الأحد 22 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

هكذا تكلم النخبوى

هكذا تكلم النخبوى
هكذا تكلم النخبوى




كتب: عاطف بشاى

بدأ النخبوى العتيد حديثه فى اللقاء التليفزيونى بكلمة «فى الواقع»، وصمت لحظة، ثم أعقبها بكلمة «فى الحقيقة» ثم صمت لحظة، ثم شرع فى التأكيد أنه الأصدق والأشرف، والأكثر نبلا وشجاعة وغورًا من كل «النخبويين» لا يناور ولا يخادع ولا يتلون ولا يبغى سوى وجه الحقيقة، ويستشهد بقول مأثور للشيخ الإمام «محمد عبده» هو: من عرف الحق عز عليه أن يراه مهضومًا، ثم صاح فى انفعال وحرارة: «لابد من التسامح مع «الإخوان» التسامح فضيلة، والمصالحة واجبة، الثورة لا يليق بها أن تنتقم وتتشفى، لا يجب أن تستبعد أحدًا، ولا تقصى تيارًا ولا تخاصم فصيلا سياسيًا له دوره وتأثيره وتاريخه المهم فى الحركة الوطنية، إذا كانوا قد خدعونا ووظفوا الدين لبناء دولة فاشية تروج للعنف والاستبداد فى مواجهة المصريين «الأعداء»، فلا يجب أن نستجيب لجهل أدعياء الوطنية والانتماء الذين يريدون استدعاء الدولة البوليسية للبطش بالإخوان، بدعوى أنهم ليسوا «مصريين»، وليسوا «وطنيين»، وجاءوا لغزو «مصر» بناء على وثيقة «خيرت الشاطر».
إنى حينما أتكلم عن «المصالحة» إنما أربطها بضوابط من آليات السلمية والدمج والاستيعاب وقبول الآخر، صحيح أن «الآخر» ليس «أنا»، ولكن فى نفس الوقت لا ينبغى علينا أن نكون مثل الفلاسفة الملحدين الذين يرفعون شعار، «إن الجحيم هو الآخرون»، لا يجب علينا إذًا أن نكون «طيور ظلام المرحلة»، على حد تعبير د. عمرو حمزاوى الزميل النخبوى الجهبذ أبقاه الله لنا ذخرًا ونبراسًا وقدوة، حيث نسهم كمثقفين ومفكرين بإسهامات رائعة فى الدفاع عن مبادئ الحرية والديمقراطية، بينما نتورط فى مواقف تتناقض مع هذه المبادئ، بل تمارس شوفينية الطرد والاستبعاد باتجاه آخرين سيظلون معنا فى الوطن، ولو اختلفنا معهم (الإخوان واليمين الديني)، ما همه كمان بيتقتلوا، مجرمين لكن بشر، مصاصو دماء لكن بنى آدمين برضه، سفاحون لكن مجاهدين، أعوذ بالله من انعدام الإنسانية، يا ساتر على التورط فى ازدواجية المعايير؟!
لا استقرار إذًا بدون مصالحة عادلة، اندماج الإخوان «الأفراد» فى العملية السياسية مطلوب، وكذلك السلفيون الأحباء بقيادة «حزب النور»، إنه حزب لطيف أليف، سمح، راق، حضاري، إن السلفيين قلوبهم بريئة كقلوب الأطفال، إنهم أحباب الله، لا تصدق أنهم أطاحوا برأس تمثال «طه حسين»، ونقبوا تمثال «أم كلثوم»، وأرادوا تفجير الأهرامات وأبو الهول وتكفير المجتمع واحتقار المرأة وتزويج القاصرات والترويج لجهاد المناكحة، إنه لهو أطفال وهزل مراهقين ليس أكثر، لابد من تواجدهم فى «المعادلة السياسية»، وبالمناسبة فإن مصطلح المعادلة السياسية من تأليفي، أنا أول من قلته، كما إننى أول من ناديت «بالتوافق الوطني، و«الاصطفاف».
ينهى «النخبوي» العتيد الحوار، ويسرع خارجًا من البلاتوه فى رشاقة وحيوية، يلهث خلفه صبى يحمل حقيبة جلدية منتفخة بالدولارات، ومجموعة من الكرافتات الأنيقة، يفتح الصبى الحقيبة ويستبدل له الكرافت، ويتناول المبلغ الذى يعطيه له مدير الإنتاج، ويضعه فى الحقيبة، ويهرول خلف «النخبوي»، إلى بلاتوه آخر.
يصرخ «النخبوي» وقد استقر فى مواجهة كاميرا فى قناة فضائية أخرى: إن الإخوان قتلة، مجرمون، عصابة إرهابية، تاريخهم دموي، ماضيهم تآمرى حقير، حاضرهم ملطخ بدماء الشهداء. مستقبلهم مظلم، لابد من إقصائهم، لا تسامح ولا تصالح مع تشكيل عصابي، ليسوا فصيلا سياسيًا، بل أعضاء منظمة إرهابية دولية، المصالحة خيانة للوطن، التسامح مع تفريط فى حق الشهداء، لا استقرار بدون إبعادهم تمامًا من المعادلة السياسية، فالدم والحوار لا يجتمعان، لا توافق وطنى تحت تهديد السيوف والمولوتوف والسحل وسفك الدماء، لا تصالح مع من يمارسون الإرهاب ضد الشعب، ويسعون لإشعال الحرب الأهلية، ويتآمرون ضد جيش مصر الوطنى ويرتكبون جريمة الخيانة العظمى بالاستقواء بدولة أجنبية للتدخل العسكرى لإعادة المعزول إلى الرئاسة، ألم يقم إخوانى قيادى بالإعلان من فوق منصة اعتصام «رابعة العدوية» بتبشير المجاهدين بتحرك بارجتين أمريكيتين فى اتجاه المياه الإقليمية المصرية، فصفقوا وتهللوا وكبروا فى نشوى وحبور.
أما السلفيون وحزبهم فهم الوجه الآخر للإرهاب الإخواني، إنهم يتبادلون الأدوار، ويتناوبون فى ارتداء الأقنعة، لم يشاركوا فى الثورة، ولما قهرت الملايين الإخوان أسرعوا ليظهروا فى المشهد ليجمعوا الغنائم ويرثوا من اغتصبوا السلطة وتاجروا بالدين، ونهبوا خزائن الدولة واستباحوا الدماء وأشعلوا الفتنة، وفرضوا ثقافة الحلال والحرام، وحاولوا تغيير هوية «مصر».
إن السلفيين الذين يطرحون أنفسهم كبديل للإخوان، إنما هم فى النهاية يخاصمون الدولة المدنية ويؤمنون إيمانًا راسخًا بالدولة الدينية، متخلفون، يجروننا إلى عصور سحيقة وإلى ردة حضارية، مصطلح الردة الحضارية من تأليفي، أنا أول من قلته، كما أننى أول من قلت «لا تصالح» وليس الشاعر الراحل «أمل دنقل»
ومن عرف الحق عز عليه أن يراه مهضومًا.