الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

صبحى موسى: كتابتى للرواية سباحة فى بحر لا أرى له شطآن

صبحى موسى: كتابتى للرواية سباحة فى بحر لا أرى له شطآن
صبحى موسى: كتابتى للرواية سباحة فى بحر لا أرى له شطآن




حوار – خالد بيومى
صبحى موسى هو الشاعر الذى تحول إلى الرواية ليصبح فى غضون سنوات قليلة واحداً من أهم الأسماء الروائية فى مصر، وذلك من خلال إنتاجه خمسة أعمال روائية هى «صمت الكهنة، حمامة بيضاء، المؤلف، رجل الثلاثاء، الموريسكى الأخير»، حصل على جائزة أفضل عمل روائى فى معرض القاهرة الدولى للكتاب فى يناير 2014 عن روايته «أساطير رجل الثلاثاء»، كما حصل فى نفس العام على منحة من الصندوق العربى للثقافة والفنون لكتابة رواية جديدة فكانت «الموريسكى الأخير»، ولمعرفة الكثير من التفاصيل عن روايته ومشروعه الروائى الذى اتسم برؤية تاريخية منذ بدايته حتى الآن، كان هذا الحوار:

■ ما الذى دعاك لكتابة «رواية الموريسكى الأخير»؟
- منذ فترة طويلة وأنا أفكر فى الكتابة عن تاريخ المغرب العربى، وعن المأساة التى تعرض لها الموريسكيون، محاولاً تحليل الأمر ومعرفة الأسباب التى أدت إلى ذلك، وحين جاءت الثورة المصرية وتزايد صعود التيارات الإسلامية فى الشارع بدأ القلق ينتابنى من وصولهم للحكم، وكنت فى ذلك التوقيت مسئولاً عن النشر فى قصور الثقافة، وشاءت الأقدار أن يصل الإخوان للحكم، وأن أترك منصبى فى النشر، وتقوم صديقة كريمة بإرسال رابط منحة لصندوق العربى للثقافة والفنون لكتابة رواية، وأخذت تقنعنى بالأمر حتى كتبت نحو مائة وخمسين كلمة عن فكرة الرواية، وفوجئت بموافقتهم لأجد نفسى أمام الحلم وقد تحول إلى واقع وعلى كتابته بالفعل، من هنا كتبت الموريسكى الأخير.
■ الرواية لعبت على تيمة الزمن عبر خطين أحدهما قديم والآخر حديث، فلماذا؟
- كنت منشغلاً بتقديم المتاهة التى دخلها الموريسكيون عقب تهجيرهم من بلادهم فى القرن السابع عشر، ومن ثم لعبت على زمنين، لكل منهما حاضر وماضى وماضى تام، كان الأول هو الزمن الحديث حيث مراد يوسف حبيب أو الموريسكى الأخير وجدته وابنة عمته راشيل وأحداث الثورة المصرية، وهذا الخط له ماضى يتمثل فى بناء بيت الموريسكى وصراع الموريسكيين فيه وخروجهم منه، وله ماض تام يتمثل فى مجيء جدهم رزق الله إلى مصر، ووقف جدهم عطية الله الملتزم مائة وخمسين فداناً على الموريسكيين ورواق المغاربة بالأزهر، وحصول جدهم حبيب الله على جفلك من محمد على قدره مائتى فدان، وبنائه بيت الموريسكى فى شارع سليمان باشا، أما خط الزمن القديم فتمثل حاضره فى يوميات ثورة البشرات التى رصدها محمد بن عبد الله بن جهور فى كتابه، بينما ماضيه يتمثل فى ثورة البيازين وسقوط غرناطة وما حدث من تنصير قسرى للمسلمين ومطاردة لهم من قبل محاكم التفتيش، أما الماضى التام فيتمثل فى سقوط الخلافة فى قرطبة ودخول الأندلس فى عصر ملوك الطوائف، هذه هى المتاهة التى أردت إبرازها للقارئ كى يعرف ما الذى جرى للموريسكيين سواء فى الأندلس أو على الشاطئ الجنوبى للمتوسط، وكيف اتهموا فى دينهم هناك، واتهموا فى دينهم هنا، فصاروا غير منتمين لا إلى هناك ولا إلى هنا، وعاشوا هنا يحلمون بالعودة إلى هناك حتى الآن، لكن أسبانيا التى قررت منح الموريسكيين اليهود حق العودة إليها لم تمنح الموريسكيين المسلمين حتى الآن هذا الحق، ولا تريد، لا لشيء سوى أنهم فقراء، وهى لا تريد أن تتحمل عبء الاعتذار لهم أو تعويضهم.
■ ما الذى أردته من ربط قضية الموريسكيين بالثورة المصرية الجديدة؟
- مأساة الموريسكيين حدثت بعد أن سيطر الأسبان على الحكم فى الأندلس، ومن ثم قرروا فرض المسيحية الكاثوليكية قسراً على كل من فى الأندلس، سواء مسلمين أو يهود، وأطلقوا يد محاكم التفتيش فى ملاحقة وتعذيب ونهب وقتل كل من تشك فى عدم إخلاصه للمسيحية، فاش الموريسكيون ما يزيد عن قرن من الزمان تحت نير التعذيب والمطاردة والقتل والتهجير، وفشلت كل ثوراتهم فى استعادة الملك، وانتهى الأمر بتهجيرهم قسراً من بلادهم ليعيشوا غرباً فى بلاد غيرهم، أما الثورة المصرية فقد قمت لإسقاط نظام الحكم، وإنهاء الفساد والركود والبطالة، لكن كانت النتيجة أنها أيضاً أتت بجماعات أصولية أرادت أن تفرض رؤيتها للدين على الجميع، ومن ثم فالحكم باسم الدين كان الرابط بين الموريسكيين والثورة المصرية، وفى الأندلس كانت النتيجة مأساة كبرى مازال أصحابها يعيشونها حتى الآن، ومن ثم كان حفيدهم مراد يوسف حبيب يصرخ فى ابنة عمته بأن الحكم على أساس دينى يعنى نهاية كل شيء، كانت المقارنة بين ما حدث فى الأندلس وما قد يحدث فى مصر والبلدان العربية التى تنتشر فيها داعش وجيش النصرة وغيرها، وكان الخوف من وصول هؤلاء إلى الحكم، لأن المواطنة على أساس الدين لا تجلب سوى الدمار للجميع.
■ فى رجل الثلاثاء رصدت صعود تيارات الإسلام السياسى حتى تجلت فى تكوينها الأخير وهو «القاعدة» فهل يمكن اعتبار الموريسكى الأخير تكملة لرصد صعود الإسلاميين ووصولهم إلى الحكم؟
- بشكل ما يمكن اعتبارها هكذا، وإن كنت لم أقصد ذلك، فقد سعيت فى رجل الثلاثاء إلى فهم منطق الإسلاميين فى الحركة والفكر، ومن ثم كنت أعود دائماً إلى الأصول التى كانوا يتكئون عليها فى فتاواهم، وبدرجة ما استطعت رصدهم كأنس مرضى بإعادة إنتاج التاريخ، فى الموريسكى الأخير لم أكن معنياً بمتابعة صعودهم، بقدر ما كنت راغباً فى التحذير مما قد ينتجوه من مآس ومجازر ومذابح وأهوال باسم الله، وربطت ذلك بما يراد للمنطقة من تهجير وتقسيم، وكما ربطت بين القضية الفلسطينية وإمكانية استغلالها من قبل اليهود والأسبان عبر مقاصة مع وقف الموريسكيين، وأنا الآن أتأمل الرواية متسائلاً مثلك بتشكك إن كنت أردت بالفعل أن أقدم الجزء الثانى من تتبع جماعات الإسلام السياسى أم أنها جاءت مصادفة، وهل يمكن للمصادفة أن تخلق إجابة على فرضية ماذا على الظواهرى بعد توليه قيادة القاعدة أن يفعل ليصل إلى الحكم، وهل مات بن لادن بعد أن انتهى دوره القديم ليصل البطل الجديد على جثته إلى منصات الحكم فى البلدان العربية.
■ فى روايتك «صمت الكهنة» تتبعت العلاقة بين المصريين القدماء فى العصور الفرعونية وبين المصريين المحدثين فى عصرنا الرهن، فهل يمكن القول أن لديك مشروعًا روائيًا تاريخي؟
- لا أعرف، لكننى أكتب ما أسعى إلى فهمه، وربما سيطرت على دراستى لعلم الاجتماع والانثربولوجيا، فدائماً ما أجدنى أفكر فى أصل الظواهر التى أراها، وأعود بذهنى إلى التاريخ القديم، لأتصور منطق الحياة فى ذلك الوقت وفقاً لما أعثر عليه من مراجع، حينها يمكننى أن اشرع فى كتابة عملي، تماماً كما حدث فى صمت الكهنة حيث مسعد أبو النور المريض برؤية المدينة التاريخية التى أسفل قريته، وهى مدينة أشمون القديمة التى بناها الأشمونن لتكون مركزاً جديداً لهم، لكن كهنة أمون بجيشهم انتصروا عليهم، واندثرت حضارتهم، فبقيت المدينة على حالها أسفل طبقات من الطمى الذى طمرها، فى هذه الرواية كنت أفكر فى الأسباب التى تدعو المصريين اجتماعياً للتصرف بشكل معين دون سبب معلن لذلك، فى هذه الرواية كنت معنياً بفهم ثقافة المصريين وسبب صمتهم على الجوع والقهر والمرض وعدم ثورتهم، وفى حمامة بيضاء كنت أتساءل عن عالم المثقفين ولماذا يبدون غير ما يعلنون، لماذا ينتشر الكذب والخداع ويصبح سمة أساسية فى مجتمع النخبة، بينما تتبعت فى رجل الثلاثاء المنطق الذى يحكم المتدينين فى التعامل مع العالم، وفى الموريسكى الأخير كما ترى كنت منشغلاً بمعرفة ما الذى يحدث لو سيطر على الحكم الإسلاميون، وماذا لو لم تنته تجربتهم فى مصر سريعاً، ربما كان هذا مشروعاً تاريخياً فى كتابة الرواية، لكنه على كل من وجهة نظرى مجرد سباحة فى بحر حتى الآن لا أرى شطآن له.