الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

التأمين الصحى يذبح أبناءه

التأمين الصحى يذبح  أبناءه
التأمين الصحى يذبح أبناءه




تحقيق – هبة حسنى

بين ضعف إمكاناتها وقلة عدد الأطباء فيها وكفاءتهم المحدودة وسوء الخدمة التى تقدمها للمواطنين وعدم توافر العلاج اللازم بها، فإن مستشفيات التأمين الصحى فى مصر تعانى من سوء الخدمات التى تقدمها للمرضى، مما يؤدى فى كثيرٍ من الأحيان إلى مضاعفة معاناة المرضى الذين يعتمدون عليها، حتى بين أبنائه من العاملين فى الهيئة، الأمر الذى يتضح جليا من  خلال التحقيق التالى.


المأساة الأولى
كان ينتظر أن يزف إليه الخبر السعيد بقدوم مولوده الثانى إلى الدنيا وعودة زوجته وأم إبنه الوحيد للمنزل لتكتمل فرحتهم، جهز لها جميع وسائل الراحة طوال فترة حملها وحينما حانت اللحظة المناسبة، وبدلا من أن يبشر بالمولود الجديد والذى سيكون له عينه الثانية لكونه ضريرا، خرج إليه الأطباء ليخبروه بوفاة الأم والجنين الذى لم ير النور، ولم يخرج من بطن أمه ليتحسسه قبل الرحيل وذلك قبل الولادة بسويعات قليلة.
هذه المأساة عاش لحظاتها وتفاصيلها وائل طلعت مغازى- 41 عاما – وقال: زوجتى رضا على سليمان - 36عاما - كانت تعمل إدارية بمستشفى التأمين الصحى منذ 8 سنوات، ولم تكن تشكو من أى أمراض، وأنجبت طفلنا الأول (على) منذ عامين، وكانت طبيعية جدا، ولم تتألم من أى شىء ثم جاء حملها الثانى، وأجرت بعض التحاليل والفحوصات الشاملة بمستشفى التأمين الصحى للاطمئنان على سلامة حملها، وجاءت النتيجة لتوضح تأثير الحمل بشكل طفيف على عضلة القلب، فلم نكتف بذلك وعرضناها على طبيبة من العاملين بالمستشفى ولكن فى عيادتها الخاصة والتى أكدت بدورها أن ذلك التأثير سينتهى بمجرد ولادتها، ولا يشكل لها أى خطورة عليها وعلى الجنين، ولا تستدعى حالتها حجزها بالمستشفى قبل الولادة بل على العكس ستلد ولادة قيصرية وتخرج فى ذات اليوم، وزيادة فى الطمأنينة عرضناها على طبيب آخر، أكد أنها بحالة صحية جيدة ومن الممكن أن تلد طبيعيا فى حالة ممارسة بعض تمرينات المرونة.
واستطرد: انتهت شهور حملها ولم تشك أى مضاعفات غير طبيعية، وفى شهرها التاسع توجهنا لمستشفى شبرا للتأمين الصحى والذى وضعت فيه مولودها الأول، وللأسف لم يكن مجهزا لأن الرعاية المركزة بها تحت الصيانة، فتوجهنا لمستشفى المقطم للتأمين الصحي، وأخبروها أن آخر موعد لولادتها منتصف شهر مايو وأن عليها الحضور للمستشفى قبل ذلك لأنهم سيحجزونها لمتابعتها تمهيدا للولادة، ولتفادى أية مضاعفات للقلب أثناء الجراحة، وبالفعل دخلت المستشفى يوم 5 مايو إلى أن توفيت يوم الخميس 14 مايو، وطوال 10 أيام قاموا بنقل عدة أكياس دم لها وتم حقنها بأمبولات للسيولة تحت الجلد، وطوال تلك الفترة لم نكن نتركها وحيدة وكان أشقاؤها الذين يعملون أيضا فى التأمين الصحى يزورونها يوميا وكانت حالتها الصحية جيدة ومستقرة.
والتقطت أطراف الحديث شقيقة المتوفاة سعاد على سليمان عطية -41عاما - وتعمل بالتأمين الصحى منذ 19 عاما لتقول: تلك الفترة التى احتجزها فيها الأطباء لم تكن بسبب حالتها الصحية وإنما بسبب غياب التنسيق، فإما أن طبيب القلب غير موجود أو الموعد لا يتناسب مع طبيب التخدير أو أخصائى النساء والتوليد غير موجود، وبالتالى كان التأجيل يوميا بسبب تلك الحجج غير المبررة، ثم كان يوم الوفاة أن أخبروها أنها ستلد وتوقفت حقن السيولة ومنعوها من الطعام والشراب تمهيدا للولادة، وحينما حانت اللحظة أخبر طبيب التخدير الممرضة بتعليق كيس دم لشقيقتى دون إجراء أى فحص كما قاموا بحقنها بحقنة السيولة تحت الجلد معللين أنها تمنع الجلطات أثناء الولادة، وبالتالى تأكد للمرة العاشرة تأجيل الولادة وبعد نقل كيس الدم بالكامل كان بصحة جيدة وتوجهت للكافيتريا وحدها.
بعدها تدهورت حالتها بالكامل ووفقا لحديث المقيمين معها بالغرفة، أصابها قئ دموى ونزيف وتحول لونها للأزرق الشاحب، ودخلت الرعاية المركزة، وتوجهنا على الفور للمستشفى وأبلغنا الأطباء أن قلبها توقف مرتين وأصيبت بجلطة رئوية تسببت فى وفاة الجنين داخل بطنها، وقد حاولوا استدراج القلب للعمل بالصدمات الكهربائية، ودخلت وقتها العناية المركزة دون أن يمنعنى أحد أو يطلب اتباع إجراءات مكافحة العدوى، وجدتها شاحبة ومستلقية على سرير تشبه الموتى، وكانت تهتز بشكل غير طبيعى تنازع سكرات الموت، وهى موصلة بأجهزة التنفس الصناعى، وملابسها غارقة فى الدماء.
وتضيف: لم أجد طبيبا أو أحد أطقم التمريض فى رفقتها بالرعاية، علما بأن حالتها كانت بالغة السوء وتستوجب وجود الطبيب إلى جوارها، فهرعت إلى غرفة التمريض الملحقة بالرعاية وما أن أزحت الستار الفاصل بين أختى التى تنازع الموت وملائكة الرحمة «التمريض» حتى وجدتهن يرسمون على أيديهن التاتو بأقلام الجاف ويضحكون غير مباليات بالمريضة التى تموت بالخارج، وقلن أن المريضة نزلت من غرفتها على تلك الحالة ولم تتحسن ثم صرخن قائلات (فيه 3 حالات حرجة إنتى مش هتعلمينا شغلنا) وطردننى إلى الخارج، ووقتها كفاءة القلب كانت تسوء إذ وصلت إلى 30%.
وكان طبيب الرعاية المركزة فى ذلك الوقت يتحدث فى الهاتف بعد أن أيقظه مدير المستشفى من النوم، واقترحنا نقلها مستشفى آخر لإنقاذها فأجابونا (لو نقلتوها عناية مركزة فى أمريكا مش هيعملوا أكتر من اللى إحنا عاملينه) وما أن خرجنا من غرفة الرعاية حتى وجدناهم يطلبون حضور أحد أقربائها.
وبدموع الزوج الكفيف الذى فقد قرة عينيه التى يرى بها ومصدر معاش الأسرة الوحيد، روى لنا «وائل» نهاية مأساته فيقول:
 حرمنى إهمال الأطباء من زوجتى التى كانت تعوضنى عن عجزى وحرمونى من رؤية ابنى الذى دفنته ووالدته بيدى قبل أن يخرج إلى النور، ورفضت استلام الجثة وتوجهت على الفور لقسم السيدة زينب بمرافقة أخيها لتحرير محضر لإدانة إهمال الأطباء بالمستشفى، وتحدثت إلى وكيل النيابة فحرر المحضر، وسألنى عن أسباب الوفاة، وأنه سيأمر بتشريح الجثة لبيان سبب الوفاة وأخذ عينة من الطفل بمعرفة الطب الشرعى، وتشاورنا قليلا ثم قررت أن أسترها بالدفن،  وتنازلت عن المحضر وطلبت معرفة أسباب الوفاة فطلبت منه أن يرافقنى أحد الأطباء لمعرفة أسباب الوفاة.
وأرسل معنا محضر تحقيق لمفتش صحة السيدة زينب «حصلت روزاليوسف على نسخة منه»  لتوقيع الكشف الطبى على المتوفاة لبيان ما اذا كانت الوفاة طبيعية ام أن بها شبهة جنائية خاصة بعد أن أوضحت له أن كل ما يخص فقيدتى اختفى بما فى ذلك ملفها الطبى، وشاركت فى ذلك مسئولة التأمين الصحي، والتى وصلت للمستشفى فى لمح البصر بمجرد علمها بالوفاة وظلت تطالبنا بالتنازل عن المحضر لأنها تعتبر المتوفاة واحدة من بناتها، وهى من ستتصدى لأخذ حقها وبعد التنازل عن المحضر، أبلغتنا أن الأمر تحول للتحقيق فى رئاسة الهيئة التى خلصت إلى أن المتوفاة حذرها الأطباء من الحمل لخطورته وأنها كانت فى شهرها الخامس وتعرضت للإجهاض وهو ما يخالف الحقيقة.
هنا تدخل فى الحوار زوج شقيقتها الذى يعمل أيضا فى التأمين الصحى وقال: لم يعاين الجثة أى طبيب بالصحة، رغم استخراج تصريح دفن الجثة دون توقيع من مسئول الصحة وكونه ممهورا بختم النسر، وكانت المتوفاة تنزف حتى اللحظة التى دفنت فيها، ويؤكد تلقيه تهديدات كثيرة تحذره والأسرة من النبش فى أسباب الوفاة، وفى النهاية كانت السدة الرئوية هى المتهم الرئيسى كما جاء فى شهادة الوفاة.
المأساة الثانية
راح ضحيتها طفل صغير لا يتعد عمره ال 4 أشهر، ويعمل والده أحمد الشافعى - 43 عاما - موظفا بالتأمين الصحى فرع القاهرة كذلك الحال بالنسبة لوالدته، ووقعت أحداث تلك المأساة فى حضانة الأطفال التابعة للتأمين الصحي، وفى أحد الأيام تركت الوالدة طفلها الرضيع «عمر» بعد دخوله الحضانة الساعة 8 صباحا، ثم عادت لتطمئن عليه بعد ساعة فوجدته مقلوبا على و جهه ومختنقا نتيجة الإهمال، ولم تجد أى من المشرفات فى المكان، ولم يكن هناك سوى عاملات النظافة فقط، ورفضت الحضانة تحديد أسباب الوفاة، واستخرجت شهادة وفاته غير محددة الأسباب، وبعدها فوجئنا بمدير مكتب صحة الأزبكية فى موقع الحادث، وأقر بأن الوفاة طبيعية.
وتوجهنا لمصلحة الطب الشرعى ولكنهم أخبرونا أن المصلحة لا تتعامل مع أشخاص وإنما مع هيئات، وأحد الموظفين نصحنا بأن أى إجراء سيؤدى إلى تشريح جثمان الطفل، وإن ثبت الإهمال لن نحصل سوى على تعويض بسيط، فرفضت والدته تشريح الجثة.
المأساة الثالثة
حصد الموت حياة 7 أطفال مرضى بسبب عدم مقدرة أسرهم على العلاج، فيما ينتظر 10 آخرون مصيرهم كسابقيهم، حيث يعانون من نفس المرض ولا يجد أسرهم تكاليف علاجهم، فضلا عن عدم إدراج العلاج الخاص بهم بهيئة التأمين الصحى على الرغم من الدعاوى القضائية التى ألزمت الدولة وهيئة التأمين الصحى بتوفير العلاج، وهم مصابون بمرض نادر معروف علميا باسم «ميكوبوليكسيرأيدوزس» وهو مرض وراثى نادر يتسبب فى تضخم بالكبد وانحناء فى العمود الفقرى وفقدان السمع وضعف النظروعتامة بالقرنية وتيبس بالمفاصل وعدم القدرة على الحركة وقصور بعضلة القلب  «الأطفال المرضى وأسرهم يعيشون بمحافظة الدقهلية ولم تفلح صرخاتهم  فى أن تجد العلاج لأبنائهم.
ويقول محمد أحمد ربيع أب لطفلتين مصابتين حاليا الأولى إيمان 15 سنة مريضة منذ ولادتها وبسمة 5 سنوات، كما توفيت ابنة ثالثة اسمها سارة عندما أصيبت بالمرض، وتابع قائلا: «أنا نفسى أعالج عيالى حتى لو هيموتوا بس يشوفوا يوم راحة وآخذ حقهم» وتضيف زوجة محمد ربيع، توفيت ابنتى بنفس المرض ولا أرغب فى أن تلاقى ابنتيا المصابتين بالمرض نفس المصير.
ويقول على عامر – موظف - أصيب ابنى الوحيد محمد بالمرض ورفعت دعوى قضائية عندما اشترطت هيئة التأمين الصحى  وجود حكم قضائى  يلزمها بعلاجه، وعندما حصلت على الحكم رفضت الهيئة علاجه، فحينما أرسلنا إلى الصحة طلبا للعلاج على نفقة الدولة فجاء الرد بالرفض لأن العقار غير مسجل بها.
وجاء فى الأحكام القضائية التى رفعها الأهالى قبول دعاوى الأسر الشاكية ووقف القرار السلبى بامتناع الهيئة العامة للتأمين الصحى فرع المنصورة عن صرف الدواء، وإلزام الجهات المسئولة بتوفير العلاج.
سألنا د. سهير عبدالحميد – مدير فرع التأمين الصحى فرع القاهرة – عن حالة الضحية «رضا على سليمان» فأكدت على أنها حصلت بالفعل على ملفها، من أجل التحقيق فى الواقعة برئاسة الهيئة، وتم إحالته للنيابة العامة، وذلك للفصل بين أقوال الأطباء وأقوال أقربائها للوصول إلى المتسبب فى الوفاة، ومعرفة ما إذا كانت هناك شبهة جنائية  أم الوفاة طبيعية، مؤكدة على أن الهيئة لن تتستر على مخطئ وسوف تتم محاسبة المسئول المهمل فى حالة ثبوت التهمة عليه.
مؤكدة على أن الهيئة لا تتستر على التقصير، ولا تقبل بالأخطاء، وتسعى لتجويد الخدمة الصحية للمرضى.