الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

نهاد إبراهيم: النقد المسرحى يعانى من «أزمة ضمير» وشعر العامية هو من اختارنى

نهاد إبراهيم: النقد المسرحى يعانى من «أزمة ضمير» وشعر العامية هو من اختارنى
نهاد إبراهيم: النقد المسرحى يعانى من «أزمة ضمير» وشعر العامية هو من اختارنى




نهاد إبراهيم شاعرة عامية وناقدة مسرحية وقاصة ومترجمة وأكاديمية، حاصلة على الدكتوراه فى النقد الأدبي، وهى ترى أن شعر العامية لا يقل أهمية ومكانة عن شعر الفصحى، وهى لا تجد صعوبة فى التنقل بين الأجناس الأدبية لأن الكتابة لا حدود لها، وهى متصالحة مع جميع الفنون، من خلال الكتابة تستطيع التعبير عمّا فى أعماقها  من خلال حدث أو واقع أو خيال أو إحساس أو شعور تعبّر عنه بطريقتها الخاصّة. ولطالما خبأ حرفها فى عمق الروح ليستحوذ قلمها على شفرة البوح، وحين تقرأ نصوصها تقف مندهشًا أمام فعل الحلم والحس والتأمل والخيال. من دواوينها الشعرية: اتفرج يا سلام، عيشة تسد النفس، شكى مش زى الصورة، فى بيتنا شجر التوت. ومن كتبها النقدية: استلهام شخصية شهرزاد فى السينما المصرية، توفيق الحكيم من المسرح إلى السينما. وفى القصة القصيرة: الكونت دى مونت شفيقهن، الفائزة بجائزة اتحاد كتاب مصر عام 2013، وفى الترجمة: تحت مقص الرقيب، المخرجون: كلاكيت أول مرة.. هنا حوار معها:

■ تكتبين شعر العامية والأغانى والسيناريو والقصة القصيرة والنقد السينمائى والمسرحى والأدبى وتمارسين الترجمة.. كيف توفقين بين كل هذه الاهتمامات؟
كل ما أعرفه أننى عندما تأتى على بالى أى فكرة أكتبها ولو تهويمات بعيدة جدا، وعندما تتشكل داخلى ولو ملامح بسيطة أو عندما يحدث شىء يستدعيها من غفوتها تصحو فأجد نفسى أمسك الورقة والقلم وأبدأ «أشخبط»..
■ أين تجدين نفسك أكثر؟
    أنسجم مع كل ما أكتبه. مستحيل أكتب شيئًا رغمًا عنى ولا حسب الأهواء والمصالح. الفن بكل أشكاله النقدية والإبداعية هوايتى أولًا وأخيرًا. أبدًا لا أعتبر نفسى أعمل باحتراف وإلا لن أكتب.. باختصار أنا أحب «اللعب مع الفن»، فهو صديقى الوحيد المتفرغ لى يحتملنى ويستوعبنى كما أنا.
■ برأيك هل يثرى هذا التعدد شخصية الكاتب؟
يثريه طالما يملك الموهبة ويستكملها بالعلم والثقافة.. بالنسبة لى أترك الأمور داخلى على سجيتها لا أتصنع ولا أكتب بالإكراه.. فى كل دواوينى الشعرية أكتب مقدمة تقول بدايتها: «أعترف أننى كائن كسول جدًا بشكل وحش»! هذه هى الحقيقة بكل بساطة. إن حرصى الدائم على الفن الجميل سواء فى الاستقبال أو الإرسال يجعلنى أتباطأ جدًا فى الإمساك بالقلم، وياما شاهدت أفلامًا ومسرحيات تافهة تعاملت معها بالتجاهل التام لأن حتى ذكر سلبياتها يعطيها قيمة لا تستحقها أبدًا.   
■ لماذا اخترت كتابة شعر العامية؟
    أنا لا أختار شيئًا أبدًا.. شعر العامية هو الذى نادانى واختارنى مثله مثل هواية النقد وأى إبداع آخر..
■ لكن بعض النقاد ينظرون إلى شعر العامية على أنه إبداع من الدرجة الثانية.. ما تعليقك؟
كل إنسان له حق رؤية الأمور كما يراها. أبدا لا أحب الكلام عن الغير فى أى تخصص ولا أشغل نفسى به من الأساس حتى لو كنا متوافقين فى نقطة أو عشرة. الانشغال بالآخر إهدار وقت وتضييع عمر. مسئوليتى وجهة نظرى فقط وهى بكل بساطة أن شعر العامية إبداع يتساوى مع شعر الفصحى. كل له متعته وحلاوته وعالمه وأسراره.  
■ فى ديوانك «فى بيتنا شجر التوت» تميلين إلى أنسنة الأشياء مثلما تقولين: فى بيتنا شجر التوت/ زعلان ما بيسلِّم/ سألت ورق التوت/ حِلِف ما يتكلم.. لماذا استنطاق الأشياء وإجراء حوار معها؟
دائما أحب أتحاور مع نفسى ومع العالم حولى بأبسط وأدق نفاصيله. التحاور ونس، صحبة، استكشاف، دهشة. التحاور حياة. أبسط شىء وكل شىء تكلمه يسمعك.. تحاوره يجيبك.. تخلقه يحييك.. تلاغيه يناغشك!
■ ديوانك «اتفرج يا سلام؟!!!!» جاء على شكل قصيدة واحدة مطولة.. هل هو ولع بالملاحم الشعرية والتأثر بها؟
لم أسأل نفسى هذا السؤال من قبل. فقد أمسكت القلم لأبدأ هذا الديوان مع بطله الذى يحكى حكايته فلاش باك ولم أضع القلم جانبا وأعتقه لوجه الله إلا بعد مرور ثلاث سنوات، البطل الذى يحكى حكايته هو كرسى.. كرسى يتحدث عمن جلسوا فوقه، كرسى له عائلة وأب وأم وخالة، كرسى مأصّل من نسل كرسى! لا يحكى بمنطق الشكوى، وإنما بمنطق البطل الدرامى بكل عالمه ونقاط قوته وضعفه.
 ربما يكون احتمال اتساع مساحة البوح ليصبح الديوان كله قصيدة واحدة أقرب إلى نفسى. سبق هذا الديوان إرهاصات بعض القصائد الدرامية المطولة بعض الشىء فى نهاية ديوانى «شكلى مش زى الصورة» كتبتها دون وعى منى أو ترتيب مثل قصيدة «بيّاع السعادة» و»نونو البهلوان» و«أراجوز» و«بابانويل».
وقد تكرر الأمر نفسه مع ديوانى «بيقولوا عليّا حمار» حيث يحكى البطل الحمار حكايته فى قصيدة درامية واحدة مطولة لكنه ديوان له بناء مختلف، عمومًا أنا أحب جدًا معالجة أى موقف بلغة الكوميديا السوداء أو بلغة الرومانسية الرقيقة وأحيانًا منتهى الرومانسية أو بالاثنين معًا.
■ تكتبين النقد.. كيف يتفاعل الناقد والمبدع فى داخلك؟ وهل للنقد سلطة على الإبداع حين تكتبين؟
النقد داخلى له عالمه والإبداع له عالمه المختلف تمامًا، فهما مثل لسان رأس البر العذب والمالح يلتقيان لكن لا يجوران على بعضهما البعض أبدًا. لكن أحيانًا يظهر تأثير كل منهما على الآخر إيجابيا. فعندما لا تسعفنى المصطلحات النقدية الجامدة أحيانا فى التحليل ألجأ تلقائيًا إلى الوصف القصصى أو الصور الشعرية. وعلى الجانب الآخر فى ديوانى «فى بيتنا شجر التوت» كتبت قصيدة بعنوان «حبيبة هاملت» وأخرى بعنوان «سيما أونطه».  
■ ما تفسيرك لقلة عدد الناقدات فى مقابل كثرة عدد النقاد الرجال.. فهل النقد حكر على الرجال؟
كثيرا ما تكون ثقافة الكم ثقافة مزيفة، العبرة بالتأثير والنتائج على مدى العمر الطويل التى تصمد أمام تغيرات الزمن. لست من أنصار التصنيف الحاد كرجل وامرأة، من يمتلك الضمير الحى والموهبة والدراسة والثقافة أهلا به، لكن كثيرا ما يخلط الناس وحتى الصحفيين بين الصحافة كمهنة من أرفع المهن وبين النقد والتحليل، وكثيرًا ما سمعت من يقول: لست صغيرًا ولا أقل من فلان حتى أقول رأيى، المسألة كلها «كلمتين» يتم ترديدهما مع كل عمل فنى سينمائى بالذات ودمتم. مع العلم أن التخصص الدقيق مسألة أصعب وأكثر تعقيدا بكثير.   
■ تكتبين النقد المسرحى.. برأيك هل أزمة المسرح أزمة نصوص أم أزمة تمويل؟
أزمة ضمير!
■ بماذا تحلمين؟
منتهى أحلامى الفن الجميل بأبسط أساليب العلم الممتع والسهل الممتنع.. أراه فأقدم له تحليلًا نقديا ليزداد متعة.. أمارسه بقدر المواهب التى منحنى الله وأستكملها بالدراسة والثقافة والمتابعة.. الفن الجميل يخلق إنسانا جميلا، وعندما أخذت نشر القصص القصيرة والسيناريو  على هيئة كتب مأخذ الجدية توقفت عن كتابة النقد فى الصحف والمجلات لأن هذا فى رأيى يُعتبر «تضارب مصالح» وتفرغت لكتبى النقدية والإبداعية. ضمير الإنسان وحدة واحدة لا تتجزأ.  
من يدرى؟ ربما يأتى يوم تتحول أعمالى المكتوبة إلى أعمال إذاعية أو مرئية فى حياتى أو بعدما أغادر العالم وأنزل محطتى الأخيرة فى سلام..