز الكتّاب الذين تناولوا بالرصد والتحليل قضايا الفلاح نجيب سرور وسعد الدين وهبة؛ وعن الأعمال المسرحية العديدة التى عالجت هذه القضايا رصدها لنا الناقد الدكتور عمرو دوارة.

من بين أهم الأعمال التى تناولت قضايا الفلاح أذكر عروضًا مثل «ملك القطن» للراحل يوسف إدريس 1956، إخراج نبيل الألفي، «السبنسة» 1962، تأليف سعد الدين وهبة وإخراج سعد أردش، «يا بهية وخبريني» نجيب سرور وإخراج كرم مطاوع، «آه يا ليل يا قمر» 1967 نجيب سرور وجلال الشرقاوي، «ياسين وبهية» أكثر من مرة 1964 إخراج كرم مطاوع وبطولة نجمة إبراهيم، «كفر البطيخ» تأليف سعد الدين وهبة وإخراج كمال ياسين، «المحروسة» سعد الدين وهبة وإخراج كمال ياسين 1963، «المسامير» تأليف سعد الدين وهبة وإخراج سعد أردش وبطولة سميحة أيوب وعبد الله غيث وشفيق نور الدين.

«ترنيمة الفلاح الفصيح»


من الأعمال الحديثة التى تناولت قضايا الفلاح مؤخرًا العرض المسرحى «ترنيمة الفلاح الفصيح» تأليف محمد حمد وإخراج سعيد سليمان والذى شارك ضمن فعاليات المسابقة الرسمية بالمهرجان القومى للمسرح إنتاج مسرح الشباب؛ فى أجواء غنائية أشبه بعروض الأوبرا المصغرة أو كما يطلق عليه صانعها «الأوبرا الطقسية» عالج سليمان قضية الفلاح فى عهد الفراعنة وتعتبر معالجة جديدة ومختلفة عن الأعمال المسرحية السابقة التى تناولت أغلبها قضايا الفلاح فى العصر الحديث، فى ترنمية الفلاح الفصيح كما يقول مخرج العرض.. كان المؤلف يناقش سرد شكاوى الفلاح على البلاط الملكى الذى سرق منه القمح والقطن ويبدأ فى عرض شكواه على الملك والكاهن ويطالب فيها بتحقيق العدل والمساواة فى توزيع المحصول ووزعت شكواه على النص المسرحي، لكننى أردت تقديم العمل بشكل أعم وأشمل من مجرد شكوى لأشياء مادية, ففى العرض تناول قضية سرقة الروح الإنسانية بشكل عام، فهنا نتحدث عن سرقة كيان إنسانى كامل سواء من رجل الدين أو من حوله من الكهنة والقلب فى العالم القديم هو رمز الكيان الإنسانى وبالتالى ركزت فيه على حالة التوازن لفلاح بسيط يطالب بأبسط الأشياء يريد أن يحيا كإنسان من خلال احترام العقل والمشاعر وتحول العمل بالكامل إلى قصائد شعرية مغناة بدلا من السرد الطويل كنوع من التغيير والتجربة الجديدة فى تناول قضايا الفلاح التى أردت أن أجلعها تنتصر للروح أكثر من المادة، وفى النهاية ينشغل البلاط الملكى بجمال فصاحة هذا الرجل أكثر من الانتباه إلى شكواه بشكل حقيقى.

«سينما 30»


منذ عامين قدم المخرج والمؤلف المسرحى محمود جمال عرضه الأمتع والأشهر «سينما 30» والذى تناول فيه قصة مخرج سينمائى هبط على أهل قرية فقيرة قرر أن يصنع بهم أول فيلم سينمائى ناطق من خلال تصوير واقعهم المتردي، فى البداية يفزع أهالى هذه القرية من الكاميرا ومن كشفها لهم ولأعماق أنفسهم، ويحاولون مقاومته وطرده خاصة بعد سماعهم لفتوى تحريم الوقوف أمام الكاميرا لأنها تتطلب منهم التمثيل وهو يعنى احتراف الكذب، وبالتالى يسعى الشيخ وعمدة البلد ومأمورها إلى إخراجه من البلد، لكن بالتدريج وبعد أن يعلم الأهالى أن هذا الفعل قد يساعدهم على فضح ظلم العمدة ومأموره, يبدأ البعض فى الاستجابة له وفى التعرف على هذا الاختراع الغريب, ثم التحدث إلى الكاميرا والاعتراف بما فى داخلهم من أمور ربما خجلوا منها فى الواقع ثم يقرر المخرج صناعة عمل سينمائى عن القرية وأهلها رغم محاربة العمدة والمأمور له، بينما يقف الأهالى بجانبه ويساعدوه على اتمام عمله برغم ما لقيه بعضهم من تعذيب على يد العمدة ومأموره وفى النهاية يصنع المخرج الفيلم بعد معاناة طويلة مع أهل القرية وعمدتها ويتركها عائدًا إلى القاهرة.
فى إطار المكاشفة والقرب أكثر من الذات وحب الظهور والتعرف على داخليات كل ما يجول بخواطرنا من أحلام والتى ربما لا نجرؤ على الإفصاح عنها بالواقع، اكتشاف طاقات وجوانب إنسانية عديدة من خلال عدسة هذه الكاميرا التى طافت بينهم، قدم محمود جمال معالجة مختلفة وجديدة لقضايا الفلاحين الغلابة، طافت الكاميرا بين وجوه ونفوس أهالى هذه القرية حتى أن المخرج اضطر لدفع مبالغ من المال مقابل جسلة واحدة لكل شخص، جسد المخرج تفاصيل الريف المصرى بشكل واقعى للغاية فى تلك الفترة التى لم يكن يسمع فيها أهالى القرى والأرياف شيئا عن السينما من حالة خوف وجهل وتفضيل التفكير فى وضعهم الإقتصادى وتحاشى البعض للنظر والتعامل مع الكاميرا خوفًا من بطش العمدة واتباعه, فعلى حد قول البعض «مش الكاميرا دى بتشوف تبقى شوافة وخطر علينا»، خشى البعض من فضح الكاميرا لواقعهم البأس أو لما بداخلهم من أفكار ومشاعر قد يؤدى فضحها إلى عواقب وخيمة.
يعتبر «سينما30» تجربة مختلفة ومغايرة لمحمود جمال سواء على مستوى الإخراج أو التأليف, ففى هذا العمل كان التجريب على مستوى صناعة الصورة المسرحية، فبما أن أحداث العرض تدور عام 1930، أراد جمال أن يعيش الجمهور والممثلون على خشبة المسرح هذه الحالة بشكل متكامل بتقديم العرض «أبيض وأسود» وكأنك جلست فى قاعة المسرح لمشاهدة أحد أفلام الأبيض والأسود القديمة وحتى يضعك صناع العمل تحت هذا التأثير قبل بدء العرض بعشرين دقيقة نجح فى نقلك إلى أجواء القرية عام 1930، فانتقل معه الجمهور انتقالًا زمانيًا لحظة فتح شاشة سينما فى عمق المسرح ويستعرض خلالها المخرج أهم أفلام السينما الأبيض والأسود التى صنعت على مدار السنوات الماضية، ثم تبدأ أحداث العرض وتشاهد أنت أيضًا هؤلاء الممثلين فى صورة أبيض وأسود كاملة استطاع أن يصنعها المخرج مع مهندس الديكور ومصممة الملابس والمكياج والإضاءة، حيث تم طلاء الممثلين جميعًا بمسحوق رمادى اللون بدء من وجوههم وحتى كفوف أيديهم وأرجلهم، قاد المخرج محمود جمال حوالى 60 ممثلًا وممثلة على خشبة المسرح وبرغم أن هذا العدد قد يصعب السيطرة عليه بشكل قوى إلا أن جمال استطاع بمهارة شديدة السيطرة على هؤلاء جميعًا.