الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«التروفاتورى» عمل أوبرالى ضخم.. وحضور جماهيرى ضعيف

«التروفاتورى» عمل أوبرالى ضخم.. وحضور جماهيرى ضعيف
«التروفاتورى» عمل أوبرالى ضخم.. وحضور جماهيرى ضعيف




كتبت - هند سلامة
«لقد انتقمت لك يا أماه».. هكذا انهت البطلة جولى فيظي، أو «أزوتشينا» النهاية الصادمة وغير المتوقعة، لعرض أوبرا «التروفاتوري» للمؤلف الموسيقى جوزيبى فيردى، والذى كان من أفضل مشاهد العمل، حيث جمع بين الصدمة والمفاجأة وفرحة البطلة بلحظة الانتصار، التى كانت تنتظرها، طوال حياتها دون أن يعلم أحد، رغم أنها عاشت عمرا كاملا، أما محبة ومربية للطفل «مانريكو»، الذى خططت حتى تسببت فى إعدامه على يد أخيه، وبذلك تتوالى أحداث الأوبرا، التى قدمتها دار الأوبرا على المسرح الكبير أربعة أيام متواصلة، لأول مرة منذ 27 عاما للمخرج هشام الطلى، وتدور قصة العمل اثناء الحرب الأهلية بإسبانيا، خلال القرن الخامس عشر حول ابنى الكونت دى لونا، اللذين اختطفت الساحرة احدهما بعد ميلاده مباشرة، انتقاما من والده والذى يتهمها بالسحر لإيذائه فيأمر بحرقها، وهى توصى ابنتها بالانتقام لها، وبعد وصول الطفلين الى سن الشباب يتحولان الى عدوان يتنافسان، على قلب الجميلة «ليونورا» التى تكتشف حقيقتهما، وتحتفظ بالسر لنفسها الى ان يتقاتلا.
وبالرغم من أن العمل، يعد من أفضل الأعمال الأوبرالية التى قدمتها دار الأوبرا، حتى أنه تفوق على أوبرا عايدة لنفس المؤلف، إلا أنه للأسف لم يشهد العرض، زحاما جماهيريا كبيرا بل تضاءل عدد الجمهور بقاعة المسرح، وذلك رغم ضخامة العمل المسرحى الأوبرالى، الذى جمع بين متعة بصرية وموسيقية وغنائية حقيقية، قدمها نجوم فرقة أوبرا القاهرة، السوبرانو إيمان مصطفى، والتى لعبت شخصية «ليونورا» بالتبادل مع دراجنا راداكوفيتش، وجولى فيظى لعبت «ازوتشينا» بالتبادل مع هالة الشابورى، وانطونيو كوريانو «مانريكو» بالتبادل مع رجاء الدين أحمد، ومصطفى محمد «كونت دى لونا» بالتبادل مع فالنتينو سالفينى، ورضا الوكيل «فراندو» بالتبادل مع فرانو لوفى، وماريان مكرم «إينيز» بالتبادل مع مروة حسن، و«رويز» أسامة على بالتبادل مع مصطفى مدحت، و«غجري» عزت غانم، و«مرسال» أحمد سامى بالتبادل مع برهان الدين فاروق.
أوبرا التروفاتورى أو «التروبادور»، تعتبر من أهم وأشهر الأوبرات الإيطالية، التى ألفها فيردى فى المرحلة الوسطى من حياته الفنية، والتى ألف فيها أشهر أعماله، اهمها أوبرا «لاترافياتا»، و«ريجوليتو» و»الحفل التنكري»، وكلمة «التروبادور» هو مصطلح، أطلق على مجموعة من الفرسان، فى فرنسا بالعصور الوسطى، كانوا شعراء وفنانين يطوفون البلاد، ويتغنون بالحب العذرى، وكانت أغانيهم وأشعارهم نواة للموسيقى الدنيوية، التى انتشرت بعد ذلك فى جميع انحاء أوروبا، وقدمت الأوبرا لأول مرة فى روما عام 1853، وبالرغم من الصعوبات التقنية والمادية التى واجهت العرض الأول، إلا أنه حقق نجاحا جماهيريا كبيرا، حتى أنه تمت إعادة المشهد الأخير من العرض مرة أخرى، بناء على طلب الجماهير!!
بينما عندما تم تقديم نفس العمل اليوم، وبين أحضان مسرح دار الأوبرا المصرية، وبرغم استمتاع جمهور الحاضرين بالعرض الأوبرالى الاستثنائى، إلا أنه لم يحضر كما سبق وذكرنا سوى عدد ضئيل للغاية، فإذا كانت درا الأوبرا نجحت نوعا ما فى جذب الجمهور، لفريق باليه أوبرا القاهرة، والرقص المسرحى الحديث إلا أن الحاجز النفسى بين عروض الأوبرات العالمية، والجمهور لا يزال قائما، ولم يتغير حتى يومنا هذا، وبالتالى تضيع فرصة المشاهدة والاستمتاع بالأوبرات المهمة، على قطاع عريض من الجمهور بسبب السمعة السيئة، التى لا تزال فى ذهن الغالبية العظمى، عن فن الأوبرا على وجه التحديد !!
وهنا يجب أن نذكر تجربة هامة، قامت بها فرقة تياترو للمسرح المستقل، بـ«بلكونات» محافظات مصر، وهى تجربة غريبة وفريدة، لكنها كانت مفيدة، فى تعريف الناس بفن ظل سنوات طويلة، حكرا على صفوة الصفوة بالمجتمع المصرى، حيث قام فريق تياترو المستقل، بالتعاون مع مؤسسة محطات، بعمل معاينات مبدئية، لـ«بلكونات» ثلاث محافظات بالدلتا، كانت محافظات المنصورة ودمياط وبورسعيد، وفى حى المنيل بالقاهرة، ومن خلال هذه «البلكونات»، قدم أعضاء الفريق مقاطع غنائية من أوبرات عالمية، بشوارع شعبية، وقف أمامها رجل الشارع العادى مذهولا من شدة إعجابه واستغرابه، مما يرى ويسمع، ويؤكد مخرج هذه العروض، ورئيس الفريق عمر المعتز بالله، أن الناس كانت فى ذهول من أن العرض مجانا، ومن احساسهم بقوة وروعة ما يشاهدون، كان من أطرف التعليقات التى كنا نسمعها دائما «الأوبرا اللى مبنعرفش ندخلها فى مصر 100 جنيه اهى جت لحد عندنا وببلاش»، وتعليق أخر كان من أهم ما قيل لنا، من امرأة بسيطة سألت وهى تراقبنا متوارية من بعيد.. «احضر بكام».. «قولنا ببلاش» فقالت.. «طيب هروح البس حاجة حلوة واجاي»، ومن المفاجآت التى حدثت بهذه التجربة، أن أوبرا «كارمن» طلبت إعادتها اكثر من مرة أثناء عرضها بالشارع.
ويضيف: كنت أذهب قبل العرض لمعاينة «البلكونات»، وبعض الأهالى كانوا يسمحون لنا، بدخول منازلهم، والقيام بهذه التجربة، والبعض الأخر كان يعارض، لكن فى النهاية كانت تجربة مثيرة، اكتشفنا معها أن البسطاء، يستطيعون تذوق هذا الفن، لكنهم فى حاجة لمن يقدمه لهم، ونتمنى تعميم التجربة على محافظات مصر خاصة الصعيد.
لم تكن تجربة التفاعل والتلاحم الحى، مع الجمهور تجربة جديدة على دار الأوبرا، بينما سبق وقامت بها أثناء اعتصام وزارة الثقافة، بتقديم أرقى وأهم وأصعب فنونها بين الجمهور فى الشارع وهو الباليه، وقدم هانى حسن وقتها جزءا من «زوربا»، وكان من أمتع عروض هذا الباليه، وبالتالى من المهم أن تبحث دار الأوبرا مستقبلا، كيفية العمل على تنمية حاسة التذوق الجماهيرى لفنون الأوبرا، على اختلافها خاصة ما يتعلق بالأوبرات العالمية، لإزالة الحاجز النفسى المتراكم بين الغناء الأوبرالى، والطبقة الوسطى التى لا زالت تردد عنه.. «دول شوية ناس بتصرخ على المسرح»!