الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

خُلص الكلام




ربما حان الوقت لبعض التعليقات التليفزيونية... إذ مر وقت معقول من موسم التطاحن بين الشاشات.. أو للدقة بين وكالات الإعلان.. وإذا ما أجلنا هذه الملاحظات إلي نهاية الشهر.. فقد تدهمنا الأحداث السياسية المتنوعة.

سوف أستثني (الجماعة) - المسلسل من هذه القاعدة.. وأبقيه إلي أن يكمل تفاعلاته.. لكي نحكم عليه برمته.. وأن كنت (تذكيرا) قد أطللت عليه عبوراً في بداية الشهر.

ربما تكون ملامح (شيخ العرب.. همام) قد بانت، عمل عميق، لا يمكنني أن أطلق عليه وصف الملحمة كما تقول عنه قناة (الحياة)، لكنه دراما مكتوبة برحيق قلب مصر وتاريخها وصعيدها، ومنسوجة من تلافيف المجتمع وثقافته، ومن ثم فإنه يحظي بمعدلات مشاهدة مرتفعة.. ليس لها علاقة في الأساس بروعة العمل.. وهو رائع حقا.. وإنما بكونه نابعًا من البيئة المصرية.. مخلصا لها.. تري فيه الكثير من الفئات المصرية نفسها.

هذا عمل سياسي بالدرجة الأولي، حتي وإن بدا مماهيا لتاريخ قبيلة معروفة في جنوب مصر، ومستوحيا شخصياته من تراثها ونضالها الاجتماعي، وأن أوحي لمشاهديه أنه يروي لهم بعضًا من أساطير الحكايات المتداولة علي الربابة، ويقوم بعض عناصر جاذبيته علي أنه ممزوج بأجواء من حكايات ألف ليلة وليلة وفيه بالطبع قطوف من وحي السيرة الهلالية.. بل بعض من الحكايات المتداولة في قصة أدهم الشرقاوي.

القيمة الأهم في العمل هي السعي إلي العدل، الذي يمثله أسلوب (شيخ العرب) في حل المشكلات اليومية عرفيا بين المتقاضين أمامه من أهله وما حولهم.. هذا العدل يبحث عن (همام) وهو يجسد مقومات القيادة.. وصولاً إلي نضاله بالحيلة ضد بطش وظلم المماليك.. وعبورًا حتي علي استهدافه العدل بين زوجته وضرتها.

دراما (شيخ العرب)، في سعيها إلي الإنصاف، تؤكد أنه لا عدل بدون نظام، ولا عدل بدون قبضة تدير المواقف، وتقود الاتباع، وتستوعب المطامح وتئد المطامع، وتدير الطاقات بالحكمة والحيلة وقوة الشخصية وأن اقتضي الأمر فإن ذلك يتم أيضا بالديكتاتورية الناعمة والرشيدة التي تنهي المواقف العسيرة بعبارة (خلص الكلام).

المجلس الذي يدير من خلاله (همام) مواقف الحياة مفتوح للنقاش، الجميع يعلن مواقفه، ولكن (شيخ العرب) حين يصدر القرار فإنه يختتمه بهذه العبارة المنهية للحوار.. كما لو أن الختم الذي يوقع به صك الحكم.. وهو معني لايمكن تفويته.. ولابد من الانتباه إليه في تواؤمه مع طبيعة البيئة الصعيدية.. التي ترضخ للكبير.. وتقبل قراره.. ليس فقط لأنه صاحب السطوة المقرة اجتماعيا ولكن لأنه قد ثبت أنه يدرك بتجاربه طبيعة المصالح.

هذه الدراما تتحدث كذلك، دونما إعلان، عن تأثير (العائلية) في الحياة المصرية، إنه مجتمع يراعي هذا البعد إلي حد مؤثر، وحتي اليوم فإن قيم العائلة، إن كانت أسرة أو عشيرة أو قبيلة، لها وقعها المحوري في مسار التفاعل الاجتماعي في الريف المصري.. قبلي وبحري.. ولايمكن لحزب أو قوة سياسية أن تتجاهل تلك الحقيقة.. إن أرادت أن تتعامل بما يحقق الفوائد في محافظات بعينها.

إن عبدالرحيم كمال (المؤلف) الذي قدم (الرحايا) في العام الماضي، وكانت قريبة في مضمونها وقيمها من نفس أجواء (شيخ العرب)، أبدع عملاً مدهشًا، يمس شغاف القلب، ويبدو أنه يمثل مع المخرج (حسني صالح) فريقًا متناغمًا، راعي مفردات المجتمع الصعيدي بتعقيداته، فليس كل من قال (جبلي) قاصدا (قبلي) يكون صعيديا.

ويمثل هذا العمل إضافة حقيقية للمبدع الكبير يحيي الفخراني، وبصمة محفورة في تاريخ التمثيل التليفزيوني، وقد تفوق علي ما نتوقعه منه في كل عام، مصطحبًا في يديه العائدة بقوة ونضج (صابرين)، التي علينا ألا نتوقف أمام مسألة غطاء رأسها.. إن كان شعرا مستعارًا.. أم غطاءً.. فقد أمسكت يقينًا بشخصية الزوجة الصعيدية المروي عنها في الحكايات التي تعيش داخلنا.
ولم (يخلص الكلام) بعد.
الموقع الإليكترونى:  www.abkamal.net

البريد الإليكترونى: [email protected]