الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

الموت بالمياه المقطرة ..يحاصر القرى والنجوع

الموت بالمياه المقطرة ..يحاصر القرى والنجوع
الموت بالمياه المقطرة ..يحاصر القرى والنجوع




تحقيق : مروة عمارة
لا تعلم «أم احمد» .. مواطنة «بإحدى قرى زفتى» بمحافظة الغربية أن جركن المياه الذى تحرص على شرائه يوميًا، سعة 10 لترات  لأغراض المياه والطهى صالح للشرب أم لا.. ولكن حسب حديث صاحب المحطة الذى تشترى منه الجركن مقابل ثلاثة جنيهات يوميا ، إن المياه بيضاء وتختلف عن مياه المحطة الرئيسة التابعة للدولة.. لم تقف معاناة أهالى القرى والمناطق العشوائية عند حد غياب خدمات الصرف الصحى والمسكن الملائم، فقد ازداد الأمر سوءا بعد تدهور محطات المياه الرئيسية وغياب الخدمة عن بعض القرى، حتى سعت بعض الجمعيات الاهلية والشرعية لإيجاد حل من أجل توفير ماء صحى للأهالى، فكانت البداية لمشروع محطة المياه الاهلية تحت شعار خدمة أهالى القرية.
لكن الأمر تطور حتى أصبح تجارة لمئات من الشركات الوهمية التى تدعى معالجة وتنقية المياه، وتعمل بدون ترخيص او رقابة من الجهات المختصة سواء وزارة الصحة أو هيئة الرقابة الصناعية، وتقدم خدمات عبارة عن محطات مياه مكونة من مجموعات من الفلاتر مجهولة المصدر وكذلك خزانات المياه غير المطابقة للمواصفات.

«روز اليوسف» سعت للتواصل مع تلك الشركات التى تخترق القرى والنجوع للمتاجرة  بمياه ملوثة وإيهامهم بتوفير مياه نقية صالحة للشرب من خلال تلك المحطات، التى وصل عددها قرابة 3 آلاف محطة أهلية غير مرخصة، طبقا  لتصريحات مسئولى الشركة القابضة للمياه.
 تواصلنا مع إحدى الشركات  العاملة فى مجال معالجة وتنقية المياه، بحجة أننا نريد إنشاء مشروع لبيع المياه بإحدى القرى.
 التواصل مع شركات إنشاء المحطات
بدأ صاحب الشركة حديثه معنا مستفسراً عن مكان القرية والمساحة المتاحة ونوع المياه وهل هى بلدية أم جوفية، ثم أوضح لنا أن هذا المشروع مربح للغاية وبعد فترة سنفكر فى تنفيده بقرية أخرى ومكان آخر لمزيد من الأرباح، خاصة أن تلوث المياه يعانى منه جميع المصريين، حسب حديثه، وأغلب المواطنين بالقرى لا يتمكنون من شراء فلاتر ويقبلون على شراء جركن المياه لأغراض الطهى والشرب.
وتابع: «الشركة متخصصة فى مجال محطات المياه للقرى والفنادق وتتابع الشركة عمل المحطة وتسحب العينات للتأكد من عمل الفلاتر والشماعات بها، والمشروع عبارة عن إنتاجية ما بين 3 و10 أمتار مكعبة لليوم ويلزم توفير محل أو شقة بالدور الأرضى وبها عداد كهرباء ومياه، ولابد من الحصول على رخصة إذا كان من الممكن رخصة مياه صناعية، لأنه لا يوجد رخصة لمحطات المياه الخاصة بالشرب، ويمكن دفع عمولات من أجل إنهاء الترخيص».
وواصل: نظام معالجة المياه عبارة عن ثلات مراحل «فلتر» رمل وزلط وفلتر كربون وفلتر للشوائب والبكتريا والطحالب وهناك ثلاثة خزانات أحدها لتجميع المياه قبل الفلترة والاثنان الآخران لحفظ المياه النقية تمهيدًا  لتعبئتها وبيعها فى جراكن، ولابد من توفير وسيلة لتوزيع المياه من خلال تروسيكل أو موتوسيكل بصندوق فكلما كانت وسيلة التوزيع اقوى وأسرع كلما ساعد ذلك على الانتشار فى مناطق اكبر وادى إلى الانتظام فى التوزيع ما يعمل على زيادة دخل المحطة».
أسعار المحطات والأرباح
 قال لنا  صاحب شركة أنظمة معالجة وتنقية المياه» إن سعر المحطات يتم تحديده بدقة بعد أخذ عينة مياه من مكان المحطة وتحليلها كيميائيا ثم يتم تحديد مكونات المحطة على أساس التحليل وتحديد التكلفة الفعلية للمحطة، والأرباح تحدد حسب عدد المستهلكين فمثلا لو بلد به عشرة آلاف أسرة لابد أن تستهلك كل أسرة 10 لترات فى أغراض الشرب والطعام وتوصيله للمنازل مقابل نصف جنيه وسعر الـ10 لترات حوالى جنيها ونصف الجنيه وبالتالى دخل المحطة 350 جنيها فى اليوم و11250 شهريا، ومن الممكن أن يدير صاحب المحطة العمل ويعين فقط عامل نظافة وتعبئة للمياه بالجراكن.
 وعندما استفسرنا عن الصيانة أفاد أن هناك صيانة شهرية مقابل 250 جنيها  حسب حاجة مدير المحطة، وإيصال المياه والكهرباء لا يتعدى 150 جنيها شهريا لأن المحطة مثلها مثل شقة سكنية.
معلومات من شركة أخرى
تواصلنا مع شركة  أخرى وبدأنا بالاستفسار عن مصدر الفلاتر والخزانات وضمان التصنيع، فكان الرد أن المحطة عبارة عن تجميع لمعدات وهى فلاتر مستوردة وخزانات بلاستيك إنتاج محلى، وموتور والضمان ليس من المصنع ولكن من الشركة وهو ضمان للمحطة بأكملها لمدة عام.
أساليب تلاعب الشركات
سألنا عن ترخيص الشركة وهل لها سجل صناعى أو تجارى أو مقيدة بهيئة التنمية الصناعية، فكان الرد حاداً  وهى أن الشركة تعمل منذ خمسة أعوام وأنشئت مئات من محطات المياه التى مازالت تعمل بكفاءة عالية، حتى أن أصحابها سعوا لإنشاء محطات أخرى لمزيد من الربح، وأن الأمر لم يعد قاصراً على جمعيات أهلية أو شرعية ولكنه أصبح مشروعًا تجاريًا لأن المياه أهم سلعة، ثم انتقل للاستفسار عن حجم المحطة التى نريد إنشاءها وأن المعدات ستكون عبارة عن وحدة معالجة مبدئية من ثلاث مراحل وموتور وعداد .
وأكد أن التكلفة حسب مصدر المياه  فلو كانت من مياه محطات الدولة سيكون عدادًا تجاريًا ولن تكون مكلفة، ولكن لو المصدر مياه جوفية سيزيد التكلفة لتركيب مواتير ومواسير لسحب المياه، وسعر المحطة الصغيرة التى توفر 3 أمتار يوميا و300 جركن حوالى 25 ألف جنيه والمحطة التى تنتج 5 أمتار يوميا وتعطى 500 جركن سعة 10 لترات تكلفتها حوالى 40 ألفًا، ومحطة 10 أمتار تكلفتها حوالى 65 ألف جنيه وتعطى ألف جركن يوميا.
 ونصحنا بالتعاقد مع مطبعة لتوفير كبونات دعائية ولاصقات توضع على الجراكن، كما أخبرنا أن سعر الجركن حوالى 5 جنيهات  من تاجر الجملة، ويباع للمواطن فارغاً بسعر عشرة جنيهات، و13 جنيها إذا كان معبأ بالمياه، وبالنسبة للنظافة فالأمر يتطلب عاملًا للنظافة والتعبئة فقط.
 وعندما استفسرنا عن جودة المياه المعبأة عبر المحطة شرح لنا حتى نقتنع بحديثه، أن الفلاتر تقوم بتنقية المياه من المعادن والأملاح والطحالب والبكتريا، وتعبأ  فى خزانات للتوزيع.
 خطورة المحطات الأهلية
خطورة تلك المياه التى يتم الحصول عليها عبر تلك المحطات يحددها دكتور محمود عمر، استشارى السموم، قائلاً: تلك المحطات يضاف خلالها مواد كيميائية من قبل أناس غير متخصصين، وبالأخص أن بعض تلك المحطات تعمل على مياه المحطات الحكومية المضاف لها بالفعل النسب المحددة من الكلور، وزيادة نسبته عن المسموح به يؤدى إلى تهييج الأغشية داخل الجسم، كما أن الحصول على مياه عبر آبار جوفية بها رواسب صرف صحى وزراعى ومبيدات كيمائية يؤدى لحدوث حالات تسمم كما حدث بقرية الإبراهمية بالشرقية وتسمم 400 مواطن، بالاضافة للإصابة بالأورام والأمراض الكبدية والكلى على المدى الطويل.
دراسة تحذر من مخاطر هذه المحطات
حذرت الغرفة التجارية لمحافظة الشرقية فى دراسة لها من الأخطار الصحية للمياه المعبأة بالجراكن عبر تلك المحطات غير المرخصة، وأوصت  بضرورة قيام الجهات المختصة بوقف منتجى وموزعى هذه المياه، أو تنظيم عملهم بشكل يفى بالاشتراطات الصحية للمياه المعبأة، وذلك بسبب انتشار ظاهرة بيع المياه المسماة بالمياه المقطرة، وهى عبارة عن مياه عادية (حنفية) يتم تمريرها على  فلاتر أو ما تسمى بمحطة التنقية ثم تعبأ فى جراكن وتباع.
 وأفادت الدراسة:  إنه لا توجد رقابة على هذه المياه لأنها غير مصرح لها بالاستخدام الآدمى وإنما تسمى مياهًا مقطرة مهيأة كى تضاف إلى السيارات فقط لأنها قليلة الأملاح، وبسبب  استخدام  الفلاتر تنخفض نسبة الأملاح بالمياه بدرجة خطيرة، مانعة بذلك الأملاح المفيدة ، ما يفقد متناولى هذه المياه « لمدد طويلة»  من عناصر مفيدة فى المياه العادية، كما أن الفلترالمستخدم  نفسه مستنقع للملوثات ومكان تتربى فيه الميكروبات والتى ستنتقل بالضرورة إلى المياه المعبأة فى حال عدم تغيير الفلتر فى الوقت المناسب
فلاتر مغشوشة وخزانات مجهولة
 ويؤكد دكتور مجدى ريان، خبير المياه ما ورد بالدراسة قائلا: «مكونات تلك المحطات عبارة عن فلاتر مجهولة الصنع تعمل بنظام السبع مراحل وتذيل الأملاح المهمة ، لأن مياه مصر درجة الملوحة بها 300 درجة، وعلى النقيض نحن بحاجة للأملاح، وحتى المناطق التى بها الأملاح درجتها 500، فمنظمة الصحة العالمية وضعت التصنيف الأمثل بأن تكون درجة الأملاح 500، وأن المياه التى تخرج من المحطات أفضل حالا من مياه تلك المحطات الرسمية التى تنزع من المياه أهم مكوناتها، حتى لو تعرضت للتلوث فكل ما يحتاجه المواطن هو فلتر ثلاث مراحل لإزالة الشوائب  فقط.
وتابع: «الشق الآخر من تلك المحطات عبارة عن خزانات بلاستيكة وأغلبها مجهولة المصدر ومصنعة بورش من خامات بلاستيك معاد تدويره ويتم طلاؤها بمواد كيمائية تتحل مع المياه والكلور وتتنج مواد سامة وقابلة للصدأ، تاركة بها البكتريا والطحالب».
  مصدر المياه مكمن الخطورة
 يشرح دكتور مغاورى شحاتة، خبير المياه الجوفية، أن تلك المحطات تعتمد على مياه جوفية مليئة بالمبيدات والصرف الصحى والزراعى، ولهذا لابد من غلقها لانها تشكل بؤرة تسمم وأمراض لتراكم الرصاص والنترات والعناصر المسرطنة بمرور السنين، وعلى الدولة أن تسعى لتطوير سعة المحطات الحكومية مع استمرار الضخ بكميات اكبر تكفى القري، والوقف الفورى لكل من يخالف ذلك ومراقبة مشروعات الجمعيات الأهلية فى مجال انتشار المحطات بالقرى على وجه التحديد وعدم السماح لها بإنشاء محطات تنقية للمياه إلا بعد متابعة الوزارات المعنية.
وأوضح مغاورى « أن أى محطة للمياه لابد أن تعتمد على سحب المياه من النيل أو البدء فى مراحل المعالجة وحتى ضخها فى مواسير للمواطنين من خلال مجموعة من الضوابط والاشتراطات  وتكون خاضعة لرقابة وزارة الصحة حتى لو كانت تابعة للمحليات أو المحافظة نظرا لأن المسألة تتعلق بالخطورة على الصحة العامة للمواطنين.
القابضة للمياه: نسعى لتقنينها لا لغلقها
وحول موقف الشركة القابضة للمياه صرح المهندس ممدوح رسلان، رئيس الشركة القابضة، بأنه لابد من تقنين أوضاع تلك المحطات،  ولا نسعى لغلقها، ولكن تلك المحطات تعمل بعيدا عن نطاقنا ولا تخضع لرقابة معامل وزارة الصحة أو البيئة.
وأكمل: «محطات الشركة القابضة تخضع للرقابة من خلال معمل مرجعى على مستوى الجمهورية ومعمل مركزى على مستوى المحافظة ومعامل فرعية فى كل محطة ومعامل متنقلة تصل عددها إلى 235 معملًا متنقلًا، كما نأخذ عينات لمراحل المياه من المحطات حتى المنازل ونهاية الشبكات كل ساعتين من مختلف مكونات المحطة للتأكد من مطابقتها للمواصفات، ثم بعد ذلك نأخذ عينات قبل ضخ المياه لشبكة الاستهلاك ومن الشبكة نفسها حتى تصل للمشترك» شارحا ً رسلان آلية الرقابة.
كيف تعمل محطات الشركة القابضة للمياه
عن آلية عمل محطات الشركة والرقابة على الماء قال: «يتم عمل غسيل دورى للشبكات وتطهيرها فى حضور من وزارة الصحة والمجالس المحلية بمحاضر رسمية، وهناك رقابات صارمة على جميع المحطات من قبل الشركة القابضة ومن وزارات الصحة وأيضاً الجهاز التنظيمى لمياه الشرب والصرف الصحة، على عكس ما يحدث بتلك المحطات.
الصحة: جميع المحطات الأهلية غير مرخصة ولا تخضع للرقابة
أما عن موقف وزارة الصحة فقد صرح دكتور حسام عبدالغفار المتحدث الرسمى لوزارة الصحة، بأن جميع المحطات الأهلية غير مرخصة، وهذه المحطات لا تراقبها الوزارة لأنها كيان غير قانونى، أما المحطات الحكومية فإن الوزارة تقوم بمتابعتها من خلال سحب عينتين من طرد كل محطة مياه شهريا بدائرة المحافظة وعينتين أخريين أسبوعيا على الأقل من شبكات المياه فى نطاق كل مكتب صحة أو وحدة صحية بالمحافظة كحد أدنى لعدد العينات المأخوذة من الشبكات مع مراعاة تعداد السكان بنطاق مكتب الصحة أو الوحدة الصحية.
هيئة الرقابة الصناعية: 20 مصنع خزانات فقط تحت الرقابة
وصرح مصدر مسئول بهيئة الرقابة الصناعية بأن هناك مواصفات للخزانات والفلاتر، ولكن هناك فقط 20 مصنعا لصناعة الخزانات مقيدة باتحاد الصناعات باعتبار أنهم ينتجون مواد مطابقة للمواصفات البيئية والصحية، وتلك المصانع هى التى تخضع للرقابة فقد، أما مصانع بير السلم المنتشرة بالمحافظات فلا رقابة عليها من الهيئة، وبالنسية للفلاتر فهى مستوردة وللأسف أغلبها يتم تهريبه ولا يصلح لتنقية المياه المصرية، وغير مطابق للمواصفات والرقابة عليه مسئولية مباحث التموين.
مضبوطات فلاتر ومياه مقطرة
 اللواء مدحت عبدالله، رئيس مباحث التموين، أفاد بأنه لم يتم ضبط تلك الشركات، لأنه أغلبها مكاتب إدارية، ولكن تم عمل 12 قضية لبيع وتصنيع الفلاتر، وضبط 1500 فلتر مغشوش و4 آلاف شمعة، ويتم ضبط المضبوطات وترسل للعلامات التجارية للفحص، وإذا ما تبين كونها غير مطابقة للمواصفات ومعايير الجودة، تتم مصادرة الكميات وتوجيه تهمة الغش التجارى، والعقوبة غرامة لا تتعدى عشرة آلاف جنيه والسجن لا يتجاوز ثلاثة أعوام، وإذا تم فض الشمع، لا تتجاوز الغرامة خمسين جنيهًا.