الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

مثقفون يبحثون عن جسر ثقافى عربى للتفكير فى مواجهة التكفير

مثقفون يبحثون عن جسر ثقافى عربى للتفكير فى مواجهة التكفير
مثقفون يبحثون عن جسر ثقافى عربى للتفكير فى مواجهة التكفير




كتب - أيمن عبدالمجيد
على بعد بضعة أمتار من ميدان التحرير، الذى شهد ثورتين مصريتين فى ثلاثة أعوام، أبهرتا العالم من قدرة الفعل الجماهيرى على التغيير السياسي، عقد مؤخرا بمكتبة البلد لقاء جمع نخبة عربية مثقفة، وتحدثوا عن مدى قدرة المنابر الصحفية فى تغيير الواقع الثقافى العربي. أسئلة عدة، فجرها ميلاد المجلة العربية الثقافية الجديدة، التى حملت اسم «الجديد»، هل بالإمكان وجود منبر ثقافى عربى جامع يخرج من أى مكان؟ يكون قادرا على تخطى حدود المحليات والصغائر والقبائلية والقطريات الصغيرة؟ سؤال طرحه الشاعر السورى نورى الجراح رئيس تحرير مجلة الجديد، مستهلا به الحديث عن تجربته الصحفية «الجديد». قابله مثقفو مصر المشاركون فى الندوة بأسئلة أخرى، وكأنها دعوة مفتوحة بالغوص فى أعماق واقعنا العربي، بحثا عن دفاعات ثقافية تواجه، ما أخرجته جماعات الجاهلية من أثقال الإرهاب والدماء فى كثير من بلدان الربيع العربي، «هل ثمة تغيير ثقافى من الممكن أن يحدث فى عالمنا العربى بدون مجددين؟» سؤال طرحه الكاتب والسياسى الناصرى أحمد الجمال، مستهلا به حديثه. غير أن سؤال الذى طرحه الشاعر أحمد عبد المعطى حجازي، غاص أكثر فى جزيئات الثقافة العربية، « هل نتحدث عن ثقافة أم ثقافات، فالثقافة العربية التى نراها جامعة فى حقيقتها فما هى إلا ثقافات متنوعة الجزيئات؟» فيما كان سؤال الدكتور نبيل عبد الفتاح الباحث بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، عن «ما الجديد فى قضايا الثقافة التى يمكن أن تتطرق له مجلة الجديد؟» الجراح قال إن الحديث عن مجلة الجديد الصادرة من لندن من القاهرة يدعو للاعتزاز، تلك العاصمة التى شهدت ميلاد مجلات ثقافية عظيمة مثل «المقتطف» و«الرسالة» و«المنار» و«الهلال» فضلا عن جرائد عظيمة مثل «الأهرام» وغيرها التى خلقت جسرا ثقافيا بين مصر والشام، فالوجود بالقاهرة، هو وجود بروح مصر، التى هى روح العالم العربي. وأوضح الجراح أن فلسفته من اختيار اسم «الجديد» يعود لكثرة المعانى التى يحملها هذا الاسم فهو يحمل الابتكار والتجديد، فى معانى الجديد وفقا لتاج العروس والقواميس العربية، «المبتكر»، و«المستحدث»، ومن هنا تريد المجلة أن تستقطب وتحتفى بالكتابة الجديدة فضلا عن إتاحة الفرصة لثقافة الحوار والسجال وثقافة الاختلاف، ثقافة الإنصات إلى الآخر، وبديهى أن هذا لا بد أن يحدث انطلاقا من وعى أن جغرافيات الثقافة العربية تنطوى على تنوع كبير، وله مظلة جامعة هى اللغة العربية، والتطلعات المشتركة، التى يمكن أن نبين منها - مجتمعين - مشروعا عربيا ما أحوجنا إليه اليوم فى ظل مشروعين تدميريين، لكنهما فاعلان حتى الآن، هما المشروع الإسرائيلى المقيم طويلا فى ظهرانينا والمشروع الإيرانى فى هجمته الأخيرة وقد اتضحت معالمه. وفى نظرى أنه لا يمكن لمشروع عربى أن يقوم إلا على ارض الثقافة أولا، وانطلاقا منها. وشدد الجراح على أن أهم أهداف المجلة بناء جسور بين جزرهم الفكرية السعيدة، لعلهم يتمكنون من أن يؤسسوا «مجتمعين» فلكا مشتركا يواجهون من على تخوه ما احتشد من مراكب الأعداء، بعد ما شهده العالم العربى من وقائع دامية على مدار السنوات الأربع المنصرمة، من وقائع تراجيديا سوداء عظمى، من إرهاب نظام الأسد وأصحاب الفكر الظلامي، داعيا للاعتصام بالثقافة فى مواجهة الفكر الظلامي.
فيما شدد الكاتب أحمد الجمال، على أن التجديد يكمن نجاحه فى وجود مجددين حقيقيين فالاشتراكية فشلت لأن منفذيها غير اشتراكيين، والليبرالية عمقت لأن مدعيها لم يكونوا ليبراليين، ولأنهم شبه إقطاعيين، لهذا لم تعش لنا مشروعات ثقافية أو سياسية، متمنيا لتجربة الجديد النجاح، والاستمرار، فى وقت تعثرت فيه معظم المشاريع الثقافية. وأكد الشاعر أحمد عبد المعطى حجازى على الحاجة الملحة إلى مشاريع ثقافية، والدور الملقى على كاهل المثقف، لمواجهة الأزمات التى عصفت بالعالم العربي، معتبرا أن من مسالب الديكتاتوريات السياسية بحسب تعبيره، «إنشاء وزارات الثقافة، التى حولت الثقافة إلى دعاية حكومية عن طريق وضع يدها على المؤسسات الثقافية المختلفة، مشيرا إلى أن عدد المجلات الأدبية فى تناقص مستمر مقارنة بعددها فى أواخر الأربعينيات، والتى وصلت حينئذ إلى ما يقرب من 20 مجلة أدبية وفكرية، فى مصر التى كان سكانها آن ذاك 17 مليونا فقط».
ووصف حجازى ثورة 1952 بالحكم العسكرى وما تبعها من حركات تحرر قائلا: «الآن نتحدث عن تجارب عنيفة وحافلة بكل ما يمكن أن يوفر لنا الخبرات ويعطينا الدروس، نتحدث الآن بعد أن قضينا على نظام تنكر تنكرا كاملا للديمقراطية منذ بداية الخمسينيات إلى الآن، هذا النظام لم يكن مصريا فحسب وإنما كان نظاما عربيا، لأن ما حدث فى مصر حدث فى عدد كبير من الدول العربية،  بسيطرتها المتتالية  على السلطة وحرمتنا من الديمقراطية، وأثرت تأثيرا سلبيا على الثقافة، فى السودان وموريتانيا وليبيا وسوريا»، وهو ما اكتفى أحمد الجمال القيادى الناصري، فى الرد عليه بالمزاح قائلا: «الجميع ينظر إلى ويدفعوننى للرد عليك».. إلا انه فضل عدم الرد والتركيز على أطروحة الندوة.