السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«روزاليوسف» ترصد: مصانع المواسير المسرطنة

«روزاليوسف» ترصد: مصانع المواسير المسرطنة
«روزاليوسف» ترصد: مصانع المواسير المسرطنة




تحقيق- مروة عمارة وإسلام عبدالكريم

 

تطالعنا وسائل الإعلام بشكل معتاد بأخبار تتعلق بانقطاع المياه بإحدى المناطق نتيجة تحطم مواسير المياه، او تتعلق بحدوث تسمم جماعى نتيجة تلوث المياه بإحدى القرى، ورغم تصريحات المسئولين أن تلك الشبكات حديثة الإنشاء وأنه ربما تحطمت المواسير نتيجة ضغط المياه او حدوث أعمال تطوير بأماكن شبكات المياه، إلا أن الأزمة الرئيسة وراء تلك المشكلة هى استخدام مواسير للمياه والصرف الصحى «مغشوشة» وغير مطابقة للمواطفات.

نجد فى مصر قرابة 500 مصنع معتمد لإنتاج مواسير مياه الشرب والصرف الصحى، طبقا لتصريحات نادر عبد الهادى، رئيس شعبة البلاستيك، وتنتج تلك المصانع المواسير من خامات «البولى أثيلين» أو «البولى بروبلين» أو «البى فى سى»، وبرغم هذا العدد من المصانع  إلا أن أعداد مصانع وورش «بير السلم» التى تعمل فى مجال تصنيع مواسير المياه والصرف الصحى بدون تراخيص تتعدى عشرة أضعاف المصانع الرسمية، وتقدم مواسير غير صالحة رخيصة الثمن بالمقارنة بالمواسير الأصلية، ومصنعة من خامات معاد تدويرها وضارة بالصحة، ويقبل المستهلك عليها دون وعى بأضرارها.
وحول كواليس وأسرار تلك الصناعة، يشرح أحمد عبدالله، صاحب مصنع مواسير معتمد، بقوله إن صناعة المواسير سواء لمياه الشرب أو الصرف الصحى تتطلب توافر بعض الخامات من «البولى أثيلين» عالى الكثافة أو «البولى بروبلين» وهو الأغلى سعراً والأفضل لوصلات المياه فوق الأرض، وكذلك مادة «البى فى سى» وهى الأرخص والأكثر استخداما ً وشيوعا، خاصة بعدما توقف استخدام خامات «الاسبستوس» و«الحديد» و«الأسمنت» فى مواسير المياه.

شروط التصنيع
وأوضح «عبدالله» أن المصنع المعتمد لابد وأن يكون لديه تصريح من هيئة التنمية الصناعية وسجل صناعى ورقم تسجيله يدوّن على المواسير، وتقوم هيئة «المواصفات والجودة» بسحب عينات من المواسير بعد تصنيعها وأثناء التصنيع ومن الخامات المستخدمة للتأكد من مطابقة المواسير للمواصفات القياسية المصرية والمواصفات العالمية الألمانية والأمريكية.
وأضاف أن مصنعه ينتج مواسير «البولى ايثيلين» من خامات «البولى إثيلين» عالى الكثافة النقى وبدون مادة «مالئة»، كما يحدث بالعديد من مصانع «بير السلم» التى تضيف «بيكربونات الصوديم» وبنسبة عالية تضر بالمواسير وتؤدى لتحطمها وتقصر عمرها الافتراضى، ويتم استيراد خامات «البولى إثيلين» من شركات ذات سمعة متميزة فى الإنتاج، وتكون تلك الخامات مصحوبة بكشف للمواصفات الفنية وكذلك الاختبارات التى تحدد الخواص الطبيعية والميكانيكية لتلك الخامات. وبعد ذلك تتم مراحل التصنيع داخل وحدات خاصة تبدأ بالتجفيف للتخلص من الرطوبة.
بعدها يتم الرفع لقوالب التشكيل وتشكيل الماسورة بالقطر والسمك المطلوبين، وعقب ذلك يتم تبريد الماسورة وإعطاؤها الاستدارة المطلوبة، ثم الدفع لوحدات الطباعة يتم فيها طباعة البيانات كاملة على الماسورة ثم تقطع المواسير لمقاسات مختلفة.
وتابع عبدالله: بأن عملية صناعة  المواسير لا تنتهى عند هذا الحد، فبالاضافة للرقابة التى تفرضها «الرقابة الصناعية» هناك معامل المصنع التى تقوم باختبار جودة المواد الخام وجودة المنتج من حيث قدرته على التمدد والشد وتحمل الضغط ودرجة الحرارة وتعيين نسبة الرطوبة والكثافة ودرجة المرونة، وتلك الاختبارات لا تعرف مصانع «بير السلم» شيئا عنها.

6 آلاف جنيه فرق السعر
ويضيف غالبية مصانع المواسير «المغشوشة» فى منطقة باسوس وشبرا الخيمة، ولا تحتاج لأماكن كبيرة، فهى عبارة عن شقق بالطابق السفلي، وماكينة لسحب المواسير، وماكينة طبع لتقليد شعارات الماركات الشهيرة، كما أنه لا توجد تأمينات للعمال أو معدات، ولا توجد رقابة على الخامات المستخدمة أثناء الصهر، ولهذا فإن سعر الطن من منتج المصنع من مواسير «البولى أثيلين» حوالى 12 ألف جنيه، فى حين أن المواسير المغشوشة سعر الطن لا يتعدى 6 آلاف جنيه».
وتابع: «أن مواسير البى فى سى سعرها يصل إلى 9 آلاف جنيه، بينما المصانع غير المعتمدة تبيعها بـ 5 آلاف جنيه فقط، وبالنسبة لمواسير البروبلين لا يتم تقليدها وسعر الطن حوالى 18 ألف جنيه».

 جولة داخل مصنع مواسير مغشوشة
 الوصول لمصنع مواسير داخل منطقة شبرا الخيمة أمر سهل، فالعديد من ورش المنطقة الصناعية تعمل على صناعة مواسير «البولى أثيلين» و«البى فى سى»، ولهذا أدعينا أننا نرغب الحصول على مواسير من أجل عقار سكنى جديد، فما كان من أحد العمال إلا واصطحبنا للداخل للتحدث مع مدير الورشة.
 مرسى عبد الهادى صاحب المصنع، أكد لنا أن الورشة تنتج الكميات المطلوبة وأن لديه جميع المستلزمات الأخري، كما أن هناك مواسير متواجدة بالمخزن المجاور للورشة وعرض محتوياته لتوثيق فكرة أنه معتمد والمنتجات مطابقة للمواصفات، ثم عاد مرة أخرى للمصنع حتى يؤكد لنا أن المواسير التى تصنع هى من مادة «البولى اثيلين» النقى وليس المعاد تدويره.
وحول سوق المواسير يتحدث نادر عبدالهادى، رئيس شعبة البلاستيك، بقوله: مؤخراً أصبح هناك اعتماد شبه كلى على المواسير المصنعة من البلاستيك سواء فى شبكات المياه أو الصرف بدلا من المواسير الصلبة أو الخرسانية، خاصة وأن البلاستيك  به صفات القوة، والمرونة، والصلابة، وخفة الوزن، ولا يتأثر بالأحماض والقلويات أو الزيوت أو الأملاح، كما لا يؤثر فى لون أو طعم أو رائحة الماء ولا تتفاعل معه، والسطح الداخلى للمواسير البلاستيك ناعم وأملس، ولذلك لا تتكون به أى رواسب بالإضافة إلى أنها خفيفة الوزن مقارنة بالمواسير المصنعة من الصلب والأسمنت.

غياب الرقابة الحكومية
وتابع: «أيضا تتميز المواسير البلاستيك بسهولة التركيب والنقل وتحمل الصدمات، كما تتميز بالمرونة وطول عمرها الافتراضى والذى يصل إلى 50 عاماً، ولكن الأزمة الأساسية فى الصناعة هى عمليات الغش التجاري، كاستخدام المادة المالئة وهى «بيكربونات الصوديوم»، والتى تؤدى لقصر عمر الماسورة، خاصة أنه لابد ألا تزيد نسبتها على 30 %، وزيادتها خطر على الصحة العامة، كما أن بعض المصنعين يقومون باستخدام «بولى أثيلين معاد التدوير، وهو ما يعنى حدوث أثر سلبى على المياه مما يغير فى لونها وطعمها خصائصها، ويقوم آخرون بتقليد الماركات المعروفة من خلال ماكينات طباعة تقلد العلامة التجارية الشهيرة وشعارات المصانع المعتمدة، وللأسف لا رقابة على تلك المصانع من إى جهة حكومية».

 انهيار البنية التحتية
 عبدالهادى يقول: «إن الأزمة الرئيسية التى تواجه أعمال البنية التحتية هى  مقاولى الباطن، الذين يتم التعاقد معهم من الباطن لتولى الأعمال بدلا من شركات المقاولات الكبرى، رغبة فى خفض التكاليف والربح الوفير، حيث يقومون بالاستعانة بمصانع مواسير غير معتمدة، بدلا من الاعتماد على الماركات المعروفة، وبالتالى لا يمر عام إلا ويحدث عطل أو كسر بمواسير الشبكة لأنها لم تتحمل الضغط أو درجات الحرارة أو التمدد، والحل  لتلك الازمة لابد من الاعتماد على مكاتب استشارية تراقب عمليات الإنشاء بالقطاع الحكومى والعام، تجنباً لإهدار المال العام وانهيار البنية التحتية».

آلية التأكد من المواسير
ويعقب دكتور أحمد نور الدين، الباحث بمركز بحوث البناء والاسكان، على انتشار المصانع غير المعتمدة لصناعة المواسير وخطورة ذلك على أعمال البنية التحتية قائلا ً «إنه من المفترض أن هناك مواصفات مصرية منبثقة من المواصفات الأمريكية والبريطانية لابد وان تتوافر خلال عملية تصنيع مواسير المياه والصرف وتتم الاستعانة بمركز بحوث البناء عند أعمال القطاع الحكومى للوقوف على مدى سلامة المواسير والتأكد بعد تحليلها بمعامل المركز من سلامتها للمياة والصرف».
 وعن مسئولية إنشاء وإحلال شبكات المياه والصرف الصحى فتتولاها «الشركة القابضة للمياه»، ويتم التعاقد مع شركات المقاولات الكبرى والمعتمدة لدى المكاتب الاستشارية ونقابة المهندسين، وفى هذا الاطار صرح العميد محيى الصرفى، المتحدث الرسمي،  بأن هناك سعيًا لإحلال وتجديد جميع الشبكات خاصة أن بعضها يعانى انتهاء العمرالافتراضى، فشبكة وصلات المياه على مستوى الجمهورية تصل لـ 146 ألف كيلو متر، وخطة الإحلال وتجديد شبكات المياه فى مصر كلها بنهاية عام 2037، وهناك مواسير «الاسبستوس» ببعض الأماكن ولكن جارى عمليات الاحلال والتجديد، وتباعا يتم السعى لتغييرها إحلالها بمواسير «بى فى سى».
وحول طرق التأكد من أعمال الانشاء، أوضح أن أعمال الإحلال تتم من خلال 25 شركة مقاولات كبيرة، وتتم الرقابة عليها وسحب عينات من المواسير وتحليها بمركز «بحوث الإسكان والبناء» للتأكد من جودتها ومطابقتها للمواصفات، ويتم تحليل المياه بها بعد تركيبها للتأكد من سلامة المياه. ونفى «الصرفى» عدم ملائمة مادة «البى فى سي» لمواسير المياه، والجدل الثائر حول كونها سبباً فى انتشار السرطان وأمراض الكلى والكبد، مشددا على صرامة الرقابة ولا تسمح بوجود مقاولين من الباطن يستخدمون مواسير غيرمطابقة بأعمال البنية التحتية.

خطورة المواسير
 وعن علاقة تلك الأمراض بمشاكل مواسير المياه، أفاد دكتور مجدى أبو ريانت، باحث المياه، أن تصنيع المواسير الخاصة بمياه الشرب والصرف الصحى من مادة «بى فى سي» البلاستيكية يشكل خطورة على صحة الإنسان وسلامة البيئة، وبالاخص خلال مراحل التصنيع بالمصنع، حينما يتعرض لها العمال فى المصانع عن طريق الاستنشاق أو ملامسة الجلد‏، وحرق مخلفاتها يؤدى لتصاعد مادة «الدايوكسين» المسببة للسرطان، وتكمن الخطورة فى أن الغالبية العظمى من مواسير مياه الشرب المستخدمة فى مصر وهى أيضا مسببة لأضرار بالجهاز التناسلى وأمراض جهاز المناعة، ولذلك ينبغى على الجهات المسئولة تحليل مياه الشرب المنقولة فى المواسير المصنوعة من «بى فى سى» لتقدير نسبة مادة «فى سى إم» المسرطنة  الموجودة بها‏، وهى أحد نواتج «بى فى سى».

 إحصائيات مهمة
نصف مليون حالة تسمم سنويا.. وسلسلة من الأمراض المزمنة وهنا علق دكتور محمود عمرو أستاذ الأمراض المهنية بالمركز القومى للسموم بطب القاهرة، أنه أعد دراسة له أوضح خلالها أن أكثر من نصف مليون مصرى يصابون بالتسمم سنوياً نتيجة تلوث مياه الشرب، كما أن خمسة آلاف يموتون ضحية المياه الملوثة كل عام.
أما دكتور حاتم عبدالله استشارى أمراض الباطنة، فأوضح أن المياه الملوثة التى تمر من خلال مواسير مغشوشة، قد تؤدى للإصابة  بأمراض الكوليرا والسالمونيلا وفيروس الالتهاب الكبدى الوبائى وشلل الأطفال وفيروسات مسببة للإسهال والنزلات المعوية والبلهارسيا، كما أن زيادة الكاديوم والزرنيخ والرصاص والزئبق بالماء  قد يؤدى إلى حدوث التسمم المعدني، فيسبب سرطان الكلى والمثانة وتكوين حصوات الكلى والحالبين، إضافة إلى النزلات المعوية الحادة، كما أن تلوث مياه الشرب قد يسبب تشوهات الأجنة والتخلف العقلى.

الرقابة على المصانع المسجلة فقط.. وغياب العقوبات الرادعة
لذا فيجب على الدولة بمؤسساتها فرض رقابتها على تلك المصانع التى توزع الأمراض على المواطنين فى منازلهم. ويوضح دكتور حسن عبد المجيد، رئيس هيئة الرقابة الصناعية، أنهم الجهة المختصة بالرقابة على مصانع المواسير، إلا أنه أشار إلى أن الهيئة تتولى الرقابة على المصانع المسجلة بهيئة التنمية الصناعية فقط، ولا علاقة لها بمصانع بير السلم التى تدخل فى نطاق رقابة مباحث التموين.
وتابع «يتم المرور على المصانع المسجلة، وسحب عينات منها للتأكد من مطابقتها للمواصفات المصرية (رقم 848 ن) وبعض المصانع الحاصلة على شهادة «الايزو» وتعمل بالمطابقة للمواصفات الالمانية (D1N8061;8062) والمواصفات الأمريكيــــــــــــــــــة(astm).
وتتولى مباحث التموين الرقابة  على ورش «بير السلم» من خلال فروعها بالمحافظات، وفى هذا الإطار صرح اللواء عبدالله مدحت، مدير المباحث، لـ«روزاليوسف» أنه خلال الشهور الماضية تم ضبط ثلاث مصانع لإنتاج المواسير البلاستيك، الأول مصنع بمحافظة القاهرة وغير مرخص وتم خلال الحملة ضبط 800 ماسورة و100 طن كسر بلاستيك ومعدات تصنيع، وتم تحرير المحضر رقم 2817، وبمحافظة القليوببة تم ضبط مصنع مواسير بدون ترخيص وبه 500 ماسورة منتج نهائى وتم تحرير محضر جنح قليوب رقم 7011، وداخل محافظة القليوبية أيضا ضبط مصنع به 38250 ماسورة منتج نهائى بدون بيانات وغير مطابقة للمواصفات ومقلدة لكبرى الشركات وتم ضبط المنتجات وإرسالها لإدارة العلامات التجارية للفحص، وتم تحرير محضر 5262 لعام 2015.
 لكن الرادع الحقيقى لتلك المصانع مازال مفقودا، وهى العقوبة الحازمة، وتابع «مدحت» أنه يتم توجيه تهمة الغش التجارى لتلك المصانع، وللأسف العقوبة غير كافية تجاه المخالفين، فتشمل غلق المنشأة طبقا لقانون الغش التجارى رقم 67 لسنة 2006 وفرض غرامة تتراوح بين 5 آلاف جنيه و100 ألف جنيه».