السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

دق الصليب




نقل مراسلنا في الدقهلية عن نيافة الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس أنه حذر المسيحيين في مولد مارجرجس في ميت دمسيس، وهو واحد من أشهر وأزحم الموالد المسيحية في مصر، حذر من دق الصليب علي المعصم.. رافعًا يده قائلاً: أنا لم أدق صليبًا، وقد أضاف بيشوي: إن رسم الصليب ليس دليلاً علي أن صاحبه مسيحي.. مشيرًا إلي أن هذه العادة تؤدي إلي نقل الأمراض والفيروسات.. وأن الكنيسة تبعد راسمي الأوشام عن أن يجاوروها في الموالد.

هذا كلام جريء من رجل دين بمكانة الأنبا بيشوي، خصوصًا أنه يصطدم بعادات راسخة، وتقاليد غريبة تنتشر بين الفقراء والقرويين من الأقباط، في حين تتراجع نوعًا ما.. وليس في الأغلب الأعم بين الأقباط في المدن، ومن المعروف أن هذه العادة بدأت في الانتشار بين المسيحيين في عهد الملك الأشرف صلاح الدين ابن السلطان قلاوون عام 1290 ميلادية.. أي أنها بدأت في القرن الثالث عشر بعد ميلاد المسيح عليه السلام وانتشار دينه.

ولا تنتشر هذه العادة، وفق ما أعلم، إلا بين مسيحيي مصر الأرثوذكس، بل إنها غير موجودة بين الإنجيليين والكاثوليك وبعض طوائف الأرثوذكس الآخرين في مصر.. وربما اندفع إليها الأقباط في عصر كانوا يضطهدون فيه.. ولكن المؤسف أن البعض مازال يحرص عليها في القرن الحادي والعشرين.. بل إن هناك من يدق صليبًا داخل المعصم ويضيف آخر أسفل الإبهام علي كف اليد.. كما لو أنه يريد أن يقولها مزدوجة وليس مرة واحدة: أنا مسيحي(!)

وقد كتبت من قبل عن هذا قائلاً: إن من يطالب بحذف خانة الديانة من البطاقة القومية، لا يمكن له أن يقول ذلك وهو يدق بنفسه الصليب، معلنًا دينه في وجه الآخر دون أن تجبره علي ذلك أي سلطة، وقد قارنت بين هذه العادة وبين الأسماء التي صار المسيحيون يلجئون إلي إطلاقها علي أبنائهم دالة علي عقيدتهم وأحيانًا علي تغريبهم.. واغترابهم من اليوم الأول عن المجتمع.. وهو ما يقترن بانتشار ظاهرة الأسماء التي تعلن إسلام أصحابها بدءًا من نهاية السبعينيات.. خصوصًا تلك الأسماء التي تعود إلي العصر الإسلامي الأول ولا ترتبط بالعصر الحديث.

في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، انتشرت بين يهود مصر وشوامها المارون ظاهرة تسمية أبنائهم بأسماء ذات طابع مصري لا تدل علي دينهم ولا جنسية آبائهم الأصلية.. وهكذا ظهرت أسماء مثل رفيق وحبيب وعادل.. بل إني قرأت عن يهودي مصري كان اسمه عبدالواحد.. وقد غير أحد أشهر الموسيقيين اليهود اسمه إلي داود حسني.

الأنبا بيشوي حذر من تلك العادة علي أسس صحية.. خصوصًا أن أي وشم ينقل الأمراض والفيروسات من دم هذا إلي ذاك.. وهذا كلام صحيح.. وربما ارتبط الأمر بمجموعة من التقاليد التي يتبعها المصريون عمومًا في الموالد.. فهم ينحرون الذبائح.. ويختنون الأبناء.. ويلهون بالأرجوحات.. ويدقون الوشم.. الصعيدي المسلم يدق نقطة علي يمين جبهته.. أو رسمًا علي باطن ذراعه.. والصعيدي المسيحي يدق صليبًا وأحيانًا يرسم صورة لمارجرجس نفسه علي عضده.. ولكن هذا ليس منتشرًا الآن.

وإذا كنت أطالب وزارة الصحة بأن تتخذ إجراءً في هذا السياق استنادًا إلي تصريح ديني من الأنبا بيشوي، وأن تقوم بمنع كل أنواع الوشم في الموالد وغيرها، وأيضًا في المناطق السياحية، إذا كان الوشم يغوص في الجلد ويختلط بالدم وليس ظاهريًا مؤقتًا، فإنني انضم إلي موقف الأنبا بيشوي ولكن من منطلق الحرص علي المواطنة.. والتأكيد أنه لا ينبغي أن يبدي مصري تميزًا وتمييزًا لنفسه في مواجهة مواطنيه، فالدين مدقوق في القلب، إن كان إسلامًا أو مسيحيًا.. لا يحتاج مولدًا ولا يريد وشمًا.

وأما مسألة الأسماء فهي ظاهرة تحتاج إلي علاج ثقافي وحضاري، مثل عشرات من الظواهر الأخري في المجتمع التي تحتاج بدورها إلي عملية ثقافية وتعليمية وإعلامية متعمقة وممتدة.

الموقع الإليكترونى: www.abkamal.net
البريد الإليكترونى: [email protected]