الخميس 28 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

هروب الفتيات المسيحيات أزمة نفسية جنسية

هروب الفتيات المسيحيات أزمة نفسية جنسية
هروب الفتيات المسيحيات أزمة نفسية جنسية




كتب: عاطف بشاي

كان من المتوقع وقد جلس الأنبا تواضروس على كرسى الكرازة المرقسية ليقود سفينة الأقباط وسط أمواج عاتية وأحداث صاخبة وأنواء عاصفة مقررا أن يبدأ فى إعادة ترتيب البيت من الداخل تمهيدا لفتح الملفات الشائكة ومعالجتها ، كان من المتوقع تحقيق إنجازات إصلاحية ثورية عاجلة تشمل فصل الأجهزة الدينية والروحية داخل الكاتدرائية فصلا تاما عن ذلك التداخل المذموم والضار مع أجهزة الدولة المدنية المسئولة ، فليس من المعقول أو المقبول مثلا أن يقوم الأنبا الذى يجلس على مقعد الرئاسة بالنسبة لقضايا الأحوال الشخصية - سواء بقى الأنبا «بولا» فى موقعه أو تم تغييره وهو أمر مازال يحيطه تعتيم غريب - يقوم بدور وكيل النيابة والمحامى ورئيس المباحث والقاضى والنائب العام والمخبر - الذى يتلصص على الزوج والزوجة لإثبات خيانته أو خيانتها - والطبيب النفسى والاخصائى الاجتماعى فى آن واحد - ويصدر أحكامه القاطعة فى أخطر وأدق وأكثر الأمور الزوجية حساسية - وتعقيدا فيتحكم بذلك وحده فى مصير آلاف من أسر البؤساء والمقهورين وثقيلى الأحمال الذين يتوقون إلى لحظة الخلاص أو إلى حل إنسانى يخلصهم من عذاباتهم فيواجهون بقرارات قمعية قاسية تخاصم حقوق الإنسان حيث تجبرهم على أوضاع معيشية لا يرغبونها - خاصة أن المسئول راهب لا علاقة له من قريب أو بعيد بتفاصيل الحياة الزوجية وليست له صلة وثيقة بالعلوم الإنسانية.
وهذا يستتبع من زاوية أخرى أن يسعى البطريرك إلى فتح كل النوافذ والأبواب وتمهيد كل الطرق ووسائل الاتصال لتحقيق ديمقراطية حقيقية تضم إلى أحضانها المثقفين والنخبة من الليبراليين والعلمانيين والمستنيرين من أهل الفكر الذين تم إقصاؤهم وإبعادهم بغلظة وكراهية بل نعتهم بما لا تقبله المسيحية فى سماحتها - بأوصاف شائنة مثل «الهرطقة» و«الزندقة» بل تهديدهم بمحاكم التفتيش.
وقد أكد الأنبا «تواضروس» أنه سوف يتحرك فى هذا الاتجاه لكننا لم نلمس حتى الآن تغييرا واضحا يشى بعراقيل شىء يقوم بها الحرس القديم لتقويض أى تطور حقيقى فى وقت لا نحتاج فيه أن نؤكد أنه لن ينهض الخطاب الدينى من كبوته، ولن يصبح للروح عقد تدار به تلك المؤسسة العريقة إلا إذا آمن أهل «الإكليروس» من القساوسة أن العمائم والذقون.. وأردية الكهنوت وكتب الطقوس القدسية القديمة لا تكفى وحدها لقيادة سفينة تعانى من تداعيات أشرعة من الجمود العقلى.. والمسلمات العتيقة.
إن الملف المزمن الخاص بالأحوال الشخصية والمعروف باسم «طلاق الأقباط» والزواج الثانى، مازال عدم الاعتراف بلائحة (38) قائما، ومشهرا فى وجه المقهورين والمقهورات من الأزواج والزوجات، واللائحة الرحيمة تستند - كما هو معروف - إلى ثمانية أسباب تتيح الطلاق منها الزنى والعجز الجنسى والشذوذ والجنون والسجن وعدم الإنجاب والاختفاء لسنوات وإساءة أحد الطرفين للآخر واستحكام الخلاف بما يستحيل معه دوام المعاشرة..
عدم الاعتراف هذا والذى اكتفى بالطلاق فى حالة الزنى أدى إلى تفاقم المشاكل فلم يعد أمام التعساء من الذين يعانون من حياة زوجية بائسة إلا تغيير الدين أو الانتحار أو ارتكاب الجرائم مثلما حدث منذ فترة مع فتاة سكندرية كان زوجها يعانى من عجز جنسى، أسقط عليها عجزه ضربا وإهانة ثم قتلها فى حجرة فندق شهير وفر إلى المطار قاصدا أمريكا، وخاطب إدارة الفندق هاتفيا، وهو فى الطائرة معترفا لهم «افتحوا الغرفة رقم كذا» ستجدون جثة زوجتى سابحة فى دمائها، لقد قتلتها لأنه لا وسيلة لطلاقها فى ظل قوانين الأحوال الشخصية الجائرة لغير المسلمين.. وبعد ساعات سأكون فى أمريكا حيث لا اتفاقية بينها وبين مصر لتسليم المجرمين.
والمتأمل لحالتى «وفاء قسطنطين» و«كاميليا شحاتة» يلحظ بوضوح تشابه الظروف البيئية والاجتماعية والنفسية التى صنعت مأساة كل منهما، فكلتاهما تعيشان فى مجتمع ضيق محدود خانق فيما يتصل بالتقاليد والأعراف والمفاهيم الرجعية المتخلفة والضاغطة على المرأة وكلتاهما زوجة لقس فارق السن بينهما كبير، والقيود الصارمة تلاحقهما لأن الكنيسة تبالغ فى إضفاء صفات مثالية وهالات قدسية على زوجة الكاهن فيطلقون عليها «أم الشعب» والمقصود هنا طبعا شعب الكنيسة (وهى بالطبع تسمية عنصرية) كما أن هناك تشابها فى أسلوب تعامل الزوجين الكاهنين معهما، زوج «وفاء» يشك فى سلوكها خاصة بعد أن تم بتر ساقه بسبب مضاعفات مرض السكر، ومن ثم فهو يسىء معاملتها، كذلك زوج «كاميليا» الذى كان يضربها لعدم اعتنائها بنظافة المنزل، فتذهب إلى والدها شاكية.. فيضربها ويعيدها إلى زوجها صاغرة، فرداء الكهنوت يمثل تميزا وحصانة وخطا أحمر وسلطة دينية لايجوز انتهاكها ولو بمجرد الشكوى، ومع تصاعد الضغوط الاجتماعية والتراكمات النفسية واختصار أسباب الطلاق فى علة الزنى يصبح الخلاص فى تغيير الدين.
ويتكرر نفس السيناريو فى حالة سيدة «جبل الطير» التى هربت للمرة الثالثة من زوجها مع شريكه المسلم، وبادر الجميع الزوج والزوجة الكهنة والجبهة الزائفة للدفاع عن حقوق الأقباط المغتصبة فى التغطية الشائنة على عار الفضيحة الاجتماعية بادعاء الاضطهاد الطائفى.
الأزمة إذا هى أزمة اجتماعية عاطفية جنسية أخذت شكلا طائفيا فى ظل التراجع المجتمعى الشديد فى الحريات الاجتماعية وتداعى الحريات الخاصة وحقوق الإنسان، إن المجتمع الذى أصبحت تحكمه ثقافة الحلال والحرام ومن سيدخل الجنة ومن سوف يتم حرمانه منها، والتشدد الدينى القشرى، السلفية المتطرفة التى تحتفى بالطقوس، والشكليات والفتاوى القاتلة، وتبتعد عن الجوهر والمعنى الحقيقى للدين وتتربص بالآخر وتحاصره وتحاول إقصاءه وتكفيره حيث قوائم التكفير حاضرة وجاهزة، هذا المجتمع ليس لديه شجاعة تحمل مسئولية حرية العقيدة.. تلك الشجاعة التى كان يتمتع بها مجتمع العشرينيات من القرن الماضى.. ففى عصر التنوير الذى كان يضم «طه حسين» و«العقاد».. و«سلامه موسى» والشيخ «على عبد الرازق» و«مى زيادة».. و«هدى شعراوى» و«لطفى السيد» والذين كان يجمعهم صالون «مي» الشهير لم يكونوا يؤمنون قط فقط بحرية العقيدة.. بل أيضا حرية «الإلحاد».. ولعل قصيدة «حافظ إبراهيم» فى رثاء «شيلى شميل» العالم الملحد خير دليل على ذلك..
أما مجتمعنا الآن فمازال يعتبر التحول الدينى «أم الكوارث» لا فارق فى هذا بين أقلية وأغلبية، فالسلطة الدينية تفرض وصايتها واحتكارها لحياة البشر نيابة عن الله..
أما فيما يتصل بقوانين الأحوال الشخصية فلم يعد أمام البابا إلا أن يصدر قرارا جسورا بإعادة لائحة (38).. بل إن عليه أن يوافق على تنفيذ الأحكام الصادرة بتراخيص الزواج الثانى.. إن فى ذلك ما ينفى إدعاء أن الكنيسة تمثل دولة داخل الدولة.. ويؤكد احترامها لحقوق المواطنة وحقوق الإنسان.