الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أبو كبسولة يتجاوز أزمة الكوميديا سيئة السمعة!

أبو كبسولة يتجاوز أزمة الكوميديا سيئة السمعة!
أبو كبسولة يتجاوز أزمة الكوميديا سيئة السمعة!




بعد أكثر من 130 ليلة عرض لمسرحية «أبو كبسولة» بمدينة الإسكندرية على مسرح بيرم التونسى قرر البيت الفنى إعادة تقديمه على خشبة المسرح العائم «الكوميدي» بالمنيل، وانتقل نجاح العمل جماهيريًا من الإسكندرية إلى القاهرة، يتناول العرض فكرة شاب استغرق فى النوم طويلًا وعاش خلال نومه يومًا كاملًا مفعمًا بالأحداث التى هيأت له أنه أصبح عالمًا شهيرًا اخترع كبسولة للشبع من يتعاطاها لن يجوع لمدة 24 ساعة وخلال الحلم تتطور الأحداث ويريد الجميع سرقة اختراعه على رأسهم إسرائيل ثم الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك الإسلاميون يتصارع هؤلاء لشراء اختراعه بالملايين.

رغم أن العمل لم يأت بجديد وتبدو فكرته مكررة تم تناولها أكثر من مرة فى أعمال مسرحية أخرى وإن اختلفت أو تعددت الرؤى وطريقة التناول؛ يحسب له التعامل بجدية خاصة على مستوى التمثيل فى حين أنه عرض كوميدى بسيط قدم فقط لمجرد المتعة والتسلية، فلم يشأ صناعه الاكتفاء بمنطق التسلية بل تكاتفوا لاستعراض مواهبهم التمثيلية وأخص بالذكر بطل العرض مصطفى أبو سريع وإسلام عبد الشفيع، لعب الاثنان دورهما بتركيز وتأن، قدم مصطفى دور الشاب المخترع ورغم اتساع موهبته ككوميديان إلا أنه لم يستغل هذه المهارة فى الإسفاف أو الابتذال الذى اعتدنا رؤيته بالأعمال المسرحية التى تعتمد على هذا النوع من الحبكات الدرامية أو التى قد تشترك فى هدف محدد «المسرح الترفيهى»؛ احتفظ أبو سريع بقيمته الفنية كممثل ولم يستسهل بسلك طريق الاستظراف والخروج عن النص واختراع إفيهات لانتزاع الضحك من الجمهور؛ أما الفنان إسلام عبد الشفيع فكان له شأن آخر فى التعامل مع عرض كوميدى ترفيهى بمنتهى الجدية والاتقان والاحتراف.. لعب عبد الشفيع شخصيتين فى العمل الفنى الأول دور ضابط إسرائيلى والثانى دور خال الشاب المخترع الذى سنراه بعد أن يفيق من غفوته وفى كلا الشخصيتين كانت له بصمته وتفاصيله الخاصة التى أفصحت عن موهبة وثقل فنى كبير لنجم قادم بقوة، منح أهمية قصوى لكل شخصية قدمها حتى ولو لم يتجاوز حجمها مجرد بضع دقائق على خشبة المسرح إلا أنك ستلحظ الفارق الكبير بين الشخصيتين من خلال تغيير شكل الشخصية وحركاتها وإيماءتها وإضافة بعض الأشياء الصغيرة التى بدت مع أدائه كبيرة مثل حرصه على تغيير حركة عضلات وجهه أثناء تأدية دور الضابط الإسرائيلى الذى كانت تطرف عينه اليمنى طوال الوقت، فعادة ما تكون لدينا صورة كاريكاتيرية ثابتة عن المواطن اليهودى أو الإسرائيلى لها نمط محدد وقالب معين توضع فيه بالأعمال الدرامية الخاصة بالجاسوسية مما يمنح الشخصية شكلًا هزليًا ساخرًا وغير حقيقي؛ وفى الغالب تنال هذه الشخصيات تهكم المشاهدين من شدة احتفاظها بالكليشيه؛ لكن هنا وأعيد تكرار التمسك بالتفاصيل والجدية الشديدة فى التعامل مع الشخصية دون استسهال خرج بها عبد الشفيع من الصورة النمطية المعتادة للإسرائيلى المقدم فى الأعمال الدرامية؛ ليثبت ويؤكد أن هناك من يستطيع تقديمها بعد رأفت الهجان بشكل فنى دقيق ومحترف وضع لها هذه الغمزة المتكررة واحتفظ بها وقت وقوفه على المسرح طويلًا مع احتفاظه دائمًا بالشعرة الفاصلة بين جدية الشخصية وهزليتها، ثم تبدلت عضلات وجهه وملامحه فى شخصية الخال والتى استغل فيها أيضًا عضلات جسده وبالتالى هو ممثل يمتلك مهارة الحرباء التى تتبدل وتتشكل حسب لون وشكل كل شخصية يمنحها طعمها الدرامى الخاص به استطاع عبد الشفيع إثبات وجوده ووضع بصمته الفنية الكبيرة من ظهور يبدو على المسرح ضيئلًا.
احتفظ الممثلون بوقار وهيبة مسرح الدولة فلم يخرج أى منهم عن المألوف المعتاد الخروج عنه فى هذا الشكل من الأعمال المسرحية، لكن ربما كان المأخذ الأكثر وضوحًا فى «أبو كبسولة» هو عدم فتح مساحات للضحك والكوميديا بشكل كبير، فلم يستغل الكاتب محمد الصواف مهارات مصطفى أبو سريع وعمرو عبد العزيز الذى بدا اعتماده على نفسه وعلى أسلوبه المعتاد فى إضحاك الجمهور أكثر من اعتماده على النص الأصلى، لذلك أصبحت تواجهنا أزمة فى كتابة العروض الكوميدية التى قد تساهم فى كبت الكوميديان وليس فى انطلاقه بمعنى آخر أن هناك طاقات كوميدية كبيرة بالعرض المسرحى بدت مكبوتة مثل صفاء جلال التى كانت فى غاية البساطة والسلاسة فى تقديم شخصية السكرتيرة المعذبة بحب الطبيب المخترع، حسن عبد الفتاح، محمد الكوتى كان من الممكن استغلال هؤلاء بشكل أكبر مما جاء عليه إذا حمل النص مواقف ومساحات أكبر وأكثر لصنع ضحك مختلف؛ بينما بدا الضحك هنا مخنوقًا أو كأنه محسوب ب»المسطرة» ومساحته تكاد تكون مغلقة أو مغلفة بحالة من الخوف خشية الخروج عن المألوف أو تجاوز وقار مسرح الدولة، وبالتالى جاءت طاقات الممثلين الكوميدية مهدرة أو غير مستغلة كما ينبغى فى حين أنه كان من الممكن استغلال مواهب هؤلاء بشكل أوسع مع تكثيف الكثير من المشاهد لصالح الوقت الذى طال واستطال لمدة ثلاث ساعات.
لكن فى المقابل وبعيدًا عن عدم استغلال طاقات الممثلين قدم المخرج محمد مرسى عرضًا بسيطًا ممتعًا ومسليًا للأسرة غير مبتذل حاول فيه الخروج من فخ السمعة السيئة التى قد تلاحق هذه النوعية من العروض والتى يعتبرها البعض أشبه بمسرح القطاع الخاص الإستهلاكى، العرض ديكور وملابس وائل عبد الله موسيقى والحان كريم عرفة، تصميم إضاءة إبراهيم الفرن، تصميم استعراضات محمد ميزو.