الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

هكذا تمرُّ ذاكرتى على الأشياء

هكذا تمرُّ ذاكرتى على الأشياء
هكذا تمرُّ ذاكرتى على الأشياء




لا أنتِ من شجر ِالبلادِ
ولا أنا مُتواطئٌ
خمسون ألف حديقةٍ
وينامُ قلبٌ فى العراءْ
أنا أشبِهُ التاريخَ حينَ
تمرُّ ذاكرتى على شجرٍ عجوزٍ
مثلما أتذكَّرُ الآن النشيدَ وثورتى والأنبياء
تمرُّ ذاكرتى على الأشياءِ
أفتتِحُ النشيدَ ولا أغنِّى!
أنْحَنِى للأنبياءِ ولا أصلّى!
وحدَها الثوراتُ
تصحبُنى إلى حاناتِها
لنصيرَ عُشاقاً
أنا ورفاقىَ الأحرارُ
أعرفُ حانةً أخرى
هنالك عند أطرافِ المدينةِ
لا تليقُ سِوى بحزنكِ واحتفالِكِ
فاذهبى خلفَ الجموعِ، وراقصى مَنْ شئتِ
ثَّمةَ ثورةٌ كُبرى بلا «جنرالَ»
يُلْقِى كُلَّ أعدائى - الذين كرهتُهم - فى البحرِ
أنتِ مَدِينةٌ لى بانفجارى
كنتُ أبدو مثل درويشٍ
تبدَّدَ وعيُه
فى حلْقةِ الذِّكرِ الأخيرةِ
قبل أن يمضى به المتصوفونَ
إلى الحقيقةِ
أيُّنا سيكرِّرُ المأساةَ:
أنتِ أمْ القصيدةُ ؟!
لم أكُنْ من قبلُ ثورياً
ولكنِّى هتفتُ لعسكرىٍّ واحدٍ!
وتميمةُ الشعراءِ تنزفُ من يدى
وعلى جبينى غُصنُ زيتونٍ وماء
مثل تاريخ البطولاتِ القديمةِ
واحتفالاتِ القبائلِ
كانَ يمكنُ أنْ أغنِّى
أنْ أسوقَ الشمس ناحيةَ الخرائبِ
أنْ أقدِّمَ وردةً لمقاتلينَ
وأنتِ واقفةٌ على رمل الفجيعةِ
ترقُبينَ ملامحى
وطقوسَ حفلى!
وحدَهُ
كان المُغنِّى فى بلادى قادراً
أنْ يُمسِكَ الثوراتِ فى موَّالِهِ
ويعيدَ مرَّاتٍ نداء الصبرِ:
(يا لَيْلِى)
ويا وطنى
أنا هذا الفدائيُّ الشهيدُ
خرجتُ من رحِمِ الأناةِ مُضرَّجاً
وبكيتُ أرضى، واشتهيتُ منازلي
فمتى أعودُ مُفَخَّخاً
أشتمُّ رائحةَ احتراقى؟
خلفيَ الحجرُ المراوغُ
طفلةٌ تبكى ، وأشجارٌ تموتُ
موزَّعٌ جسدى
ومورِقَةٌ دِمائى
لم أعدْ أنا ذلكَ الدرويشَ
كيف أدسُّ بين قصائدى خمسين سنبلةً وصيفْ!
والناسُ جوعى والبلادُ
وفى يدِ الثوارِ قُنبلةٌ وسيف!
منذ خمسين انفجاراً
مرَّ ثوريون قُدَّامَ المحطةِ
(كلُّ ثورىٍّ سيذكرُ
مرةً أو مرتينِ على الأقلِّ جراحَنا)
بَيْنَا هنالكَ
كنتُ أنتظرُ القصيدةَ
مُثقلاً بالوقتِ
والتفكيرِ فى تلكَ الخطيئةِ
(كيف تُنتَظرُ القصائدُ هكذا ؟!)
وأنا مَدِينٌ للبلادِ بشهوةٍ ؟
هل صوَّبوا هُم نحوَ عينىَّ البنادقَ؟
أم رفعتُ يدىَّ من تلقاءِ نفسى؟
أعلنَ الثوَّارُ أنى شاعرٌ
غادرتُ قافيتى ببيروتَ القديمةِ
وانضممتُ إلى ميلِشْياتِ التمرُّدِ
(مَرَّ من قبلى دمشقيونَ وانتحروا على الأبوابِ)
قالوا :
- مَنْ وراءَكَ ؟
- قلتُ حرفى
- والرفاقُ ؟
- موزَّعونَ على امتدادِ الجرحِ
من بغدادَ حتى مغربَ المجدِ المُطرَّزِ
مِنْ رَمادِ الأغنياتِ
ومن جنوني
سوف تكتشفين ذاكرتى
وتقتربين من منفىً بعيدٍ
كان شيَّدَهُ الطُّغاةُ
على حدودِ الروحِ
لا قلبى ولا أعضائيَ احترقوا
(هى الذِّكرَى)
تحلِّقُ وحدَها فوقَ البلادِ اليعرُبيةِ
قبل أن ألقى على بغدادَ عاصفتى ورَمْلى
كنتُ مُتَّكِئاً على التاريخِ
أنظرُ للعراقيِّ المحاربِ واقفاً خلفَ التلالِ
يطوِّحُ الثوراتِ
واحدةً فأخرى ..!
سبَّ من قبلُ الزعيمَ وصبَّ لعنتَهُ على القوميِّ
هاجرَ وابْتنَى عُشَّاً
وأوغلَ فى البهاءِ
وفى الخديعةِ
مَرَّ خمسونَ انفجاراً
والتى هى ثورةٌ تمتدُّ
مثل خُرافةٍ
صُنَّاعُها متورِّطونَ
وعاشقوها أبرياءُ
مَنِ الذى بَدَأَ النشيدَ العبقريَّ
العسكريون الطُّغاةُ؟
أم المُغنِّى؟