الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

فقراء لكن أحرار




هل يمتن الفقراء المعوزون لأولئك الذين يتدخلون في شئونهم من خلال المعونات ؟ هل يقرون بالفضل لشبكة (الجامع) التي تدفع رواتب شهرية.. وفي المقابل تطلب من البنات أن تتحجب ومن الرجال أن يلتزموا بمعايير الشبكة؟ لا أعتقد أن هناك امتناناً.. أو إقراراً بالجميل.. بل إنني لا أبالغ إذا قلت إن هناك كراهية.. لأن الفقير لا يطيق من يهين عزة نفسه.. حتي لو كان يحتاج.

وينطبق الأمر أيضاً علي (الجمعية).. الجهة الأخري التي تقدم العون للفقراء.. ولعل الجميع يذكر أنني قلت أمس إنني أتحدث عن منطقة بعينها.. وإن لم أذكر اسمها.. هذه المنطقة بالصدفة فيها تنافس بين شبكة الجامع وشبكة الجمعية.. والفقراء يقدمون أيديهم للاثنتين.. ولكنهم يكرهون الشبكتين!

الجمعية، في هذه المنطقة وغيرها، تكون لديها مشكلات مختلفة.. حتي لو لم تتدخل في حياة الناس.. أول مشكلة هي فساد الشبكة التي تحيط غالباً بها.. سواء في هذا الحي الذي أتحدث عنه أو في مناطق أخري.. إذ غالباً ما تكون الجمعية مؤسسة أنشأها أحد الأثرياء أو السياسيين لكي يقدم مما لديه للناس.. ويقوم بتوزيع الإعانات عن طريق أفراد.. إما أنهم يتحولون إلي وسطاء نهب.. يسمسرون ويسرقون.. أو يقهرون الناس بما يعطونه لهم كما لو أنه من جيب هؤلاء الموظفين.. وليس من تبرع آخرين.. أكبر منهم .

المشكلة الثانية في الجمعية أنها قد لا تكون مجرد عمل للبر والخير.. وإنما هو بر له غرض سياسي.. والناس تفهم ذلك وبالطبع لا تتفهمه.. فكثير من الجمعيات تأسست من أجل الرد علي الأعمال الاجتماعية التي يجند بها الإخوان الفقراء.. أو يتوهمون ذلك.. ولا يمكن أن نلوم هذه الجمعيات.. إنما نلومها لأنها تترك المساحات فارغة أمام التطرف.. غير أنه لا بد أن نقول إن هذا البر لا يسفر عن محبة الناس وإن أرضاهم ولم يتركهم ضحية للتطرف.

المشكلة الثالثة في الجمعية هي أنها ـ في أحيان كثيرة ـ تعتقد أنه لكي تصل إلي قلوب الناس لا بد أن تتبني الخطاب الديني.. أي تتحول من مؤسسة اجتماعية إلي مؤسسة ذات طابع إسلامي.. كما لو أنها تريد أن تنافس شبكة الجامع.. فتصبح في الأغلب مؤسسة لتقديم البر للمسلمين وليس لكل المصريين.. كما لو أن الفقر في مصر مسلم وليس فيه مسيحيون.. أو كما لو أن الجمعية تقول إن الكنيسة تتولي الفقراء المسيحيين وهي غير منوط بها أن تقدم أي إعانة لهم.

وفي هذا السياق فإن هذه الجمعيات تنشغل كثيرا بأن تنفق علي رحلات حج أو عمرة لسكان الحي.. بالطبع أداء هذه الفريضة أو تلك السُنة ليس من أولويات الفقراء.. لكن الجمعية ومن يديرها تريد ويريد إثبات تدينهما.. لأن الإنفاق هنا دعائي وليس إخلاصًا لمعاونة الفقراء.. ومن حقنا أن نتساءل: أليس من الواجب أن تقدم هذه الأموال التي تنفق علي الحج والعمرة لمشروعات منتجة للفقراء.. تقضي علي عوزهم بمضي الوقت؟

وتعاني الجمعية أيضاً من أنها لا يمكن ضمان استمرارها.. ففي بعض الأحيان تتوقف.. وفي بعض الأحيان تتراجع.. ويعتريها الإهمال.. وفي أحيان كثيرة تتداخل فيها أعمال الوساطة.. ويحتاج الفقراء إلي من يساندهم لكي ينالوا منها بعض العون.. فالمحتاجون كثر.. والميزانيات محدودة.

لست بالطبع ضد العمل الاجتماعي.. أنا ضد استغلاله بأي شكل لصالح تحقيق أغراض غير أهدافه المعلنة، أو أن يتحول إلي وسيلة ابتزاز.. أو إهانة للفقراء.. أريد أن يعود هذا النوع من العمل الخيري إلي طبيعته.. إنساني.. سامي.. يقصد بالفعل أن يعينهم علي مصاعب الحياة.. وأن يسد الثغرات في النظام الاجتماعي الذي تقدمه السياسات الحكومية.. هذا هو الدور المنوط بالمؤسسات غير الحكومية والأهلية.. وأن ينقذ الناس من أن يتحولوا إلي صيد سهل في كل من يوظف العمل الاجتماعي من أجل غرض سياسي أو من أجل إحكام السيطرة علي رقابهم.

العمل الاجتماعي يقدم إلي المحتاجين.. ليس فقط لكي يلبي عوزهم.. وإنما أيضاً لكي يحررهم من الاستعباد.. وإذا كان الفقير عبداً لاحتياجه.. فإنه لا يقبل أن يتحول أيضاً إلي عبد لمن يعينه.. وليس علي الجمعيات الخيرية أو التي تصف نفسها كذلك أن تقوم هي بدور السيد البديل.. أو مستعبد من نوع آخر . 
اقرأ مقال الامس : الجامع والجمعيه 

الموقع الالكتروني :   www.abkamal.net
البريد الالكتروني   :  [email protected]