السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

تركيا أكبر سجن للحريات

تركيا أكبر سجن للحريات
تركيا أكبر سجن للحريات




تنتظر تركيا منذ عقد من الزمان أن تنتمى إلى الاتحاد الأوروبى، إلا أن رئيسها التركى رجب طيب أردوغان جعل من تركيا اليوم أكبر سجن للحريات، وبات إعلاميوها وعلماؤها ومثقفوها ونخبها السياسية مقيدى اليدين كالقتلة والمجرمين يستيغيثون بمنظمات حقوق الإنسان العالمية كى تنقذهم من جحيم أردوغان، إذ بلغ عدد المعتقلين أكثر من نصف مليون مواطن تركى، وأصبح المعتقل مصير كل معارض، وغاب القانون، وصار القضاء عصا بيد الديكتاتور ينكل بها منافسوه ويكمم بها أفواه المعارضين.

 وتعددت أشكال الضغوط على الجهاز القضائى برمته، ما أفقده استقلاله ونزاهته، وحولته إلى جهاز خاضع للسلطة التنفيذية منذ عام 2013، بعد الكشف عن فضائح الفساد المالى الضخم الذى طال عددًا من الوزراء وأبنائهم فى النظام الحاكم، حتى بلغ ذروته عام 2016، وقد تم له كل ما أراد من خلال  ممارسات الفصل التعسفى للقضاة ووكلاء النيابة واعتقالهم، فأكثر من 4.4 ألف قاض ووكيل نيابة تم فصلهم تعسفيا من وظائفهم، وما يقارب الثلثين منهم شطبت عضويتهم من النقابة فى 16 يوليو 2016، وهو اليوم التالى لأحداث يوليو 2016، وجمدت الدولة حساباتهم البنكية قبل أن توجه إليهم أى اتهامات، وقامت الحكومة التركية بفصل أزواجهم أو زوجاتهم من العاملين والعاملات فى القطاع الحكومي، واستولت على مدخراتهم وممتلكاتهم، ورفعت الحصانة عن القضاة.
لقد أدت هذه الممارسات القمعية إلى احتجاج دولى كبير، بسبب التعذيب وسوء معاملة المسجونين إذ طالب مفوضو الأمم المتحدة تركيا باحترام حرية القضاء ومبادئ القانون، رافضين ما يتعرض له القضاة من ضغط عام وضغط خاص من أردوغان، وأن القاضى الذى يعارض القرار الموجه إليه من أردوغان يصبح مستهدفًا، وعرضة للاعتقال والحبس، وأن من يخضع لما تمليه عليه الحكومة من أوامر – وإن كانت مخالفة للإجراءات القانونية المتبعة – يتم مكافأته وترقيته.
يقبع فى معتقلات تركيا أكثر من 500 محام بتهمة الانتماء لحركة الخدمة التابعة للداعية الإسلامى فتح الله جولن الهارب بأمريكا، والذى يتهمه أردوغان بتنفيذ محاولة انقلاب يوليو 2016، وأرسل رئيس مجلس نقابات المحامين والجمعيات القانونية الأوروبية ميتشل بينتشو، خطابا لأردوغان، طالب فيه الحكومة التركية باتخاذ الخطوات اللازمة، لإخلاء سبيل المحامين المحتجزين، وتمكينهم من ممارسة عملهم، وتمثيلهم لموكليهم أمام القضاء.
وفى السياق ذاته، وجهت النقابة الفيدرالية الألمانية للمحامين، انتقادات لاذعة لاحتجاز العاملين فى مجال القانون، بسبب قلقهم الشديد تجاه إغلاق مؤسسات المجتمع المدنى واعتقال المحامين.
وأعرب كل من مجمع حقوقيى إنجلترا وويلز ونقابة المحامين، ومجمع حقوقيى إسكتلندا واللجنة العامة لنقابة المحامين، ومجمع حقوقيى شمال إيرلندا ونقابة محامى إيرلندا، عن قلقهم الشديد إزاء الفصل التعسفى لنحو 4.4 ألف قاضٍ ووكيل نيابة.
ولم يكن الصحفيين فى تركيا أفضل حالا مما تعرض له المحامون والقضاة، منذ محاولة أحداث يوليو 2016، إذ يواجه أكاديميون وصحفيون وكتاب ينتقدون الحكومة، إحالات إلى التحقيق الجنائي، وملاحقات قضائية، وألوانًا شتى من الترهيب والمضايقة والرقابة المستمرة، وبهذا أصبحت تركيا من أسوأ دول العالم من حيث التعامل مع الصحفيين، إذ صنفها الاتحاد الدولى للصحفيين بأنها أكبر سجن للصحفيين فى العالم للعام الثانى على التوالي، فالصحفيون المعتقلون فى تركيا يمثلون نصف عدد الصحفيين المعتقلين على مستوى العالم. وقد جاءت تركيا فى الترتيب 157 من بين 180 دولة.
منذ 15 يوليو 2016 حتى الآن، يقبع فى السجون 319 صحفيًّا معتقلاً، وصدرت مذكرات اعتقال بحق 142 صحفيًّا آخرين مشردين فى خارج البلاد، وخلال عام 2017 المنصرم تمت محاكمة 839 صحفيًا، على خلفية تقارير صحفية أصدروها، أو شاركوا فى إعدادها، طبقًا لما أوردته مؤسسة الصحفيين الأتراك.
وقد تم إغلاق أكثر من 189 وسيلة إعلامية، فضلاً عن كثير من القنوات والإذاعات الكردية واليسارية والعلوية المستقلة، هذا بخلاف حجب 127 ألف موقع إلكترونى، و94 ألف مدونة على شبكة الإنترنت.
يتعرض عدد من النساء التركيات لعمليات ممنهجة من التعسف والاضطهاد داخل تركيا وخارجها، خصوصًا نساء الأقليات الاثنية، والنساء الناشطات فى مجال المجتمع المدنى وحقوق الإنسان؛ إذ تتخذ منهن السلطات التركية، غرضًا لكل الإجراءات التعسفية التى تمارسها فيما بعد مسرحية أحداث يوليو 2016، وذلك طبقًا لتقرير صدر فى فبراير 2019.
وفى أعقاب أحداث يوليو 2016، باعتقال عشرات الآلاف من النساء، «بلغ 18 ألف امرأة»، شملت كل فئات المجتمع من ربات بيوت إلى صحفيات ومعلمات وأكاديميات وطبيبات ومهنيات وسيدات أعمال، بلا أى سندٍ قانونى. وتشير أدلة موثوقة إلى أن العديد من النساء المحتجزات فى أعقاب أحداث يوليو 2016، يتعرضن بصورة روتينية للتعذيب وسوء المعاملة، ويصل الأمر إلى حد الاعتداء الجنسي.
وتعد النساء الكرديات والنساء المدافعات عن حقوق الإنسان الأكثر تعرضًا للقمع الحكومي، من خلال سلسلة من قرارات الطوارئ التى أصدرتها الحكومة عقب أحداث يوليو 2016، وتمَ بصورة غير قانونية إغلاق 1.125 منظمة غير حكومية، و560 مؤسسة خيرية، و19 اتحادًا تجاريًّا نسائيًّا لسيدات الأعمال.
وخلال شهر فبراير 2018، وقد ذكر التقرير أن السجون التركية المخصصة للنساء قد اكتظت بالسجينات، وفقدت قدرتها على الاستيعاب، وقامت الحكومة التركية فى سابقة خطيرة بسجن النساء فى السجون المخصصة للرجال، لا سيَّما بعد أن وصل عدد السجينات إلى 18ألف امرأة.