الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

أوروبا تستمع للسيسى

أوروبا تستمع للسيسى
أوروبا تستمع للسيسى




رسالة برلين : أحمد إمبابي

اختتم الرئيس عبد الفتاح السيسى بالأمس السبت جولته الخارجية التى استغرقت خمسة أيام زار فيها السودان لحضور مراسم تنصيب الرئيس عمر البشير ، ثم اتجه بعدها مباشرة إلى المانيا فى زيارة استغرقت يومين وبعدها الى المجر لمدة يومين ، بما يعد أطول فترة قضاها السيسى فى جولة خارجية.
واكتسبت جولة الرئيس الأوروبية أهمية قصوى بما شهدته جلسات المباحثات المختلفة خاصة مع الجانب الألمانى حول تطورات الاوضاع فى مصر والعلاقات بين البلدين والوضع الاقليمى ، وكانت الصفة الغالبة والمشتركة رغبة المسئولين فى أوروبا للاستماع للسيسى والتعرف على رؤيته للأوضاع فى المنطقة.
هذه النظرة عبرت عنها المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل والاعلام الالمانى الذى اعتبر دعوة ميركل للسيسى رغم تحفظات بعض الدوائر الالمانية بأنها سياسة الواقع فى المنطقة ، وعبر عنها بحرارة المسئولين فى المجر، وأكدها الرئيس السيسى فى لقائه مع الجالية المصرية والاعلاميين ببرلين عندما وصف نفسه بأنه «طبيب يصف ويشخص الحالة.. ناس كتيرة عايزة تسمعنى، كبار الساسة ورجالة المخابرات فى العالم وكبار الفلاسفة أيضًا».
اتسمت أجواء زيارة الرئيس تحديدا إلى برلين بالصعوبة والترقب لدى الرأى العام المصرى والأوروبى، نظرًا للمواقف المختلفة التى تحملها بعض الدوائر الالمانية والاعلام الالمانى تجاه النظام المصرى وهو ما بدا فى التغطيات المختلفة للصحافة الالمانية قبل الزيارة وخلال تواجد الرئيس من هجوم سلبى ، حتى إن صحيفة «ديرشبيجل» الالمانية السيسى بالضيف «الصعب» وأن المستشارة الالمانية استهدفت تحقيق التوازن باستضافته فى برلين.
ورغم كل ما أثير من جدل ، ورغم أجواء الزيارة المشحونة ، حقق الرئيس السيسى مكاسب عدة خلال زيارته لبرلين ، نجح خلالها فى توضيح كثير من الصورة المغلوطة لدى دوائر صنع القرار فى المانيا .
«روزاليوسف» رصدت عن قرب من العاصمة الالمانية برلين كواليس وحصاد أطول جولة خارجية ، عقد الرئيس السيسى 8 لقاءات رسمية مع مسئولين ومؤسسات المانية خلال زيارته لبرلين ، بجانب لقاء مع الجالية المصرية فى أوروبا، وعبر السيسى عن أهمية زيارته لألمانيا بأنها قلب وعقل أوروبا.
 الوضع السياسى فى مصر
سيطرت الأوضاع السياسية الداخلية فى مصر على جدول مباحثات الرئيس مع المسئولين فى الادارة الالمانية وتحديدا مع المستشارة أنجيلا ميركل ، حيث طرح الجانب الالمانى عدة أسئلة تتعلق بأحكام الاعدام ضد جماعة الاخوان ومدى الالتزام بالقانون ، ومستوى الحقوق والحريات وحجم مشاركة الشباب ومنع منظمات المجتمع المدنى الأجنبية وخاصة الالمانية من العمل فى مصر.
ورغم أن هذه التساؤلات والانتقادات الالمانية كانت متصاعدة قبل زيارة السيسى ، إلا أن خطاب الرئيس اتسم بالقوة ، وأفصح عن موقفه من بعض القضايا المثيرة للجدل لأول مرة ، حيث رفض الالتزام بنصوص الكلمات المكتوبة وفضل الارتجال فى جميع لقاءاته ببرلين ، حتى أن صحيفة زود دويتشه تسايتونج الألمانية واسعة الانتشار، قالت أن الرئيس المصرى استخدم «سياسة الدفاع المتقدم» فى أحاديثه ببرلين.
وباستراتيجية الدفاع المتقدم ، قال السيسى فى المؤتمر الصحفى مع المستشارة الالمانية إنه لن ينتظر أسئلة الصحافة والصحفيين وبين الموقف المصرى من القضايا المثارة:
-   أحكام الإعدام ليست نهائية وهى مرحلة أولى من التقاضى ، ويمكن الطعن عليها وإلغاؤها ، كما لا يمكن التدخل فى أحكام القضاء ، فمصر دولة قانون ولديها دستور منذ عام 1923 أى منذ مائة عام.
- الرئيس السابق مرسى جاء بانتخابات ديمقراطية بنسبة 51% ، ولكن الشعب المصرى لم يجد وسيلة وفقًا للدستور سوى الخروج ضده بعد سنة لأنه رفض « الفاشية الدينية».
-  وجه السيسى رسالة للمستشارة الألمانية بلهجة حازمة رافعا يده « ما حدث فى 30 يونيو ثورة شعبية بإرادة الشعب المصرى».
- ما حدث مع منظمات المجتمع المدنى الخارجية تم بعد الثورة ضمن حالة ثورية مع كل المنظمات الاجنبية .
- لدينا قصور فى توصيل رسالة الشعب المصرى وحقيقة ما يحدث للخارج ، والرسالة وصلت للمستويات الحكومية الرفيعة، إلاّ أن المواطنين الألمان والإعلام لا يدركون حقيقة 30 يونيو».
-  مصر حريصة على الحرية واحترام حقوق الانسان ، ولكن لن تستطيع دولة فى العالم ان تقدم ده لشعبها وهى تعانى من الفقر والجهل وظروف اقتصادية وأمنية صعبة ، ورغم ذلك أوضاعنا تتحسن .
-  جيش مصر القوى أحد المقومات الجاذبة للاستثمارات ، وتصنيف مصر الاستثمارى يرتفع لأن الجيش قادر على تحقيق الاستقرار ، ومؤسسات القضاء والشرطة لا يمكن المساس بها.
-   الهدف الاستراتيجى للدولة أن تبقى مصر موحدة فى مواجهة التحديات ، وألا نتفرق .
 كيف تعامل السيسى مع مخطط الاخوان
حاولت جماعة الاخوان وعناصرها فى برلين التحرك وتنظيم عدد من الفعاليات فى العاصمة الألمانية لتشويه زيارة السيسى لألمانيا والضغط على الإدارة الالمانية تجاه مصر، وبدا ذلك فى مظاهرات نظمها عدد محدود من عناصر الجماعة بالخارج وبعض مؤيديهم من الاتراك والجالية العربية تراوح بين 20 و 30 شخصًا لملاحقة الرئيس فى كل مكان يتجه له .
مظاهرات عناصر الجماعة تضمنت هتافات وكلمات بالالمانية لمخاطبة الشعب الالمانى، وكان لافتًا تفاعل الصحافة الالمانية معها.
وكان المشهد الأكبر الذى لفت الأنظار الصحفية الاخوانية التى حاولت أن تسأل فى المؤتمر الصحفى للرئيس مع المستشارة الالمانية، وأخذت تهتف بشعارات الجماعة فى ختام المؤتمر.
وللتوضيح فإن السفير علاء يوسف المتحدث باسم رئاسة الجمهورية أكد فور وصول السيسى لبرلين أن المؤتمر الصحفى سيكون به 4 أسئلة، اثنين يحددهما الجانب المصرى واثنين للجانب الألمانى، وبعد استنفاد كل طرف الأسئلة المحددة له رفض المنظمون والمستشارة الألمانية منح أسئلة جديدة.
لكن الصحفية حاولت أن تسأل بقوة فى محاولة لاحراج الرئيس، ورغم ذلك قال الرئيس السيسى خلال لقائه بالجالية المصرية إنه كان يود أن يفهمها حقيقة ما يجرى فى مصر، والأخطار التى كانت ستتعرض لها إذا لم تنجح ثورة 30 يونيو.
وأضاف: «الفتاة دى مصرية، وفى مصريين برضه مختلفين معانا، كنت عايز أقولها تعالى يا بنتى أنا هفهمك.. الموضوع كان هيبقى خراب لبلدنا.. كنت سأخبرها أيضاً بأنه حتى الناس التى تظن فيهم خيراً، كانوا سيتجهون بمصر إلى طريق آخر تماماً».
 ورغم ذلك كان الحشد الأكبر لمؤيدى الرئيس السيسى من الوفود الشعبية القادمة من مصر والجاليات المصرية التى حضرت من أوروبا وأمريكا، حتى أن ثلاثة من الشباب المصرى لقوا مصرعهم فى حادث سير وهم فى طريقهم من فيينا فى النمسا إلى برلين.
وتعددت فعالياتهم ومظاهراتهم ما بين مقر إقامة الرئيس بالقرب من بوابة برلين، ثم القصر الرئاسى وفى وسط العاصمة أمام مركز المستشارية ومقر البرلمان الالمانى ، حتى أن السيسى تجول فى الشوارع وذهب لأعضاء الجاليات والوفد الشعبى للترحيب بهم، مؤكدًا أن رسالتهم كانت مهمة ووصلت للمسئولين فى المانيا.
 أوروبا تلجأ لمصر لحماية مصالحها فى المنطقة
سيطرت الأوضاع الاقليمية وجهود مكافحة الارهاب فى منطقة الشرق الاوسط على مباحثات الرئيس السيسى خلال جولته الاوروبية، واجتمعت مواقف مختلف المسئولين الذين قابلهم الرئيس على الدور المصرى القوى فى مواجهة قوى الارهاب والهادف لتحقيق الاستقرار .
ومن هذا المنطلق كان هناك استماع لرؤية السيسى حول ما يمكن فعله لتفادى حالة الفوضى فى بلاد مثل ليبيا وسوريا والعراق وغيرها بسبب التنظيمات الارهابية .
وأكد السيسى أن الألمان «تفهموا وأيقنوا أن مصر هى أساس الاستقرار فى المنطقة، وأنهم مستعدون للتعاون معنا، وقلقون من انهيار دول أخرى فى المنطقة ، فأبلغتهم بأننا فاهمين ومستعدين وقادرين إن شاء الله».
حققت زيارة السيسى لألمانيا نتائج مهمة على المستوى الاقتصادى ، بدأت بتوقيع الرئيس 4 عقود مع شركة سيمنز لانتاج الكهرباء والطاقة قيمتها 13 ألف جيجا وات ، أى ما يعادل قيمة الإنتاج الحالى من الكهرباء ، وذلك خلال 20 شهرا وبتكلفة تصل إلى 10 مليارات دولار.
وعقد الرئيس لقاء مع رئيس شركة سيمنز ، وأشاد بهذه الخطوة وزير الاقتصاد الألماني ونائب المستشارة الالمانية الذى وصفه بأن مصر تتحرك فى اتفاقياتها الاقتصادية بشكل أسرع من ألمانيا وهذا مؤشر جيد للاقتصاد المصرى.
وكشف عن مشروع جديد مع الجانب الألمانى فى مجال البنية التحتية ، ومنها تطوير الموانئ حيث تم الاتفاق على تطوير ميناء شرق التفريعة بمبلغ 20 مليون جنيه».
وكشف السيسى عن أن مصر تمكنت من حل مشكلة الغاز المسال بنسبة 60% وأنه تم إنشاء محطة محمولة على سفينة متنقلة وفرت لمصر هذه النسبة من الغاز.
وقال إن هناك مشروعات جديدة للبتروكيماويات والأسمدة والأسمنت، بالتوازى مع استمرار خطة تطوير الطرق والكبارى التى ستكتمل بخمسة آلاف كيلومتر خلال عامين.
وأكد الرئيس حل نسبة كبيرة من أزمة الكهرباء بدليل أن هناك تحسنًا نسبيًا فى ذلك ، وقال إن وزير الكهرباء محمد شاكر المرقبى سأله منذ 8 أشهر ما إذا كان «بجد عايز يحل مشكلة الكهرباء» مما يعكس ضخامة المشكلة وسوء مستوى البنية التحتية لها.
وقال إن الدولة أمامها خريطة ضخمة من المشروعات بعد افتتاح مشروع قناة السويس الجديدة فى 6 أغسطس المقبل.
فى الوقت الذى انتقد الرئيس فيه حجم التقصير فى توصيل رسالة مصر للخارج ، طالب أبناء الجالية المصرية بالقيام بدور فعال ومؤثر لتوضيح صورة مصر الحقيقية فى الخارج لأن رسالة مصر لم تصل للشعب الالمانى على مدار عامين.
وفى نفس الوقت طالب الرئيس المصريين المقيمين فى الخارج بقضاء عطلاتهم السنوية فى مصر قائلاً: «لو 20% من المغتربين نزلوا أخذوا إجازاتهم فى مصر، سيؤدى هذا لانتعاش السياحة».
لاقت زيارة الرئيس السيسى لألمانيا اهتمامًا كبيرًا من وسائل الاعلام المحلية والاجنبية ، حيث رافق الرئيس أحد أكبر الوفود الاعلامية فى زياراته الخارجية ضم ما يقرب من 70 صحفيًا وإعلاميًا.
لكن واجه الاعلام المصرى حملة هجوم كبيرة من الاعلام الالمانى وأيضا على الرئيس السيسى، وكانت تغطية كثير من الصحف سلبية، حيث بدت كثير من وسائل الاعلام الالمانى أكثر انحيازا للاخوان، وهو ما دفع كثيراً من الاعلاميين المصريين لمبادلتهم الهجوم أيضًا على مواقفهم.
وعند مطالبة أحد أعضاء الجالية المصرية بالخارج الرئيس بالتصدى لما ينشره الإعلام الألمانى عن مصر، أجاب السيسي: «لن نستطيع إرضاء العالم كله، لأن القضية ليست مجرد استبيان للحقيقة والواقع، بل هناك مصالح وأمور أخرى، وهناك من يظن أن الحل هو انهيار مصر».
 12 اتفاقًا استراتيجيًا مع المجر 
وبختام فعاليات زيارة برلين المهمة ونتائجها، اتجه السيسى الى العاصمة المجرية بودابست حيث عقد سلسلة مباحثات ولقاءات مع الرئيس ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان ومنتدى الاعمال، بجانب الجامعة الوطنية للخدمات العامة التى منحت الرئيس الدكتوراه الفخرية.
ولكن تميزت زيارة المجر بعدد من الرسائل والاتفاقيات الاستراتيجية مع دولة  أوروبية مهمة تضمنها البيان المشترك للرئيس السيسى وفيكتور أوربان​ رئيس وزراء المجر هى :
-  تعميق مستوى علاقات التعاون بين البلدين فى المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والعلمية، فضلاً عن تحقيق التواصل الشعبي
-   إجراء حوار سياسى واستراتيجى رفيع المستوى بشكل منتظم
-   رحب الجانب المجرى بنجاح مصر فى تحسين الوضع السياسى والاِقتصادى والأمنى، كما أعرب عن دعمه السياسى الكامل للسلطات المصرية فى جهودها المبذولة لمكافحة الإرهاب والتطرف.
-   تلتزم المجر، بوصفها دولة عضو فى الاتحاد الأوروبي، بدعم تطلعات مصر لتعزيز علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي وأعربت مصر عن استعدادها للتعاون مع الشركاء المجريين فى دول المنطقة العربية وأفريقيا. وأكد الجانبان أهمية التعاون الأورومتوسطي، وتأييدهما الكامل لجهود «الاتحاد من أجل المتوسط» لتحقيق النمو والتنمية الاقتصادية والاجتماعية. ودعم تنفيذ استراتيجية لمكافحة الإرهاب فى ليبيا بالتوازى مع الحوار السياسى وعملية المصالحة وتنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، لاسيما القرارين 2213 و2214. كما أعرب الجانبان عن تأييدهما لجهود مبعوث سكرتير عام الأمم المتحدة الخاص لليبيا، بجانب دعم المؤسسات الشرعية.