الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

هل ندعم الإخوان أم العسكر..؟!




 
أكتب وأنا أخشى أن يقسو علىَّ الأسوانى كما قسى على ساويرس.. البصر والبصيرة..
 
 
فى أمورنا السياسية الصغيرة
 
 
 
«ليلة الجمعة» تتصدى للإجابة عن السؤال المريب الذى طرحه
 
 
الروائى العالمى علاء الأسوانى الكاتب والأديب
 
 
فى مقال طويل «بجريدة المصرى اليوم 31 يوليو 2012» يكاد أن يصل إلى 1500 كلمة حاول الأديب الكبير والصديق العزيز علاء الأسوانى أن يجيب عن هذا السؤال البسيط الذى اتخذه عنوانًا لمقاله الأسبوعى فى جريدة المصرى اليوم.. والسؤال يقول: «هل ندعم الإخوان أم العسكر؟!»ً.
 
 
ويستعرض الأسوانى فى بداية مقاله الكلمات البذيئة التى قالها زعيم اليمين المتطرف فى هولندا «جيرت فيلدرز» عن الإسلام والمسلمين.. وتحدث عن الأحزاب اليمينية المتطرفة فى أوروبا والتى تثير الذعر والقتل والحرق ضد المهاجرين إلى أوروبا من جميع الجنسيات الأخرى غير الأوروبية.. وعلى رأسها المسلمون.. وأن هذه الأحزاب الصغيرة المتطرفة تجاهر بإعجابها بالنازيين والفاشست.. وكلاهما ضد الديمقراطية.. وبعد هذا الاستعراض السريع يطرح الأسوانى سؤالاً منطقيًا ويجيب عنه فيقول: «لماذا لا تتخذ الحكومات الغربية قرارًا بإغلاق هذه الأحزاب واعتقال بعضها فتستريح وتريح الناس؟.. والإجابة ـ تأتى سريعًا: إن المبادئ الديمقراطية تمنع أى إجراءات استثنائية، ومن حق أى مواطن أن يعبر عن أفكاره مادامت لا تخالف القانون.. وأعضاء الأحزاب المتطرفة بمجرد أن يقولوا أو يفعلوا ما يخالف القانون يتم القبض عليم وإحالتهم للمحاكمة، ولو أى حكومة غربية اتخذت إجراء استبداديًا واغلقت الأحزاب المتطرفة سيكون أول من يدافع عن هذه الأحزاب خصومهم السياسيين لأنهم فى هذه الحالة يدافعون عن قواعد الديمقراطية حتى لو استفاد منها من يخالفهم فى الرأى».
 
 
ويعود الأسوانى ليؤكد فى نفس الاتجاه فيقول: «.. لنتخيل مثلا أن الجيش فى أى بلد أوروبى قد قام بانقلاب واستولى على السلطة، وألغى النظام الديمقراطى، وقال لمواطنيه: «سوف يتولى العسكريون الحكم لأننا لو أجرينا الانتخابات فسوف تفوز بها الأحزاب اليمينية المتطرفة»: عندئذ سيكون الشعب بين اختيارين إما أن يستسلم للحكم العسكرى بكل ما يعنيه من استبداد وما ينتج عنه من كوارث، وإما أن يطالب بالديمقراطية التى يستفيد منها المتطرفون.
 
 
وينتهى الأسوانى بالتأكيد على سلامة «أطروحته السياسية التى مفادها كما يقول بالنص:
«إن نظام مبارك يختبئ خلف فزاعة الإخوان من أجل منع التغيير واستمرار الحكم العسكرى لمصر. الذين لا يتفقون سياسيًا مع الإخوان ـ وأنا منهم ـ أمامهم طريقان لإقصاء الإخوان عن الحكم:
 
 
«1» إما أن يدعموا المجلس العسكرى من أجل السيطرة على الإخوان، ولكنهم عندئذ سيكونون سببًا فى إجهاض الثورة والديمقراطية معًا.
 
 
«2» وإما أن يبعدوا العسكر عن السلطة ويدعموا النظام الديمقراطى القادر وحده على هزيمة الإخوان عن طريق صناديق الانتخابات.
 
 
وإلى هنا يضعنا الأسوانى ما بين خياريين كلاهما مُر.. إما «العسكرى».. أو «الإخوان».. والخطر كل الخطر من العسكرى لأنه إذا استمر فلن يترك الحكم.. أما الإخوان فالتخلص منهم سهل ووارد بترسيخ الديمقراطية الحقيقية التى ستحمى مصر من التطرف والاستبداد معًا.
 
 
وهذا الخيار الصعب الذى يرفضه الأسوانى ويقبل به فى ذات الوقت.. يذكرنى بثنائية إما «الجنة» أو «النار».. التى جرى تعميمها فى استفتاء مارس 2011.. وحصل بها التيار الإسلامى على موافقة على الانتخابات أولاً.. والدستور آخر الأشياء.. بنسبة 76٪.. ويذكرنى بفيلم للمرحوم علاء ولى الدين.. عندما سأل البلطجى الذى يعتدى عليه وهو يرقد على صدره ويكيل له اللكمات: «هو كله ضرب.. مفيش شتيمة».. يعنى يا «العسكر».. يا «الإخوان».. أليس هناك حل توافقى وسطى يجمع كل القوى الوطنية فى جانب واحد فى مواجهة «العسكر».. وهذا يذكرنى بالملك الذى أغضبه انتشار الذباب فى مملكته.. فجاء بفريق من العلماء وقال لهم لابد أن نتخلص من الذباب نهائيًا فانتهى العلماء باقتراح وافق عليه الملك.. هو أن يستوردوا نوعا من العناكب بأكل الذباب ويتم استزراع فصيلته وتوزيعه فى أرجاء البلاد.. وبالفعل نجحت الفكرة وتم القضاء على الذباب تمامًا.. ولكن الملك فوجئ بأن العناكب توحشت وملأت البلاد وتسببت فى ترويع الناس.. وعندما طلب من العلماء أن يخلصوه من العناكب قالوا له إن هذا الأمر يصعب علينا فعله فالعناكب توحشت.. وهى تمتلك القدرة على التلون والاختباء وهى لا تخرج فى وضح النهار ولكنها تنتشر ليلاً فى جنح الظلام.. وهكذا تخلص العلماء العباقرة من الذباب.. وبلوا الناس بالعناكب.. التى سكنت الشقوق والأوكار والخرائب والخفايا المظلمة.
 
 
وقبل أن يغضب منى الصديق علاء ويقسو على كما قال لرجل الأعمال نجيب ساويرس فى مقاله المنشور بالمصرى اليوم أيضًا «السبت 28 يوليو 2012»: «.. ويا نجيب ساويرس ربما أكون قسوت عليك لكنى فعلت ذلك من أجل مصلحتك، فالحياة عملية تربية مستمرة كما تعلم، ومن الآن فصاعدًا.. يجب أن تفكر مرتين قبل أن تسىء إلى أى إنسان لمجرد أنه يختلف معك فى الرأى».
ولذا فأنا أكتب وأن مستريح الضمير.. فأنا مختلف مع الصديق علاء الأسوانى ولست مسيئًا له.. وشهادتى غير مجروحة لأننى لست من رجال الأعمال.. ولم أكن يومًا محسوبًا على نظام مبارك ولا رجاله.. ولدى شهادة حسن سير وسلوك وطنى وبإخلاص.. لأننى قبل رحيل مبارك منعت من الكتابة فى «روزاليوسف» ولم أدخلها طوال ثلاث سنوات لأننى كنت أنشر بانتظام مقالتى المعارضة لمبارك ورجاله وتصديت لفساد الطغمة الحاكمة طوال عمرى سواء فى عصر عبدالناصر.. أو السادات.. أو مبارك.. ولدى وثيقة بهذا التصدى فى كتاب جمعت فيه كل مقالاتى التى نشرتها فى جريدة مصر اليوم على مدى ست سنوات تحت عنوان «فيه حد نجس فى العربية/ نصوص صحفية».
 
 
ولذلك أقول للصديق علاء لو أمعنا النظر ببصيرة سياسية فيما أنت طرحته من أفكار ورؤى.. سأجد نفسى متفقًا معك فى أنه لا للإخوان.. ولا للعسكر.. أنا لا أريد أن يحكمنا العسكر واعتقد أيضًا أنهم لا يريدون الحكم فقد سلموا السلطة فى موعدها للرئيس المنتخب.. وفى أول خطاب رسمى.
 
 
للرئيس هتف الإخوان فى جامعة القاهرة عند دخول المجلس العسكرى: «يسقط.. يسقط.. حكم العسكر».. فلا أنت ولا أنا.. ولا أى من القوى الوطنية المخلصة تريد العسكر أو الإخوان.. فهل الحل الذى طرحته وهو اعتماد النموذج الأوروبى.. هو الحل الأمثل؟.. أنا لست معك تنقصنا خطوة جوهرية لابد من انجازها قبل أن نطبق النسق السياسى الأوروبى وهو «الدستور».. فالدستور أولا.. وثانيا.. وثالثا.. ولكن أى دستور.. هل يمكن أن تسمح لنفسك ولبنى وطنك المصريين أن تحكم بدستور تضعه جمعية دستورية مطعون فى تشكيلها وقد حلت من قبل بحكم المحكمة لنفس العوار الدستورى الحالي.. جمعية انسحب منها كل من أدرك خطورة استمرار هذه الجمعية فى عملها.. والتى بموجب توجهاتها ستتحول مصر إلى دولة دينية.. وستمارس العنصرية ضد الطوائف الأخرى.. بمن فيهم المسلمون المعتدلون.. لذلك فالسؤال الذى طرحته علينا: «هل ندعم الإخوان أم العسكر؟!» سؤال تعسفى.. فلن نضع أنفسنا بين المطرقة والسندان ثم نختار الإخوان.. ونناضل من جديد ضد «التطرف والاستبداد معا» كما قلت فى نهاية مقالك.. فالمصريون لم يقوموا بالثورة التى سقط الشهداء من أجلها وسالت الدماء زكية عاطرة على تراب هذا الوطن.. لكى نأتى بالإخوان ونسلمهم رقابنا بموجب دستور يصنع داخل جمعية تأسيسية غير شرعية يمتلك فيها الأغلبية التيار الدينى.. وفى عضويتها سلفين متطرفون رفضوا العزاء فى وفاة البابا شنودة.. ورفضوا الوقوف عندما عزف السلام الجمهورى للبلاد ورفضوا علم مصر.. ورفضوا الأزهر. ووثيقته الأولى والثانية.. وهذه الجمعية التأسيسية التى تريد أن تغير المادة الثانية وتحكم بأحكام الشريعة الاسلامية وليس بمبادئ الشريعة الإسلامية.. الجمعية التى تريد أن تفرض الزكاة على المسلم والمسيحى.. الجمعية التى تريد أن تضع قوانين طائفية متطرفة وتقيد الحريات.. وتسجن الصحفيين فى قضايا النشر.. هل تعتقد يا صديقى العزيز أن من يفصل دستوراًَ بمثل هذه النصوص ويمثل هذا المنطق المتطرف من التفكير.. سيترك لك الحكم.. إننى لا أريد حكم العسكر مثلك ولا أريد حكم الإخوان.. ولكن أريد دستورا لكل المصريين دستوراً لدولة مدنية حديثة.. دستورا حضاريا يليق بحضارة مصر وثقافتها وعظمتها ودورها الريادى والتاريخى الذى لن نسترده لا بحكم العسكر.. ولا بحكم الإخوان.. دستور يشبه دساتير الدول المتحضرة فى أوروبا وعندئذ لن أخشى الأحزاب الصغيرة المتطرفة لأنها سوف تحكم بأبو القوانين وهو الدستور المدنى الجديد.. يا صديقى نحن نريد قوات مسلحة تحمى الشرعية الدستورية مثل الجيش التركى.. دون أن تتدخل فى شئون الدولة المدنية فالمطلب الأول والأخير.. هو صياغة دستور يعبر عن كل المصريين.. وبعد ذلك فليحكمنى ما تأتى به الصناديق يطلع إخوان ليس هناك أى مشكلة.. يطلع وفد.. يطلع ناصرى.. يطلع ليبرالى.. يطلع يسارى يطلع كما تقول الصناديق.. إن شاء الله يطلع جن أزرق.. ولا شيطان ملعون.. ولا الأشكيف المخيف.. طالما هناك عقد اجتماعى مكتوب بضمير الأمة المصرية كلها ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم لا يهمنى وهذا العقد هو الدستور..
 
 
لذلك يجب أن نناضل جميعا قبل فوات الأوان.. وقبل خراب مالطة من أجل صياغة الدستور المغتصب والذى يتم تفصيله من ترزية الدساتير المحترفين فى ضياع حقوق المواطنة وحقوق الوطن لصالح تيار الاسلام السياسى. إن الدول الأوروبية العريقة فى الديمقراطية.. سمحت بالأحزاب الصغيرة لأن دستورها ينص على ذلك.. لكن الإعلان الدستورى الذى وضعته لجنة أغلبها من الإخوان وكان على رأسها المستشار طارق البشرى وفى عضويتها المحامى صبحى صالح نصت على أنه لايجوز أن تقام أحزاب على أساس دينى.. وأنه لا يسمح لها أن تدعو للانتخابات من داخل دور العبادة.. ولا يجوز.. ولا يجوز.. ولا يجوز.. وكل هذه الممنوعات تم دهسها بالأحذية.. واقيمت الأحزاب على أسس دينية وباسماء دينية وتم استخدام دور العبادة.. وتم ترهيب الناس وترغيبها.. وضربت كل مواد الاعلان الدستورى فى مقتل.. ولم يتحرك أحد.. لأن القوات المسلحة كانت تريد أن تمر كل الأمور بسلام.. أو لنفترض سوء النية كانت تريد أن تتحالف مع التيار السياسى الأقوى لتضمن بقاءها فى السلطة.. فجاءت بالإخوان وعقدت معهم صفقة.. حتى هذا الكلام رغم صعوبة تصديقه فى بعض جوانبه لأن هناك ضغوطا خارجية يعلمها البعض ولا يعلمها معظم الناس ومن يقترب من المطبخ السياسى لهذه الفترة العصيبة من تاريخ مصر سيشم روائح تزكم الأنوف.. ولكن رغم كل هذه الهواجس فإن الضمان الوحيد لتحجيم كل قوى سياسية فى المجتمع.. وتحديد خطوط فاصلة بينها وبين كل القوى الأخرى فى الحقوق والواجبات والاختصاصات.. كل ذلك لا يمكن أن يحكمه وينظمه إلا الدستور الذى تركناه جميعا يغتصب وينتهك ويعتدى عليه بأبشع الصور وتركناه بين أيدى تحاول أن تعبث به وبمصير مصر والمصريين.. نحن بحاجة إلى نضال مرير من أجل صياغة الدستور بما يكفل حماية الدولة المدنية المصرية الحديثة.. ينص بداخله على دور محدد للقوات المسلحة من بين هذا الدور حماية الدستورية الشرعية إذا بغت طائفة سياسية على الأخرى.. وحماية مكاسب الثورة من التكويش والاستحواذ..
 
 
.. نريد دستورا سنناضل من أجله وهذا هو النضال المشروع.. ولكن أن نأتى بالإخوان المسلمين ونسلم لهم كل شىء ثم تطلب منى أن أناضل من جديد ضد الاستبداد والتطرف.. فهذا ما لا يليق بثورة المصريين.. فاذهب أنت واللجنة التى أيدت الإخوان وناضلوا معا..
قبل أن تتهمنى بالانحياز لشفيق أو المشير.. أو المجلس العسكرى.. أو الفلول.. أقول لك.. لست مع العسكر.. ولا مع الإخوان.. والذى سيحمينا منهما هو الدستور.. والدستور فقط فهو الحكم بين الجميع.