الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«رهبان» تحت الإقامة الجبرية والحبس المؤبد

«رهبان» تحت الإقامة الجبرية والحبس المؤبد
«رهبان» تحت الإقامة الجبرية والحبس المؤبد




تحقيق – داليا سمير


الرهبنة المصرية هى  النموذج الحقيقى للشدة والقسوة على النفس، فيها يلتزم الشخص بالفقر الاختيارى والطاعة العمياء لرئيسه الدينى، وتمتلئ قصص الرهبان بالكثير من المآثر والطاعة العمياء  وأغربها أن أحد شيوخ الرهبان أعطى لتلميذه عصا وأمره بأن يزرعها ويسقيها كل يوم وهو ما التزم به التلميذ حتى جاء يوم وبدأت العصا تخرج منها فروع وتنمو حتى صارت شجرة ضخمة موجودة حتى يومنا هذا بدير السريان ببرية شهيت بوادى النطرون. والغرض من القصة أن مبدأ الطاعة هو اساس الرهبنة، فالراهب يطيع أوامر رؤسائه الدينيين حتى الموت، ويلغى عقله إذا ما تعارض مع تنفيذ ما يؤمر به، والطاعة تكون متلازمة مع ما يعرف بسلطان «الحل والربط» داخل الكنيسة وهو السلطان الذى يعطى للأب الروحى للراهب أو الرئيس الدينى له حق توقيع العقوبات إذا ما خالف الأوامر، وكانت العقوبات تصل إلى حد الجلد فى بداية ظهور الرهبنة، فكان كل دير تٌزرع أمامه ثلاث أشجار ضخمة. الأولى لجلد زوار الدير، الذين يخالفون النظام والثانية لجلد اللصوص الذين يهجمون على الدير أما الأخيرة فكانت لجلد الرهبان الذين لا يطيعون الاوامر، وعلى الرغم من ان الكنيسة قد ألغت العقوبات البدنية للرهبان، وأصبحت العقوبات تتراوح ما بين المنع من الصلاة فى الكنيسة وممارسة التقدم للأسرار المقدسة الا ان أشد تلك العقوبات قهراً عقوبة الحبس الانفرادى فى القلاية (سكن الراهب) لمدة مفتوحة قد تصل إلى الحبس المؤبد وعدم الخروج من القلاية مدى الحياة، ومن المعروف أن عقوبات الحبس الانفرادى تتكتم عليها الكنيسة ولا تعلن عنها حتى لا تثير الشبهات حولهم، لكن «روزاليوسف» استطاعت كسر هذا الحصار والحصول على أحد تلك الأحكام والذى أصدره نيافة الانبا هيدرا أسقف أسوان ورئيس دير الانبا باخوميوس  بجبل إدفو بحبس الراهب جورجيوس الانبا بيشوى فى قلايته، ومنعه من أداء أى طقوس داخل الكنيسة أو خارجها لمدة مفتوحة لم يحددها الحكم الصادر وكانت التهمة هى كسر قانون الطاعة الذى هو أحد أعمدة «حياة الرهبان» كما جاء بالقرار وعلى الرغم مما يثيره الحكم المذكور من تعمد قهر واذلال الراهب المخالف، إلا أن الغريب فى الأمر هو أن يرتضى انسان طوعا أن يحبس داخل غرفة صغيرة وضيقة لمدة لا يعلمها، ما جعلنا نتساءل: هل هذه القوانين توافق ما جاءت به المسيحية من رحمة وتسامح؟ لذا استدعى منا البحث وإجراء هذا التحقيق لنعرف اصل هذه العقوبات.
فى البداية يقول القس ايمن لويس راعى الكنيسة المعمدانية بالقاهرة: إن سلطان الحل والربط مختلق من الكنيسة وتحريف للنص، بما يخالف وصايا المسيح القطعية بالعهد الجديد، والخلافة الروحية شريعة يهودية وليست وصية كتابية كما أكد المسيح على بطلانها، وأن الآية التى تشير إلى أن الاحكام ليست مخصصة لفئة بل هى السلطان لجميع المؤمنين، وأشار إلى قول المسيح (الحق اقول لكم: كل ما تربطونه على الارض يكون مربوطا في السماء وكل ما تحلونه على الارض يكون محلولا فى السماء يسبقها سؤال وهو إلى كم مرة يخطئ أخى واسامحه.
وفى علم التفسير المسيحى لا يجوز اجتزاء النص عن القرينة، والفقرة تتكلم بالمطلق فى تعليم عام عن التسامح فى السلوك المسيحى وليس رسالة خاصة للإكليرس أو للرسل.
فيما قال القس إكرام لمعى أستاذ اللاهوت الانجيلى ومقارنة الأديان إن سلطان الحل والربط داخل الكنيسة الانجيلية لا يوجد له مكان حيث إن سلطان الحل والربط هو السلطان الذى يعطى للأب الروحى للراهب أو الرئيس الدينى له حق توقيع العقوبات إذا ما لم يطع الأوامر، وأضاف: إن العقوبات فى بعض الاوقات إلى حد الجلد، مشيراً إلى أن من يملك هذا السلطان هو شخص المسيح ولا توجد تأديبات كنسية للمنحرفين، لكن تكون هذه التأديبات مختصة بالظروف الأرضية ولا توجد عقوبات لما بعد الموت.
وأشار لمعى إلى أن  المسيحية أساسها المحبة فلذلك يجب على الطائفة الارثوذكسية الابتعاد عن هذا السلطان وأن تتعامل بمحبة المسيح لان الله محبة  وأن المحبة يجب أن تكون قبل العقوبات، ومادام أقر المذنب بأخطائه فتكون المحبة افضل، مضيفا أن العقوبة هى دينونة نهى عنها المسيح حيث قال: (لا تدينوا لكى لا تدانوا)  وأنه لا يجب على أحد إدانة أحد ولا يجب الحكم عليه بالذنب ألا بمقاييس معينة أولها ألا يقوم القسيس بتوقيع العقوبات على رجال الدين إلا بعد تطبيقها على نفسه أولا، وبيان مدى قدرته على تحملها، كما لا توجد طاعة من غير فهم واعمال للعقل، والرهبنة عقيدة أرثوذكسية فقط ويجب مراجعتها.
بينما يرى الأنبا مرقس أسقف مطرانية شبرا الخيمة أن عقوبة حبس الراهب فى قلايته غير موجودة حالياً، وإن وجدت فهى نادراً ما تحدث وتكون بعد دراسة كاملة للخطأ والعقوبة المصاحبة له، وكيفية استعداد الراهب لاحتمالها وتكون محددة المدة.
وأضاف: إن سلطان الحل والربط مادى وروحى، فمادى حين يمنع عن أطعمة معينة، وروحى كالصوم والقراءات، مشيراً إلى أن الطاعة واجبة فى حدود وصايا الله بحيث يستفيد منها الذى يطيع،  وأن العفو موجود والعقوبة موجودة، لكن تدرس كل حالة على حدة فلا العفو الدائم مفيد ولا العقوبة الدائمة مفيدة.
وأوضح أسقف شبرا أن العقوبة دينونة قد نهى عنها المسيح، لكن يوجد فرق بين الإدانة والسلطان والمسئولية فمن حق الأب أن يحكم على ابنه والرئيس على مرؤسيه والقاضى على المخطئ، أما الإدانة فهى أن يحكم الإنسان على إنسان آخر لا يكون مسئولا ولا يكون عن دراسة كاملة وأن الذى يعطى العقوبة لا بد أن يكون على دراية بظروف الراهب الروحية والنفسية والجسدية وقدرة احتماله للعقوبة.
وأكد أن الطاعة لا تلغى العقل وأن  الطاعة مع الاقتناع أفضل جدا، ولا بد أن تكون فى حدود وصايا الله وقوانين الكنيسة المعتمدة، مشيراً إلى أن الرهبنة ليست منظومة عسكرية وأنها كانت موجودة قبل القديس باخوميوس، ولكن نظامها يمتاز بالحزم الممزوج بالحب والطاعة أيضا ممزوجة بالحب.
وعلى جانب آخر قال القس بطرس رشدى بدير القديس سمعان بالمقطم، إن سلطان الحل والربط بالكنيسة سلطان روحى وليس مادياً ويختص به الإمام المسيحى والعقيدة المسيحية فقط وأنه يطبق على الأشخاص الذين يخطئون داخل الكنيسة وعلى الرهبان وعلى كل من يخطئ، مفيداً بأن كل من يمنع من سر التناول يرضخ للعقوبات والمحاكمة الكنسية التى يشرف عليها الأنبا باخوم والأنبا هيدرا، موضحاً أنه لا يجوز للكاهن كشخص أو البابا كشخص أن يُختص بسلطان الحل والربط وألا يجوز له تطبيق العقوبات على الأشخاص بصفة شخصية.
وتابع رشدى أن الدسكولية داخل الكنيسة التى تختص بقوانين المحاكمات الكنسية تقول: إن الكاهن أو الأسقف الذى يعطى الحرمان فى غير موضعه أو فى غير محله يرتد عليه نفس الحرمان وذلك لأن الربط والحل يخص المسيح فقط، لافتاً إلى أن الطاعة يجب أن تكون واجبة لأنها تكون من خلال الكتاب المقدس ووصايا المسيح وأنه يجب أن يطاع الله أكثر من الأشخاص أنفسهم ومن جميع الناس، مشيراً إلى أن العقوبات تطبق على المخطئين حتى لا يستهانون بالحياة المسيحية وكنسياً لا يوجد الحرمان من التناول إلا بعد اتخاذ خطوات عديدة منها التحذير والتأديب والأخطار.
وأفاد بأنه لا توجد حالات حبس انفرادى للرهبان فى قلايتهم ولا يطبق عليهم حالات الحبس التى يغلق فيها عليهم الأبواب وتكون العقوبة الكبرى هى الحرمان من الخروج من الدير ولا يخرج للعالم نهائياً وأن يكون مع الطاعة الالهية والعالم الإلهى، موضحاً أن الطاعة حب وفهم وإرادة وعقل ويجب أن تكون معتمدة على النقاش وليست مجرد أوامر ولا يوجد شىء يسمى بالطاعة العمياء كما أن الرهبنة لها قوانينها التى يجب أن يحبها الشخص نفسه ويلتزم بها إرادياً.