السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«الحكومة» و«الباعة الجائلون».. صراع «القط والفار»

«الحكومة» و«الباعة الجائلون».. صراع «القط والفار»
«الحكومة» و«الباعة الجائلون».. صراع «القط والفار»




تحقيق - نهى عابدين وعلياء أبوشهبة
بين التعاطف مع الباحثين عن الرزق الحلال، والتذمر من الفوضى وإشغال الطريق العام، وفى المقابل إقبال المستهلك عليها لكونها طوق النجاة من ارتفاع الأسعار وقربهم من أماكن مرور الزبائن، ومع تكرار فشل محاولات إزالة الأسواق العشوائية التى لا تكاد تٌزال حتى تعود لنشاطها بعد إزالتها بأيام أو أسابيع قليلة يبقى الحال على ما هو عليه.

وفقا للتقديرات العددية التى أعلنها عدد من المراكز الاقتصادية المستقلة والرابطة العامة للباعة الجائلين تقدر أعداد الباعة الجائلين بما يقرب من 5 ملايين بائع موزعين على 1099 سوقاً غير رسمية وفقاً لحصر وزارة التطوير الحضارى والعشوائيات، وهو ما يعنى أننا أمام اقتصاد ضخم يتنامى يوما بعد الآخر مع زيادة البطالة وإغلاق المشاريع التجارية أبوابها.
«روزاليوسف» رصدت ظاهرة الأسواق العشوائية فى مناطق سعد زغلول وحلوان والحى العاشر وفى الشوارع المتفرعة من شارع صلاح سالم، السمة المشتركة بينها أن غالبية المناطق المزدحمة والقريبة من المصالح الحكومية على وجه خاص، تشهد إقامة أسواق عشوائية تصعب إزالتها.
سوق سعد زغلول
بدأت الجولة بالسوق الملاصقة لمحطة مترو أنفاق سعد زغلول، الواقعة فى شارع ضريح سعد زغلول، الموازى لشارع القصر العيني، والمحاط بعدد كبير من المصالح الحكومية، وأكثر ما يميز السوق بيع الخضروات سابقة التجهيز وغيرها من السلع التى تناسب المرأة العاملة.
«روزاليوسف» تتبعت محاولات إزالة السوق، كلما حلت شرطة المرافق لإزالة السوق وكان آخرها فى شهر مارس الماضي، بعدها بأيام قليلة عاد الباعة للسوق.
تضطر «أم محمد»، بائعة الخضروات أمام محطة مترو سعد زغلول، إلى إخفاء الخضروات فى مدخل إحدى العمارات المجاورة لـ«فرشتها» فى حال تواجد حملة لشرطة المرافق. وهو ما يتكرر حدوثه وآخرها منذ أسبوعين تقريبا.
تقول «أعمل فى هذه المنطقة منذ 30 عاماً، والبيع فى السوق هو مصدر رزقى الوحيد نظرا لتواجد العديد من المصالح الحكومية لذلك أعود بعد إزالة السوق رغم أن عملى على (كف عفريت)».
لا تعارض بائعة الخضروات الستينية إقامة سوق منظمة للباعة تنظم وجودهم، رافضة نقل السوق إلى منطقة بعيدة، لأن الموظفين لن يتكبدوا مصروفات الانتقال إلى سوق بعيدة عن مكان عملهم، وقالت: «يكفينا ما نتحمله من معاناة سواء فى البرد القارس أو الحر الشديد».
فى المقابل قالت إحدى الموظفات المترددة على السوق: «أنا متبعة سياسة التقشف منذ ثلاثة أعوام، بسبب الثانوية العامة، لذلك تجد ضالتها المفقودة فى السوق لانخفاض أسعارها ولأنها لا تتطلب ركوب مواصلات إضافية،حتى لو كانت الثمار ذابلة، وبينما كانت تحاول العثور على ثمار الجوافة الأقل فسادا فى الكومة الضخم، قالت إنها تعتبرها محاولة لمجاراة ارتفاع الأسعار، بما لا يؤثر على تحقيق هدفها الأسمى فى حياتها وهو تعليم أبنائها، «حتى لو جلسوا فى النهاية على الرصيف بدون عمل».
ميدان رمسيس
«لقمة عيش كريمة مش أحسن من السرقة»، هكذا بدأ إيهاب المصري، بائع ملابس، فى ميدان رمسيس حديثه إلى «روزاليوسف»، معربا عن تضرره من إزالة السوق ونقلها إلى منطقة الترجمان، موضحا أن نحو 1050 بائعا لم يحظ سوى نصفهم فقط على أماكن داخل السوق، مازال بائع الملابس الشاب يبحث عن حقه فى أن يتمكن من توفير الخبز لابنائه وزوجته»
حمدى عبدالمجيد، عامل محارة، قال لـ«روزاليوسف» إنه اعتاد شراء الملابس لأطفاله قبل السفر لأبنائه فى قنا من سوق رمسيس نظرا لتدنى أسعارها، مشيرا إلى أن عمله «أرزقي» يجعل دخله يكفيه بالكاد لذلك يبحث عن كل ما هو رخيص.
سوق العاشر عرض مستمر
حالة سوق الحى العاشر لا تختلف عما يحدث فى الأسواق الأخرى، تكررت محاولات إزالتها فى أعوام 2010 و2012 وآخر المحاولات كانت فى شهر أكتوبر عام 2014، لكن سرعان ما عاد إليها الباعة مرة أخرى، ضاربين بقرار الدكتور جلال السعيد، محافظ القاهرة عرض الحائط.
«عم حلمى»، بائع خضروات وفاكهة فى سوق العاشر، يعتبر الحكومة هى سبب الأزمة. والسبب هو توفر الكثير من الأراضى الخالية فى الحى العاشر والتى تصلح أن تكون بديلا للسوق، لكن قرارات إزالة السوق لا يصاحبها إيجاد بديل.
سوق محطة مترو حلوان
بمجرد الوصول لمحطة مترو حلوان يستقبلك زحام شديد، بسبب السوق التى امتلأت جوانبها بالباعة لجميع السلع الاستهلاكية بداية من الخضروات والفاكهة وحتى السمك واللحوم، والملابس والأدوات المكتبية، وذلك فى شوادر خشبية يكسوها القماش المهترئ بفعل أشعة الشمس والحرارة.
تتمثل أزمة إشغالات السوق فى صعوبة مرور السيارات، فضلا عن انتشار سائقى التوك توك، والتضرر من قيادتهم المتهورة.
«لا حياة لمن تنادى»، عبارة ذكرتها ناهد محمود، من ساكنى حلوان، وتحدثت لـ«روزاليوسف» عن الشكاوى المتكررة التى قدمها الأهالى لرئيس حى حلوان للمطالبة بإزالة السوق، وتساءلت: لماذا لا ينفذ القانون وتتم متابعة القرارات لضمان عدم عودة الباعة، وتتم إزالة تلك السوق التى يتضرر منها جميع المواطنين؟
تحت مظلة لا تكاد تكفيه شر حرارة الشمس، وقف حاملا معه شماعات لملابس نسائية، يجتهد فى عرضها وهو مستند إلى «فرشة» خالية، وقال أحد الباعة لـ«روزاليوسف» إنه يعمل فى السوق منذ أشهر قليلة، بعد تركه عمله فى أحد المقاهى ، لأنه كان مجهدا له، ولا يكاد يكفيه متطلبات أسرته الصغيرة.
نقابة الباعة تبحث عن تراخيص رسمية
من جانبه قال عبد الرحمن محمد، الأمين العام لنقابة الباعة الجائلين المستقلة بالقاهرة، إنه حتى الآن مرت عشرة شهور على وعود الحكومة بإنشاء مول فى أرض «وابور التلج» لباعة منطقة وسط البلد ولم يف المسئولون بذلك، وأشار إلى أنه تم تسكين باعة ميدان رمسيس فى منطقة أحمد حلمى فى نموذج إيجاره 1200 جنيه، ولم يستوعب سوى نصف عدد البائعين، ما وصفه عبدالرحمن أنه يعتبر عن أن الحكومة تستخدم منهجاً غير عادل فالغلابة فقط هم من يتعرضون للملاحقة القانونية. .
كما أشار إلى أن 70% من الباعة الجائلين حاصلين على مؤهلات عليا ومتوسطة ويلجأوا إلى افتراش الأرصفة بحثاً عن لقمة العيش ورغم ذلك تتم معاملتنا بشكل مهين والقبض علينا و وضعنا مع المجرمين وأبسط تهمة توجه لنا هى تهمة مقاومة السلطات ووجه رسالة إلى المسئولين أن الباعة الجائلين سيتحولون إلى بلطجية بعد أن تم قطع أرزاقهم فالمشكلة تتفاقم مع مرور الوقت فمحافظ القاهرة تنشغل بإزالة الأسواق العشوائية فحسب رغم أن هناك مواطنين معرضون للخطر فى المناطق العشوائية ولا يتم النظر لهم..
المشروعات الصغيرة مقابل العشوائية
دكتورة يمنى الحماقى، أستاذ الاقتصاد فى جامعة عين شمس، أكدت أن أزمة الأسواق العشوائية تتمثل فى خطورة السلع المعروضة بها، وإلى أى مدى تتفق مع معايير سلامة الجودة والغذاء، وأشارت إلى حالات لبيع السمك البلطى المستورد من الصين بأسعار منخفضة على أساس أنه سمك بلطى بلدى، ومن غير المعلوم مدى صلاحيته، لأنه من الصعب الرقابة على هذه الأسواق.
الجانب الإيجابى لتلك الأسواق من وجهة نظر الحماقى، أنها إحدى وسائل خفض الأسعار؛ لأنها توفر السلع وفقاً لاحتياجات المواطنين، ويضع البائع هامش ربح بسيط، ما يساعد فى التيسير على المواطن البسيط الحصول على السلعة بسعر أفضل من المحال التجارية.
وأوضحت أستاذ الاقتصاد فى جامعة عين شمس أن ما تحدثه هذه الأسواق من فوضى يعد مشكلة غاية فى التعقيد خاصة مع انتشارها بعد الثورة، و هى تظهر انعدام سيادة القانون، وعدم قدرة أجهزة الدولة على عودة الانضباط إلى الشارع المصري، وطرحت الحماقى حلاً للمشكلة يتمثل فى عودة عمل المحليات بشكل حقيقى لأنها الجهة المنوطة بذلك.
استكملت حديثها عن علاج المشكلة مؤكدة أهمية تكاتف جهود الجهاز الادارى بالدولة للوصول بالباعة إلى بر الأمان، ومساعداتهم بطريقة مستدامة، إلى جانب عدم اللجوء إلى حلول مؤقتة وغير مجدية، مثل ملاحقة الشرطة لهم، مؤكدة أهمية التخطيط وطرح مشروعات متناهية الصغر للباعة لمواجهة الفقر والبطالة والفوضى التى تصاحب تلك الأسواق.
حول الأزمة المستمرة بين الباعة الجائلين والحكومة، أكد دكتور شريف الجوهري، مدير الدعم الفنى والمسئول عن تطوير الأسواق العشوائية فى وزارة التطوير الحضارى والعشوائيات، أن الأسواق تعد فرص عمل للشباب خاصة بعد تضرر الكثير من المهن الحرة بعد الثورة مثل قطاع السياحة، ما اضطر البعض إلى شراء بضاعة، والبدء فى بيعها بالأسواق المنتشرة حول محطات المترو والمناطق المزدحمة بالمواطنين.
أوضح الجوهرى أن عدد الأسواق العشوائية وصل إلى 1099 سوقاً على مستوى الجمهورية، مشيرا إلى خطة وزارة التطوير الحضارى والعشوائيات بوضع خطة قومية لتطوير تلك الأسواق تشمل 90 سوقاً بتكلفة قدرها 200 مليون جنيه؛ بعد تحديد المشاكل الخاصة بالباعة، ومن ثم وضعت الخطوات التنفيذية، ويجرى العمل على تشغيل 11 سوقاً فى القاهرة وبورسعيد والجيزة وأسوان والإسماعيلية.
وأكد أهمية مراعاة أن تكون السوق فى نفس المكان وهى إحدى أولويات الخطة القومية لتطوير الأسواق العشوائية لاسيما إذا كانت السوق لا تؤثر على الحركة المرورية، وأشار الجوهرى إلى «سوق الكنيسة» فى الجيزة، والتى يجرى تطويرها دون نقلها.