الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

منافذ بيع المبيدات.. سموم بلا رقابة

منافذ بيع المبيدات.. سموم بلا رقابة
منافذ بيع المبيدات.. سموم بلا رقابة




تحقيق- محمود ضاحى
تنتشر المنافذ العشوائية لبيع المبيدات المغشوشة فى جميع قرى مصر، خاصة مع احتياج الفلاح لها للتخلص من الآفات والحشرات التى تصيب الزراعات المختلفة.. لكن لا يوجد رقابة على تلك المنافذ التى هى عبارة عن محال تجارية صغيرة بمساحات ضيقة داخل البيوت، والتى منها تنتقل السموم إلى الأراضى، دون وعى أو إدراك من الفلاح بخطورتها عليه وعلى الصحة العامة والبيئة والزراعة نفسها.

ارتفاع أسعار المبيدات بشكل عام يضطر الفلاح للجوء لمجهولة المصدر أو المحظورة دوليا، خاصة أنها تتركز فى جميع القرى الريفية وتعبأ وتصنع فى مصانع بير السلم فى مناطق عشوائية منها الدويقة ومنشية ناصر بالقاهرة وباسوس بالقليوبية ونبروه بالدقهلية، وفى محافظات منها الشرقية والاسماعيلية والبحيرة.
وفى أثناء الحديث مع عدد من المزارعين وجدنا أغلبهم يعانى الأمية فى التعامل مع الأمراض التى تصيب أرضه، وأكد بعضهم أن تلك المبيدات هى سبب إصابتهم بالأمراض الخطيرة المختلفة ولا رقابة عليها، فى الوقت الذى يغيب فيه دور الجمعيات الزراعية والمرشد الزراعى الذى  يفيدهم فى الحصول على المعلومة الصحيحة التى تخدم زراعاتهم..
«روزا اليوسف» رصدت مشاكل الفلاحين مع المبيدات المغشوشة والمسرطنة والمحظورة من على الأرض وسط زراعاتهم.
وفى مزارع المشمش بقرية كفر العمار بالقليوبية قابلنا عبدالراضى حسنين - أحد المزارعين – والذى أكد أن المحصول ضعيف هذا العام، وأنه رش المشمش 3 مرات بمبيدات للأمراض الفطرية والحشرية، منها مبيد «التيفون» للقضاء على العنكبوت والحشائش الخضرية والحشرات، مطالباً بغسل ثمار فاكهة المشمش قبل تناولها ونقعها لمدة ساعتين فى المياه، مشيرا إلى أن رش المبيد يكون قبل جمع المحصول بـ15 يوما، وفى حالة حصاده قبل ذلك سيصيبه بالأمراض بسبب تركز المبيدات فى الثمار، ويشتد خطرها فى حالة كونها مبيدات مغشوشة أو محظورة.
مشيرا إلى أن الهرمونات المسرطنة عبارة عن مبيدات مهيجة لأنسجة الثمرة، وبعدها بيوم يتضاعف حجمها وتصيب الإنسان بالسرطان، وسمومها تدخل على الكبد وتصيبه بالأمراض، موضحاً أن الهرمون مادة كيماوية عادة تكون أقراصاً، تركيبتها كيماوية بحتة.
وأكد أن عدم وجود الرقابة وهو السبب فى استمرار تجارة تلك المبيدات، فالتاجر لا يهمه سوى الربح السريع فقط، وبعض المزارعين لا يهمهم سوى إنضاج المحصول مبكرا لبيعه وقبض ثمنه، ويواجه آثارا سلبية تتمثل فى مخالطته لتلك المبيدات أثناء الرش حيث لا يرتدى كمامة على فمه وأنفه لمنع وصول الرذاذ إليهما، إضافة إلى خطورة رش الأطفال للمبيد، كما أن المبيدات المنتهية تأتى بنتائج عكسية على أى محاصيل.
ويقول أحمد غنام - أحد المزارعين  بقرية كفر العمار بالقليوبية – نشترى مبيدى «لمبادا» و«بيركينكس» من السوق ولا نعرف مدى صلاحيتهما للاستخدام من عدمه أم لا، وكان الإرشاد الزراعى ينصحنا بكيفية التعامل مع المحصول فى حالة إصابته بالأمراض، لكن فى ظل عدم وجوده حاليا نضطر لشراء المبيدات حسب وصف البائع فى المحال المخصصة لبيعها بالقرية.
  ويوضح أن الهرمونات تغير من لون الثمرة فى يوم واحد خاصة مع محصول الطماطم والقرع، وكنا نستخدم البودرة (وهى مادة بيضاء ترش على البطاطس بعد حصادها لتصبح أكبر فترة سليمة، وهى خطر على الإنسان)، وسعر الكيلو منها 800 جنيه، وتابع: الحيوانات تصاب بالإسهال بعد رش المبيدات، ولبن المواشى تغير طعمه بسببها.
بينما يقول مهندس زراعى من قرية فرشوط بالقليوبية ويدعى «سيد» إن المبيدات الحشرية تستخدم للقضاء على الحشرات مثل الذبابة والدودة فى القطن والمشمش وأغلب الثمار، والمبيدات الفطرية تعالج الفطريات مثل فطر «الأفرول» التى تصيب الموالح، مؤكدا أن المزارع لا يعرف الفرق بين أنواع المبيدات ومنها «أنادولا» و«الملاثيون 80» للمكافحة الحشرية، لافتا إلى أن هناك حالات للعقم بين شباب الفلاحين بسبب المبيدات.
ويضيف محمد على - مزارع – نرش محصول الطماطم بمبيد الخلطة السحرية، الذى يشتهر بين الفلاحين باسم «هرمون الطماطم»، وذلك بعد 40 يوما من زراعتها، ويكون تأثيره كالسحر على زيادة حجم حبات الطماطم ومضاعفة إنتاجها، وتكفى العبوة زنة 1 كيلو جرام لرش فدان، بعد إذابته فى 20 لتر ماء، وهناك أنواع كثيرة  من المبيدات تستخدم طوال العام لسرعة نمو وإنضاج المحاصيل، ومنها «التيمك» و«إبروديون»، المقاومان للبياضة الزغبية والندوة البدرية.
وقال د. محمود القرشى - الخبير الزراعى ورئيس البحوث بمركز البحوث الزراعية فرع الاسماعيلية - إن المبيدات تستخدم للحشائش والفطريات، وعن كيفية معرفة غش المبيد من عدمه قال إن ذلك لا يظهر إلا بعد تحليله فى المعمل المركزى للمبيدات بوزارة الزراعة، مشيرا إلى أن لجنة المبيدات بوزارة الزراعة تخضع أى مبيد جديد للتجربة 3 سنوات على محصول معين لمعرفة آثاره قبل استخدامه ثم يخرج بتوصية لوزارة الزراعة للسماح بتداوله فى الأسواق أو لا. .
وأكد عمرو الخضرى - صاحب محلات مبيدات - أن أغلب المحلات فى القرى غير مرخصة، خاصة أن أغلبها تبيعها فى عبوات وتلصق عليها علامات تجارية مزورة، وهناك مصانع بير سلم تنتجها وتوزعها على أصحاب المنافذ العشوائية.
وأكد الخبير الزراعى الدكتور نادر نور الدين أن المبيدات أصبحت تستخدم لجميع المحاصيل وجميع الخضروات، لكن ضعف الرقابة تسبب فى فوضى بانتشار المبيدات، موضحا أن تجار المبيدات المسرطنة عادة ما يكونوا عصابات دولية ومافيا كبيرة ولهم أتباع يوهمون الفلاحين بفاعليتها وقوتها فى مقاومة الآفات وزيادة المحصول، والأخير ينقاد وراءهم حيث لا توجد توعية من الإرشاد الزراعى.
وطالب الدكتور حسن شحاتة - استشارى البيئة أستاذ الكيمياء بجامعة الأزهر - بإصدار قانون يحمى المجتمع من تلوث البيئة والأضرار الصحية الناتجة عن استخدام مبيدات الآفات، وأشار إلى أن جسم الإنسان يدخله جزيئات المبيد الحشرى على شكل رزاز يحمله الهواء عن طريق التنفس ويختلف تأثيرها وتدمر الجهاز التنفسى، كما أن هناك غازات تذوب فى الدهون  تمر من خلال الرئة وتصل إلى الأعضاء التى توجد بها من خلال مجرى الدم مسببة العديد من الأمراض الحادة للكلية والكبد، وبالنسبة إلى المرأة الحامل فإن هذه السموم تنتقل من الدم إلى مشيمة الأم ومن ثم إلى جنينها وتسبب تشوهات خطيرة للجنين.
ونوه إلى أن المبيدات الحشرية تعتبر من أخطر ملوثات البيئة والتربة، ويؤدى الاستخدام المتكرر لها إلى تدمير خصوبتها وتلوثها وتسممها الحاد بالمبيدات، وأن أغلب المبيدات خاصة مجموعة الكربيات تتحول فى التربة إلى مركبات (النيتروزامين) التى تعد من المواد المسرطنة  وتمتص من قبل النباتات وعند تغذية الحيوان أو الإنسان على تلك النباتات  فإن النتيجة هى انتقالها لهما.
الدكتور أحمد مصطفى، أستاذ أمراض الباطنة بقصر العينى، يقول إن معدلات انتشار السرطان والفشل الكلوى والكبدى زادت بصورة مقلقة، والمتهم فى ذلك هو تلوث غذاء المصريين، بالمبيدات المحرمة دوليا والمغشوشة، ويضيف: إن المبيدات المسرطنة والمغشوشة مؤامرة خطيرة على صحة المصريين، ويصيب الجهاز الهضمى بأورام سرطانية، وهناك مبيد يسمى «ملوبيت» يسبب سرطان الاثنى عشر، كما أن مبيد أورست الإسرائيلى والذى ينتشر فى سيناء ومدن القناة والشرقية والنوبارية فهو يحدث أوراما سرطانية فى الكلى والكبد ويكثر استخدام هذا المبيد فى الكنتالوب والبطيخ والخيار.