الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

القنوات الخاصة.. وما أدراك ما القنوات الخاصة

القنوات الخاصة.. وما أدراك ما القنوات الخاصة
القنوات الخاصة.. وما أدراك ما القنوات الخاصة




كتب: د. محمد محيى الدين حسنين

فى أوائل الستينيات من القرن الماضى بدأ الإرسال التليفزيونى فى مصر وتحول مبنى التليفزيون إلى خلية نحل لا تتوقف وكان كل العاملين فيه يعملون بروح الفريق وبإحساس الهواة مع منافسة شريفة لتقديم الأفضل ومازالت مكتبة التليفزيون حافلة ببرامج ومسلسلات يصفها البعض بأنها كنوز فنية وكان الإرسال لا يتعدى عددًا محدودًا من الساعات ثم وصلت إلى زروتها لتغطى ساعات النهار وجزء من الليل لينتهى عند منتصف الليل أو ليمتد قليلاً فى المناسبات والحفلات التى يبثها التليفزيون فى تلك المناسبات كأعياد الثورة والربيع وغيرها واستطاع التليفزيون أن يدخل البهجة على العائلة المصرية وأصبح وسيلة ترفيه راقية ومصدرًا لسعادة الأسر المصرية بل ومساعدة أبنائهم من خلال البرامج التعليمية ولينتهى يوم الأسرة فى منتصف الليل على أقصى تقدير.
واستمر هذا الوضع إلى أن دخلنا عصر العولمة والسماوات المفتوحة بدون إعداد جيد للمجتمع لتقبل هذا الانفتاح أو دراسات اجتماعية تستشرف المستقبل لمعرفة إيجابياته أو سلبياته فى زمن تلاشت فيه الحدود وانفتح العالم وأصبح كالقرية الصغيرة كل يؤثر ويتأثر بالآخر وتزامن مع الدعوة إلى الانفتاح الاقتصادى وسيطرة رجال الأعمال على التليفزيون كوسيلة إعلامية مهمة وفى سنوات قليلة تم إغراق الساحة بالعديد من القنوات التليفزيونية الخاصة بكل ألوانها الإخبارية منها والتقليدية والدينية وقنوات الأفلام حتى المطبخ أصبح له قنواته الخاصة وحتى وإذا كان للتطور التقنى والإعلامى إيجابياته إلا أن الأمر يحتاج لأن نتوقف ولو للحظات نستعرض فيها محتوى تلك القنوات وما آل إليه الإعلام المصرى الخاص بل والحكومى ولنستعرض بعض الآثار الاجتماعية لها.
وربما كانت أولى الظواهر الاجتماعية جاءت كنتيجة لامتداد التغطية لتغطى ساعات النهار والليل فقد تغير النظام اليومى للأسرة المصرية ومن ثم على الانتاج بشكل مباشر وأصبح السهر أمام شاشات التليفزيون يمتد إلى ساعات الليل المتأخرة وعاد من الطبيعى أن تبدأ برامج السهرة فى العاشرة أو الحادية عشرة مساءً وامتدت الظاهرة تلك إلى أماكن الترفيه الأخرى فأصبحت المقاهى تغلق أبوابها قبل صلاة الفجر بقليل وقدمت دور السينما حفلات تبدأ فى منتصف الليل.
ونظرًا لتعدد القنوات التليفزيونية الخاصة واشتعال المنافسة بينها ولامتداد ساعات التغطية قامت تلك القنوات بالبحث عن مواد تملأ بها ساعات الإرسال الطويلة فمن إعادة للبرامج والمسلسلات إلى عرض أفلام محلية أو أجنبية بل وترجمة وتقليد البرامج والمسلسلات الأمريكية بغض النظر عن مناسبة عرضها أو استعداد البيوت المصرية ومن فيها من أطفال ومراهقين لمشاهدتها وبدلاً من تدريب وإعداد جيل جديد من إعلاميين قادرين على التعامل مع تلك الموجة الجديدة، فقد أعطيت الفرصة للفنانين والصحفيين والدعاة الجددة، وغيرهم ومع احترامنا للجميع لتقديم برامج سياسية واجتماعية واستبيحت شاشة التليفزيون من قبل غير المتخصصين أو المدربين على العمل التليفزيونى ليقولوا ما شاء لهم القول دون رقيب مهنى أو أخلاقى، وأفردت لهم ساعات وصلت بعضها إلى ثلاث ساعات على أن يتم إعادتها فى اليوم التالى ولجأ مقدمو تلك البرامج لتحقيق نسبة مشاهدة عالية إلى إبراز الحالات الشاذة والظواهر السلبية المحدودة ليتم تسليط الضوء عليها حتى ولو لم تكن محل اهتمام أغلبية المشاهدين أو حتى إذا كانت تضر بأخلاق المجتمع أو بالأمن القومى فرأينا البهائيين والشيعة بل والشواذ مع ضآلة عددهم فى مجتمعنا قد أضحوا نجومًا على شاشة التليفزيون ناهيك عن برامج عما يسمى بالموضوعات المسكوت عنها والمخصصة لعرض غسيلنا القذر.
ومنذ سنوات اكتشفت تلك القنوات ما يسمى بالبرامج الحوارية وما على المذيع أو مقدم البرنامج إلا أن يستضيف أشخاصًا يسبغ عليهم الألقاب فهذا محلل سياسى وآخر خبير استراتيجى وثالث ناشط سياسى وكلها برامج لم يبذل فيها الجهد اللازم لإعدادها وربما كان الإقبال عليها من قبل القنوات الخاصة أنها قليلة التكلفة ولا تحتاج إلى طاولة وعدد من الكراسى ليترك لمقدم البرنامج وضيوفه المجال لغسيل المخ للبسطاء والأبرياء وبالتدريج تحول أولئك الضيوف إلى ممثلين للنخبة السياسية والثقافية حتى فقدت النخبة وتلك الألقاب احترامها واضحت محلاً لسخرية رجل الشارع العادى وعزوفه عن متابعتها.
أما قضية الإعلان فحدث عنها ولا حرج فالقنوات الخاصة التى تهدف إلى الربح فى المقام الأول فقد تغول الإعلان فيا على ما عداه من مواد إعلامية ليصبح هو سيد الموقف وليتحكم فيها يقدم للمشاهد ولتقاس على أساسه قيمة وقدر ومرتب المذيع ومقدم البرامج حتى وصل دخلهم إلى ملايين وتشدق أحدهم أنه لا يتقاضى مرتبه من جيوب المواطنين، وإنما من دخل الإعلانات ناسيًا أو متناسيًا أن قيمة الإعلان تدخل فى حساب تكلفة المنتج الذى يشتريه هؤلاء المواطنون.
أين التليفزيون الرسمى من تلك الفوضى؟ للأسف انتقلت إليه عدوى تلك الظواهر والسلبيات وامتد إرساله لساعات الليل والنهار ودخل إلى بورصة الإعلانات وتعددت قنوات لتشمل ما أطلق عليه القنوات المتخصصة التى كانت بمثابة ثغرة لدخول الأصدقاء والمحاسيب فازدحم مبنى التليفزيون وأصبح عدد العاملين به يتجاوز الأربعين ألف موظف معظمهم فى حالة بطالة مقنعة.
وأخيرًا فقد فقدنا أو فى سبيلنا إلى أن نفقد الإعلام المرئى كعنصر أساسى من عناصر قوتنا الناعمة التى بناها جيل الرواد من الإعلاميين المصريين وتفوقت عليه قنوات إعلامية أخرى كقناتى الجزيرة والعربية بأداء تقنى  ومتميز وحتى وإن لم نكن راضين عما تقدمه من أخبار أو تحليلات بل واستفادت من ضعف إعلامنا المرئى لتتصدر الساحة. وإذا لم يتوقف الإعلاميون لعلاج ذلك القصور فى الإعداد والتدريب والتقنية لتطوير ذلك الإعلام فلا نلوم إلا أنفسنا ويجب أن ننتبه أيضًا إلى أن الأمر يحتاج إلى دراسات اجتماعية وثقافية مستفيضة لحصار الآثار السلبية التى خلفتها سلبيات الإعلام فى زمن العولمة.