الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا

«سيد الوقت» ينزع القداسة التاريخية عن صلاح الدين الأيوبى!

«سيد الوقت» ينزع القداسة التاريخية عن صلاح الدين الأيوبى!
«سيد الوقت» ينزع القداسة التاريخية عن صلاح الدين الأيوبى!




كتبت - هند سلامة


هل من الممكن أن يبعث الله نبيا جديدا؟!! هكذا جادل الفقهاء، شهاب الدين السهروردي، لإقامة الحجة عليه بالقتل، ومن هنا انطلق المخرج ناصر عبد المنعم، فى عرض قضيته الجدلية، بالعرض المسرحى «سيد الوقت»، الذى يتناول سيرة أحد أبرز شيوخ المتصوفة فى عهد صلاح الدين الأيوبي، وهو «شهاب الدين السهروردي» والذى ظهر فى حلب، ولقب بالشيخ المقتول أو «سيد الوقت»، كما أراد أن يطلق عليه عبد المنعم فى عمله المسرحي، باعتباره كان سيدا للوقت الذى جاء فيه.
ففى أجواء صوفية، وإن كانت بسيطة للغاية، قدم العرض حالة اللغط الشديدة، التى احيط بها هذا الرجل، خاصة فيما يتعلق بفكره وفلسفته عن الدين، ومدى اعتراض المشايخ والفقهاء الرسمين للدولة عليه، وعلى ما يطرحه من أفكار فلسفية، وبالطبع اتهموه بالكفر والإلحاد، وتعرض السهروردى فى عصره لنفس الأزمة، التى يتعرض لها أى مجدد أو مفكر ديني، على مر عصور التاريخ، فلم يغفل العمل الإشارة، فى بدايته على لسان الشاب الراوى للحكاية، ذكر ما يتعلق بإضطهاد المفكر الأشهر، نصر حامد أبو زيد، بطرده خارج مصر، وكذلك قتل الراحل فرج فودة،، وهكذا تستمر المعارك الفكرية دائما، بين المفكرين الروحانين المجددين، وعلماء الدين، الذين لا يتقبلون أى فكر جديد مناقض، لما اعتادوا واعتاد الناس عليه.
«سيد الوقت» مأخوذ عن النص المسرحى «ليلة السهروردى الأخيرة»، للمؤلف فريد أبو سعدة، وكان واضحا من العمل، أن أبو سعدة اهتم وبشكل كبير، بالجانب الفكرى لهذه الشخصية، على حساب الجانب الروحانى لها، الذى لم يكن واضحا بالعمل المسرحى على الإطلاق، فالشيء الوحيد الذى قد يؤخذ على هذا العرض، رغم أنه قدم بحرفية فنية شديدة، إلا أنه لم يبرز بشكل واضح، الجانب الروحانى لهذا الرجل، الذى كان من المهم أن يتعاطف الجمهور، مع فكره وفلسفته ودعوته الروحية، خاصة والعرض يتناول شخصية صوفية بارزة، كما أنه حرص على تقديمها فى أجواء صوفية، باستخدام رقصات المولوية، وادخال مقاطع غنائية صوفية، وبعض من اشعاره، فكان من المهم أن ندخل أكثر فى أعماقه الروحية، لكن المخرج ناصر عبد المنعم يؤكد على وجهة نظره، «بأنه ليس بصدد تقديم عمل دينى أو صوفي، بل هو يقدم عملا سياسيا فى المقام الأول، يطرح مدى الحرب العقائدية، التى تنشأ دائما بين المفكرين المجددين وفقهاء عصرهم، فلم تكن تعنينى أفكاره الصوفية بقدر ما أردت استعراض ما تعرض له من اضطهاد على يد هؤلاء».
لم يقتصر العرض على استعراض النهاية المأساوية، التى تعرض لها السهروردي، على يد حاقديه، لكن ربما أبرز ما تميز به هذا العمل الشكل المختلف والجديد، على الدراما المصرية فى تناول شخصية صلاح الدين الأيوبي، الذى اعتدنا رؤيته فارسا مغوارا، ومخلصا، ودائما ما يتمنى البعض تكرار نموذجه اليوم، فى حين أن هذا الرجل، وبالحقائق التاريخية كان من أبرز المحاربين للفلاسفة والمفكريين، وهو ما تجرأ عرض «سيد الوقت» على طرحه وإبرازه، خلال الساعة المكثفة التى قدم فيها عبد المنعم الحرب، التى تعرض لها أمثال السهروردى على يد صلاح الدين، الذى أمر ابنه بقتله، وبالتالى ينسف العرض فكرة القداسة الدرامية والتاريخية، التى احيطت بهذه الشخصية، على مدار سنوات طويلة، بسبب المعلومات التاريخية المزيفة بالكتب المدرسية، وكذلك العمل السينمائى الأشهر «الناصر صلاح الدين» للمخرج الراحل يوسف شاهين، لكن هنا يقدم العمل، مادة فكرية وحقائق تاريخية مهمة، ربما حرم منها المصريون لوقت طويل، وذلك بمساعدة أبطال العمل المتميزين، وعلى رأسهم تامر نبيل الذى لعب شخصية ابن صلاح الدين، وتميز تامر فى أدائه لهذه الشخصية الحائرة، بين اتباع السهروردي، وطاعة أوامر أبيه الصارمة، فبين لحظات الخوف والضعف، التى كان يعيشها هذا الرجل، قدم نبيل شخصية الملك الظاهر، بإتقان ممثل محترف للأعمال التاريخية، فكان من أفضل أبطال العرض على الإطلاق، يليه وائل إبراهيم الذى لعب شخصية السهروردي، وشاركهم بالتمثيل كل من سامية عاطف، ومعتز السويفي، وحسن عبد الله، وصلاح السيسي، ومحمود الزيات والأطفال زياد ايهاب وحازم عبد القادر.
جدير بالذكر أن «سيد الوقت»، هو أبو الفتوح يحيى بن حبش بن أميرك السهروردي، ويلقب بـ «شهاب الدين»، واشتهر بالشيخ المقتول تمييزاً له عن صوفيين آخرين، يحملون نفس الاسم، وهو فيلسوف إشراقي، شافعى المذهب، ولد فى سهرورد، الواقعة شمال غربى إيران، وقرأ كتب الدين والحكمة ونشأ فى مراغة، وسافر إلى حلب وبغداد، كان من كبار المتصوفة فى زمانه، ومن أفقه علماء عصره بأمور الدين والفلسفة والمنطق والحكمة، جمع بين عدة توجهات فلسفية من اليونان ومصر وغيرهما، كنماذج فلسفية لتوضيح الفلسفة الإشراقية، فلما أتى إلى حلب، وناظر بها الفقهاء كثر تشنيعهم عليه، وعملوا محاضر بكفره وسيروها إلى دمشق إلى الملك الناصر صلاح الدين، حيث كان مقتله بأمر منه، بعد أن نسب البعض إليه فساد المعتقد، وتَوَهم صلاح الدين أن السهروردى يفتن ابنه بالكفر والخروج عن الدين، فبعث إلى ابنه الملك الظاهر بحلب، كتابا فى حقه، بأن هذا الشاب السهروردى لا بد من قتله، ولا سبيل أن يطلق ولا يبقى بوجه من الوجوه، لكن اختلف فى موته، فمنهم من ذكر أنه قتل عن طريق الجوع، ومنعه من الطعام، ومنهم من قال إنه قتل بالسيف، كما قيل إنه أحرق، لكن اجتمع المؤرخون على أنه حكم عليه بالإعدام، بتهمة الإلحاد والزندقة.