الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مؤسس أذربيجان الحديثة

مؤسس أذربيجان الحديثة
مؤسس أذربيجان الحديثة




كتب: أحمد عبده طرابيك

تظل حياة الدول والشعوب حافلة بصفحات تاريخية سطرها قادة حملوا على عاتقهم هموم أوطانهم وتحقيق آمال وطموحات شعوبهم، وتبقى تلك الصفحات محفورة فى ذاكرة الأمة، تتدارسها الأجيال ليستلهموا منها روح القيادة والتضحية من أجل الوطن فى الأوقات التى تحتاج فيها الأوطان لإعادة البناء وتحقيق السلام والرخاء الذى تشهده الأمم، فزعماء الأمة وبعيدا عن هالة التقديس والتعظيم، هم منارة تهتدى بها الأجيال وتحفيزهم على شحذ الهمم من أجل استمرار مسيرة الأوطان.
يعتبر «حيدر علييف» زعيم أذربيجان القومى رمزا من رموز التضيحة والنضال فى خدمة الوطن، حيث يظل اسمه محفورا فى ذاكرة أبناء ذلك البلد، فجمهورية أذربيجان الحديثة التى تأسست فى 28 مايو 1918، وكانت أول جمهورية ديمقراطية فى الشرق والعالم الإسلامي، مرت بالكثير من المحن والشدائد، نتيجة أطماع القوى الدولية المحيطة بها، لذلك لم تستمر تلك الدولة الوليدة أكثر من ثلاثة وعشرين شهرا، لتقضى القوات السوفيتية على أحلام شعب أذربيجان فى الاستقلال.
شغل «حيدر علييف» منصب الأمين الأول للجنة المركزية للحزب الشيوعى فى أذربيجان السوفيتية، وعضوا بالمكتب السياسى فى اللجنة المركزية للحزب الشيوعى السوفييتي، ونائبًا أول لرئيس مجلس الوزراء للاتحاد السوفييتى فى موسكو، ولكنه استقال من جميع مناصبه بعد أن أصبح معارضًا للسياسة التى يقودها المكتب السياسى للجنة المركزية للحزب الشيوعى السوفييتي، وعاد إلى مسقط رأسه بعد انهيار الاتحاد السوفيتى عام 1991، وكادت أذربيجان تنحدر إلى مستنقع من الفوضى والاضطرابات والتى كادت تنزلق البلاد خلالها إلى حرب أهلية، وما زاد من تفاقم الأوضاع احتلال أرمينيا لنحو خُمس مساحة البلاد «إقليم قره باغ الجبلية» وسبع أقاليم أخرى مجاورة.
 وسط كل تلك الأحوال التى تعيشها أذربيجان، خرج الشعب مطالبا «حيدر علييف» بقيادة البلاد فى تلك الفترة، والخروج بها من النفق المظلم، فتم انتخابه فى 3 أكتوبر 1993 رئيسا للبلاد، وعلى أثر ذلك عمل على توحيد البلاد واسترداد بعض الأراضى التى احتلتها أرمينيا، ولكنه نظرا للظروف الاقتصادية الصعبة، والظروف الدولية المحيطة لم يستطع أن يكمل تحرير بقية الأراضى المحتلة، فاضطر إلى توقيع اتفاقية لوقف إطلاق النار مع أرمينيا، وذهب بقضية بلاده إلى المحافل الدولية، فأصدر مجلس الأمن الدولى أربعة قرارات تقضى بضرورة انسحاب أرمينيا من أراضى أذربيجان المحتلة، ولكنها لم تطبق حتى الآن نظرا لحسابات ومصالح القوى الكبرى، ورافق ذلك تنظيم مؤسسات ومختلف قطاعات الدولة، وبدأ فى إعادة بناء الجيش، مسترشدا بمقولة الزعيم جمال عبد الناصر «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة»، وخاصة أن اتفاقية وقف إطلاق النار التى وقعتها أذربيجان مع أرمينيا اقتضتها ضرورة اقتصادية لجذب الاستثمارات الأجنبية وخاصة فى مجال التنقيب عن النفط، وإيجاد حلول للمشكلات الاجتماعية والبطالة التى تفشت فى البلاد.
آمن «حيدر علييف» بأهمية العلم والصناعة فى تقدم الشعوب، فاهتم ببناء المدارس والمعاهد العلمية مثل أكاديمية النفط، وأكاديمية العلوم بمعاهدها المتخصصة كمعهد التاريخ ومعهد الفنون، كما أقام علاقات قوية مع دول العالم المختلفة، وكان حريصا على أن يعرض مشكلة احتلال «قره باغ الجبلية» فى مختلف المحافل الدولية وأن يكسب تأييد دول العالم له، وأعاد بلاده إلى محيطها الإسلامى بعدما ظلت طوال الحقبة السوفيتية بعيدة عن تلك الدائرة التى ينتمى شعبه إليها، وبدأ التعاون المتبادل وبناء العلاقات الثقافية والسياسية والاقتصادية مع الدول الإسلامية.
رحل «حيدر علييف» فى 12 ديسمبر 2003، بعد أن وضع أذربيجان على طريق تحقيق الآمال فى الحرية والازدهار، فالإصلاحات الهائلة فى مختلف المجالات، والإدارة الحكيمة والسياسة الخارجية النشطة، قد جعلت من أذربيجان دولة اقليمية مهمة، وشريكا قويا موثوقا به فى العلاقات الدولية، فالقادة الذين يتفانون فى خدمة أوطانهم وينهضون بها، تظل أسماؤهم محفورة فى سجلات التاريخ. وفى تلك المرحلة المهمة من تاريخ مصر والعالم العربي، نتطلع إلى أن نستحضر ما قدمه قادة الأمة والعالم لأوطانهم، ونسير على هديهم من أجل تقدم وسلامة ورخاء بلادنا الحبيبة.
كاتب وباحث فى الشئون الآسيوية