الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

أولياءالرحمن فى رمضان






يحلو للدعاة، ولعامة المسلمين كافة أن يقولوا إن الدين يحُض على العلم ويُشَجِّعه، بينما دربهم العملى لا علم فيه ولا عمل، بل ولا حتى بحث فى كتاب الله، فإنك ما تكاد تسأل بعض أولئك الذين يقولون بتشجيع الدين للعلم عن دليله فى ذلك إلا وتجدهم ينبرون بالقول بآية وحديث، فأما الآية فيقولون ما قاله تعالى: {وقل رب زدنى علما}، وأما الحديث فيقولون لك إن رسول الله قال:{اطلبوا العلم ولو فى الصين}


إننى ما أكاد أسمع تلك الإجابة التى يزهو بها قائلها، وغالبا ما يكون من أصحاب الشهادات العلمية، إلا وأتيقن أنه لا يعلم من أمر نفسه شيئا، وأنه مسلم هامشى الديانة، ذلك لأن إجابته تدل على عدم اهتمامه بأوامر وتعاليم القرآن والوقوف عليها تحديدا.


التعقل فى القرآن يقودنا للبحث والعلم
 

 
 
إن واجب المسلم تجاه دينه أعمق من ذلك بكثير، إذ علينا أن نبحث فى كتاب الله، ونتدبر آياته، وننفعل ونتفاعل معها، لنحصل على معنى قوله تعالى: {.... وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً }الإسراء12؛ وقوله تعالى: {..... مَّا فَرَّطْنَا فِى الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ}الأنعام38؛ فهل فصَّل الله كل شيء فى كتابه حقا؟، وهل ذكر به أسس كل شىء؟، هذا ما يجب على المسلم أن يوقن به، ويقف عليه بتفصيلاته، لشحذ إيمانه بربه، وحتى يفخر بكتابه على حق وبيان.
 
ولا يجب أن يكون يقين المسلم يقينا إجماليا وتسليميا لا برهان له فيه، لكن مسلم هذا الزمان عليه أن يوقن تفصيلا وذلك لما حباه الله به من العلوم والعقل، لذلك فلا بد أن نقف على تفصيلات حث القرآن المسلمين على طلب العلم، والواجبات التى ألقاها على عاتقهم فى هذا الصدد.
 
 إننا إن فعلنا ذلك فى كل العناوين البراقة التى نحملها فى جعبتنا الإيمانية لأصابنا اليقين الذى لا ننفلت بعده أبدا عن منهاج الله، ولعلمنا قدر الله، لكننا مسلمون هامشيون، نأخذ الدين جملة، ونؤمن جملة، ونهتدى جملة، ولا نعرف خطوات وتفصيلات أى أمر من أمور الدين إلا الصلاة، فأغلبنا يعلم تفصيلات أركانها وواجباتها وسننها، إنك كى تكون من المخلصين أو المتقين لابد لك من الوقوف على تفصيلات كل شيء أمر به الله، حتى تصل إلى رضوانه، فتلكم المجاهدة.
 
وبمراجعة تفصيلات أمر العلم سينتهى أناس كثيرون عن تعظيم العلم الشرعى على باقى العلوم، نعم إنه علم شريف، لكنه وحده لا تنمو به الحياة، فأحيانا يكون احتياج الناس لعلم الطب أهم من احتياجها لعلم فقه السيرة مثلا، وذلك حين يعظُم الخطب ويندلع طاعون بالمدينة، فيكون للطب والطبيب ميزان أرجح.


لذلك فقد حض القرآن على طلب العلم، وسوف أتناول ببعض الجهد ذلك الأمر لأبين كيف فصل الله ذلك بكتابه العزيز:


أولا: الدعوة إلى الاعتبار بكل ما حولك واستعمال العقل
 
فى البداية لابد أن يعلم المسلم أن الله ميز أصحاب العقول وأهل التعقل والتفكر، بل أراد منا جميعا التفكر والتدبر، وهى دعوة دعاها القرآن كى يكون المسلم يقظا وفى حالة تفكر دائم، وذلك من قوله تعالى: {.... كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} البقرة219و266.
 
وفى سور أخرى مثل الأعراف 176 والنحل44 والحشر21 قال تعالى: {.... لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.
 
وقيلت {... لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} ثمانى مرات بالبقرة73و242 والأنعام151 ويوسف2 والنور61 وغافر67 والزخرف3 والحديد17.
 
وقال: {... أُوْلُواْ الأَلْبَابِ } أى أولو العقول سبع مرات.
 
وقال {أُولِيْ الأَلْبَابِ} تسع مرات، وقال كلمة يتفكرون إحدى عشرة مرة، وقال كلمة {يتفكروا} مرتين. كما ذكرت كلمة العقل والتعقل فى القرآن 49 مرة.
 
ذكرت ذلك حتى يعلم المسلم أهمية التعقل والتفكر، وأن العواطف يجب تهذيبها لتكون تبعا لنتائج ذلك التفكر، وليس العكس كما يحدث بأيامنا هذه، وسننتقل لنعلم تفصيلات حث القرآن المسلمين على التدبر، والوقوف على تفصيلات كل شيء.


ثانيا: دعوة إلى دراسة علم الأحياء
 
لقد حث الله الناس على دراسة علم الأحياء، سواء أكانت أحياء مائية، أو بشرية، أو حيوانية، أو حشرات، بما يعنى ان المسلم حين يُنَفِّذ تلك الدراسة إنما يقوم بعبادة الله بتنفيذ ما أمر الله به، وهو أمر ينسحب إلى كل من يدرسون ويتعمقون بالعلوم التجريبية أو الأدبية.
 
1ـ فيقول تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِى الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}العنكبوت20؛ ومن أهم ما يجب على المسلم ملاحظته فى هذه الآية أن الله يطلب منا دراسة علم الحفريات حتى نصل لحقيقة {كيف بدأ الخلق}، وذلك رغم أننا لم نشاهد ولم نحضر بدأ الخلق بما يعنى أنه سبحانه يحثنا على الدراسة والبحث فى ذلك العلم.
 
2ـ يقول تعالى: {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ{5} خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ{6} يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ{7} الطارق؛ فهل نظر أحدنا لطبيعة وأصل خِلْقَتِه؟ ومم خُلِق؟، وما سر التباين بين خلق كل الدواب من ماء، فى قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِى عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}النور45؛ وبين خلق الإنسان من سلالة من طين، أليس الإنسان من الدواب، أسئلة يجب أن نجيب عنها من خلال مراكزنا البحثية، بدلا من الاعتماد على الأجندة الغربية فى العلم والعمل.
 
3ـ ويقول تعالى فى سورة الغاشية: {أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ}الغاشية17.


ثالثا: دعوة إلى دراسة علم النبات
 
يقول تعالى فى سورة عبس: {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ{24} أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً{25} ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً{26} فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً{27} وَعِنَباً وَقَضْباً{28} وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً{29} وَحَدَائِقَ غُلْباً{30} وَفَاكِهَةً وَأَبّاً{31} مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ{32}؛ فهل تأمل أحدنا طعامه وطريقة استخراجه من الأرض؟.
 
رابعا: دعوة إلى دراسة الظواهر الطبيعية وتعلُّم الحساب وقياس الزمن
 
1ـ يقول تعالى: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً}الإسراء12.
 
2ـ يقول تعالى: {أَوَلَمْ يَنظُرُواْ فِى مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ}الأعراف185.
 
3ـ يقول تعالى: {أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ}ق6.
 
4ـ يقول تعالى: { أَفَلَا يَنظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ{17} وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَتْ{18} وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَتْ{19} وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ{20}الغاشية.
 
فمن منا نفَّذَ أمر الله بالتأمل فى السماوات والأرض، ولازالت هناك دول لا تقوم بحساب أوائل الأشهر من خلال الدورة القمرية ويفضلون حسابها بالعين المجردة، ... إننا نحقق ابتعادا متعمدا عن تعاليم الله.
 
خامسا: دعوة إلى دراسة علم الفلك
 
1ـ يقول تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ }الواقعة75.
 
2ـ يقول تعالى بسورة يس: {وَآيَةٌ لَّهُمْ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ{37} وَالشَّمْسُ تَجْرِى لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ{38} وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ{39} لَا الشَّمْسُ يَنبَغِى لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِى فَلَكٍ يَسْبَحُونَ{40}.


سادسا: دعوة إلى دراسة علم الجغرافيا والجيولوجيا
 
1ـ يقول تعالى: { أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَاداً{6} وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً{7} النبأ.
 
2ـ يقول تعالى: {26} أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا{27} رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا{28} وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا{29} وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا{30} أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا{31} وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا{32} مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ{33}  النازعات.
 
3ـ يقول تعالى: {إِنَّ فِى خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِى تَجْرِى فِى الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}البقرة164.
 
4ـ يقول تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِى الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }الحديد17.
 
5ـ يقول تعالى: {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِىَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ}سبأ18.
 
سابعا: دعوة إلى محو الأمية
 
1ـ يقول تعالى: {...... وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْماً }طه
114
2ـ يقول تعالى: { ....... قُلْ هَلْ يَسْتَوِى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ}الزمر9.
 
3ـ يقول تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ }العلق1. فحين يستحث الله الناس على القراءة بقوله الأمر الأول {اقرأ} فلابد أن يعلم كل منا القراءة، وحينما ينصحنا المولى تبارك وتعالى بالدعاء لأن يزيدنا من العلم، فلابد أن يكون أول ذلك علم الكتابة، وهكذا يجب أن نتدبر كتاب الله.


ثامنا: دعوة إلى دراسة حركة الرياح
 
يقول تعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ}سبأ12؛ فهل بحث أحدنا فى موضوع أن حركة الرياح تستغرق مدة زمنية مقدارها شهر؟.


تاسعا: دعوة إلى دراسة علم الصيدلة من الطبيعة
 
يقول تعالى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِى مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ{68} ثُمَّ كُلِى مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِى سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ{69}  النحل.
 
عاشرا: دعوة لدراسة التاريخ
 
1ـ يقول تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِى الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ}آل عمران137؛ ويقول تعالى: {قُلْ سِيرُواْ فِى الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}الأنعام11.
 
2ـ ويقول تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِى الأَرْضِ فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَواْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}يوسف109.


خـاتمة
 وبعد فإن ما سبق كان قليلا من كثير، غمرتنا به العناية الإلهية عن ضرورة الدراسة والعلم والبحث فى العلوم التجريبية والأدبية، عبر كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وضرورة التفكر والاعتبار، فليس العلم حكرا على أحد دون أحد، أو فئة دون فئة، بل إن الله امتن على داود عليه السلام بأن علَّمَهُ علم صناعة الدروع الواقية، فقال: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ}الأنبياء80.
 
والذى كان عنده علم من الكتاب، استطاع أن ينقل عرش بلقيس ملكة سبأ من اليمن إلى الشام بطرفة عين، حيث يقول تعالى: {قَالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّى لِيَبْلُوَنِى أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّى غَنِيٌّ كَرِيمٌ}النمل40.
 
فبالعلم يمكنا التزود بالإيمان فى كل لحظة، وبه نصنع حاضرا رغدا، وفيه طاعة الله، وبه نستطيع أن ندعو إلى الله على بصيرة، وبه نصل إلى أن نعلم مقدارًا من قَدْرِ الله يسمح ببقاء التقوى فى نفوسنا.
 
أما أولئك الذين يتشيعون للعلوم الشرعية فقط، والذين يتشيعون للجهد العلمى للسابقين فقط، ويرون السلفية والدين تقليدًا أعمى عقولهم أن ترى نور الله على العصر الذى يعيشونه فأولئك الذين طمست الرِّدَةَ الثقافية على عقولهم، فعاشوا الحاضر بمقاييس الماضى وما كان يفعله أهل الماضي.
 
وبالعلم تقوى الأمة وتنهض حضاريا، وهو ما يمكن أن نُزيل به كبوتنا الحالية، وتعود لنا الصدارة المفقودة، وأرض فلسطين السليبة، وننهل من رضوان الله لطاعتنا إياه باتخاذ طريق العلم والعقل منهاجا حياتيا لشباب الأمة وأطفالها.
 
ولابد للمسلم من ترك ما دأب عليه من استمرار الحفظ أو التلاوة بلا تعقل ولا تدبر، فلابد أن يجمع بين الحسنيين، وأن نتعاون لتنفيذ ما بكتاب الله، ولنعلم الفرق بين قراءة القرءان، وتلاوة القرآن، فلربما كان إدراكنا لفوارق المعانى يخرجنا مما نحن فيه من بعض العلوم غير النافعة، كالترادف بالقرآن وغيره، وليكن عصرنا بداية للتخلص من بعض الموروثات التى أنهكت مسيرتنا وقيمتنا بين الأمم.