الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

هل نسعد بخطاب دعوى جديد؟

هل نسعد بخطاب دعوى جديد؟
هل نسعد بخطاب دعوى جديد؟




كتب: د. ناجح إبراهيم

إن دعاة اليوم يحتاجون إلى خطاب دعوى إسلامى جديد يبشر ولا ينفر، يُرغّب أكثر مما ينذر، يحبب الناس فى الدين ويقربهم إليه ولا يباعدهم عنه، يعين الإنسان على شيطانه ولا يعين الشياطين عليه.
نريد خطاباً يجمع بين النص الشرعى والواقع العملي، جمعا لا يخل أحدهما، يهتم بالنص الشرعى ولا يهمله تحت ضغط الواقع الأليم البائس، ولا يهمل فى نفس الوقت الواقع الذى تحياه مجتمعاتنا ويحياه شعبنا، فالنصوص الشرعية جاءت لإصلاح الواقع، وكل الأنبياء تفاعلوا تفاعلًا إيجابيًا مع قضايا مجتمعاتهم.
نريد «خطاب التواضع»، فكل خطاب دعوى أو إسلامى خلا من التواضع أو اتصف بالغرور أو الكبر أو الشموخ أو الاستعلاء على الناس فمحكوم عليه بالفشل الذريع، وهل يكون هناك دين أو إسلام بلا تواضع أو خفض للجناح أو افتقار إلى الله وتذلل له وانكسار لجنابه وتواضع لخلق الله، فالأنبياء جاءوا جميعًا للتواضع، وزرعوا التواضع فى القلوب وربوا الناس على التواضع، فمن افتقد التواضع فلن يكون له نصيب من خير هذه الدعوة المباركة، ولا من خير صاحب هذه الدعوة وهو النبى الكريم صلى الله عليه وسلم.
نريد خطابًا «لا يكيل بمكيالين»، ولا يزن بميزانين.
نريد خطابًا «مقاصديًا» يهتم بالنص وكذلك مقاصده العليا وغاياته الكلية ويهتم بالنص وروحه، ويجمع بين الاهتمام بالظاهر والباطن، إنه خطاب للعقل والقلب والعاطفة والعقل.
نريد خطابًا يؤكد أننا «دعاة لا قضاة»، وأننا «دعاة لا بغاة»، وأننا «دعاة لا قساة»، وأننا نحب كل الناس، من أقبل علينا ومن أدبر عنا، وإننا جئنا بالحب للناس، ولم نأت يومًا بزرع الكراهية.
نريد خطاب «الدعاة الذى يهدي» وليس خطاب «القضاة الذى يقضي» على الناس أو يحكم عليهم، فلن يسأل الله يوم القيامة أحدًا من المسلمين: كم كفرت من الناس أو فسقت؟ ولكنه سيسأل الجميع: كم هديت إلى الحق؟ كم بلغت من رسالات السماء؟ كم حببت الخلق فى الحق سبحانه؟
نريد خطابًا يصدر من القلب فيصل سريعًا إلى القلوب، ولا نريد ذلك الخطاب الميت الباهت الذى يخرج من اللسان أو من نفس باهتة أو قلب جامد لا ينبض بمحبة الإسلام فلا يجاوز هذا الخطاب الآذان ولا يصل إلى القلوب ولا تتشربه الأنفس.
نريد خطابًا يدور حول الشريعة ولا يدور حول مطامع الحكم، يفسر القرآن تفسيرًا يقربهم إلى ربهم أكثر مما يقربهم إلى كراسى السلطة.
نريد خطاب الداعية الذى يرنو إلى الشريعة ومصالحها أكثر من نظرته إلى رضا الناس حكامًا ومحكومين أو رضا مرؤسيه.
نريد خطابًا يقدم الفرض على النفل، وفرض العين على فرض الكفاية، وصلاح القلوب على إصلاح الظاهر، ومصالح الأوطان على مصالح الجماعات والأحزاب ويقدم الإيمان على بر الوالدين وبر الوالدين على فروض الكفايات.
نريد خطابًا لا يحول الخطأ إلى خطيئة ولا الخطيئة إلى الكفر، ولا الجهاد الصحيح على بر الوالدين، ولا يقدم الكم على الكيف، ولا يقدم التقليد على الاجتهاد.
نريد خطابًا ينحاز للأصل ويتصل بالعصر، لا يقدس العلماء والفقهاء ولا ينجسهم أو يبخسهم حقهم أو يغمطهم عطاءهم العظيم.
خطابًا لا يجحد الموروث وهو عظيم ولا يغلق أبواب الاجتهاد فى الوقت نفسه.
نريد خطابًا ييسر ولا يعسر ويجمع ولا يفرق، يطفئ الحرائق فى الأوطان والنفوس ولا يشعلها.
خطابًا عفّا رقيقًا مهذبًا لا يتفحش ولا يشتم ولا يسب ولا يتطاول على الآخرين.
نريد خطاب العدل مع كل أحد حتى مع خصومنا يستلهم قوله تعالى: «وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى».
نريد خطابًا يعفو ولا ينتقم ويصفح ولا يثأر، ولا يدعو ليل نهار للقصاص والانتقام، ومزيد من الدماء التى لا جدوى منها سوى خراب ودمار كل شيء.
هذا هو الخطاب الإسلامى والدعوى الذى أرجوه، فهل يمكن أن يوجد؟ وهل يسعدنا دعاة جدد بتطبيق بنود مثل هذا الخطاب؟ وهل تسعدنا الدعوة بعودتها إلى مثل هذا الخطاب الرائع أم ماذا؟