الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

«ملائكة الرحمة» بين الهروب من تشويه السمعة.. وإصلاح التمريض

«ملائكة الرحمة» بين الهروب من تشويه السمعة.. وإصلاح التمريض
«ملائكة الرحمة» بين الهروب من تشويه السمعة.. وإصلاح التمريض




تحقيق : علياء أبو شهبة - نهى عابدين
تتجول بين أسرة المرضى بثياب مهلهلة حاملة طفلتها بيدها اليسرى وتباشر رعاية المرضى باليد الأخرى، تتهم بالتقصير دائما، وأمام ضعف الأجور واضطرارها للعمل تبقى معاناة سامية عبدالنبى الممرضة بمستشفى حميات العباسية، والتى تعبر عن معاناة الآلاف من ملائكة الرحمة.
حال الممرضة سامية التى لا تستطيع تحمل نفقات الحضانة لابنتها شهد، لا يختلف كثيرا عن حال آلاف الممرضات اللاتى تضطرهن الظروف لاصطحاب أطفالهن أثناء العمل الذى لا يسمح فيه بذلك.

«روزاليوسف» رصدت فى هذا التحقيق مشاكل منظومة التمريض فى مصر، لأن الملقبات بـ«ملائكة الرحمة» يعانين من مشكلات اقتصادية وثقافية ومهنية وأخلاقية أيضًا، وهو ما يجعل من التمريض نقطة ضعف أساسية فى تدنى منظومة الرعاية الصحية.

وفقًا لآخر إحصاء أعلنه الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء تبلغ أعداد هيئات التمريض 120 ألفًا، وتعانى مصر من نقص شديد فى أعدادهم، وعدد كبير منهم يعمل فى القاهرة الكبرى وحدها، وعجز شديد فى المحافظات الأخرى، ويعمل عدد آخر بدون ترخيص مزاولة المهنة.
فتدنى الأجور وضعف المعاش، وطول مدة النوبتجيات والتعرض للتحرش والبلطجة، وتدنى التعليم، وسوء سمعة المهنة نتيجة الثقافة المتوارثة تجاه المهنة، يؤثر على الإقبال على دراسة التمريض.
وقالت نادية إسماعيل - ممرضة بمستشفى سيد جلال - إن بدل الإصابة بالعدوى بسيط جدا فى مقابل ما يتعرضن له من مخاطر تعرضهن للإصابة بالأوبئة والأمراض فى ظل الافتقاد لوسائل التوعية والوقاية.
نهلة أبوالعلا - طالبة فى السنة النهائية من كلية التمريض جامعة عين شمس - قالت إن عدد الدارسات لا يتجاوز 50 طالبة، مشيرة إلى وجود طلاب ذكور أصبحوا يقبلون على دراسة التمريض لأن فرص العمل متوافرة فيه، وأشارت إلى سعادتها بمهنتها بشرط ألا يمنعها إلحاح أهلها على الزواج من الاستمرار فيها.
بصعوبة شديدة بعد أن أنهكتها آلام العظام تحاول «أم فتحي» الصعود السلم للوصول إلى عنبر الجراحة فى مستشفى المنيرة العام، وهى سيدة فى منتصف العقد الخامس من عمرها، شاركت زميلاتها من قبل فى احتجاجهن للمطالبة بتطبيق قرار الحد الأدنى للأجور عليهن، لكن لم يتغير شيئا، وأوضحت أنها مستمرة بالعمل لضمان الحصول على معاش مناسب.
انشغلت هناء مرتضى، الممرضة فى مستشفى المنيرة فى حياكة ملابسها فى غرفة استراحة الممرضات قبل بداية عملها، وأشارت إلى أنها لا تمتلك إمكانية شراء زى على نفقتها الخاصة، فتضطر لإصلاحه كلما أمكنها ذلك، وقالت: الراتب لا يكفى متطلباتى خاصة أن المستشفى بعيد عن إقامتى فى العاشر من رمضان، كما أن مصروفات أبنائى الثلاثة تلاحقنى، وفشلت جهودى فى نقل مقر عملى إلى مستشفى قريب من منزلى، وحول الاتهام بالتقصير فى الرعاية الصحية للمرضى قالت: « يوجد تقصير لأن العمل كتير، وعددنا قليل، والطبيب يمر فى الصباح ويغادر بعدها لعمله فى المستشفيات الخاصة».
النظرة السلبية لمهنة التمريض، هى ما دفعت الممرضة الأربعينية «إعتدال» إلى الحصول على إجازة بدون راتب من عملها الذى مر ما يقرب من 20 عاما على عملها فيه، وقالت وهى تحمل رضيعها «ماجد» إن زوجها اشترط عليها قبل الزواج ترك عملها، نظرًا للسمعة السيئة لمهنة التمريض والتى تضطرها للمبيت خارج المنزل، فضلا عن الظلام الدامس المسيطر على مستشفى حميات العباسية التى تعمل فيها فى الفترة المسائية.
واعتبرت أم سيد، الممرضة الخمسينية فى مستشفى المنيرة العام، نقص التدريب والدور الضعيف والمتخاذل لنقابة التمريض، هما أهم مشاكل الممرضات فى مصر، حيث ينعكس من جانب على أداء الممرضات والذى يعانى القصور، فضلا عن عدم وجود كيان كبير يدافع عن حقوقهن ويساعدهن على المطالبة بها، مثلما يفعل الأطباء.
وأوضح الدكتور عبده السويسى، مدير برنامج تطوير أداء التمريض فى جنوب الصعيد، أن التدريب شمل 17.5% من إجمالى التدريب فى محافظات قنا والأقصر وأسوان، حيث تم تطبيق البرنامج فى 62% من المستشفيات و45% من الإدارات الصحية الموجودة بها، والتى حققت 79% من النتائج المرجو تحقيقها، بالإضافة إلى نجاح البرنامج فى تدريب مدربين محليين من أجل التواصل فى تقديم التدريب.
وأصبح احتياج الدولة من الممرضات يفوق عدد خريجى كليات التمريض من مختلف الجامعات على مستوى الجمهورية على الرغم من قبول الكليات عدد طلاب أكبر من الطاقة الاستيعابية لها فى بعض الاحيان هكذا بدأت د. بسمات عمر - عميد كلية تمريض جامعة القاهرة سابقًا - حديثها مشيرة إلى أن هناك مراعاة بأن يكون عدد المقبولين للالتحاق بالدفعات الجديدة لا يخل بالكفاءة والجودة التعليمية لأن كليات التمريض ذات طبيعة خاصة.
واستكملت حديثها مؤكدة ان عدم وجود قانون لمزاولة مهنة التمريض حتى الان يمثل كارثة حقيقة فالوضع الحالى يُمكن أى شخص بالعمل كممرض مما يعرض حياة المريض للخطر لذلك يجب على الدولة الارتقاء بالمهنة وتطويرها وتوفير عائد مناسب للممرضات سواء معنوياً أو ماديًا مع مراعاة خصوصية المهنة، فهناك من يجبرن على العمل «شفتين» متتاليين أو القيام بمهام ليست جزءًا من مهنة التمريض مثل الأعمال الكتابية.
وفيما يتعلق بالجدل المثار حول سنة الامتياز التى يشترط حصول الطالبة عليها بعد التخرج فى الجامعة أكدت د. بسمات أن سنة الامتياز جزء لا يتجزأ من البرنامج التعليمى للطلاب وهى أسلوب معتمد فى العالم بأكمله، ونحن نبحث عن التنافسية العالمية فى هذا المجال، فالحديث عن إلغائها لن يساعد فى تحسين العملية التعليمية وإخراجها بشكل صحيح.
وأضافت د. بسمات إنه من المفترض أن يتحول التمريض بحلول عام 2020 إلى مستوى تعليمى واحد فقط وهو البكالوريوس فأحد أسباب عزوف الطالبات الجامعيات عن الالتحاق بالعمل فى التمريض هو مساواتهن بعد دراسة 5 أعوام بالحاصلات على الثانوية العامة.
وأوضحت د. عفت كامل - مدير عام تمريض سابق - أن هناك خطة استراتيجية بوزارة الصحة منذ عام 1995 من شأنها تحسين مستوى التمريض تعليمياً ومهنياً ولكن الكثير منها لم ينفذ حتى الآن، ومن أبرز المشاكل التى نطالب بإيجاد حلول لها تعدد الفئات العاملة بالتمريض ونقص الجودة التى تسببت فيها ما يسمى بـ« المدارس الاعدادية متسائلة كيف نترك المريض لممرضة مازالت طفلة دخلت إلى المهنة بعد حصولها على الإعدادية؟».
واستطردت: «وضعنا سياسة لرفع سن الممرضة لتكون حاصلة على الثانوية العامة إلى جانب تزويدها بدراسة تخصصية لمدة عامين بعد ذلك على سبيل المثال دراسة تخصص تمريض حالات الولادة أو وفقًا لاحتياجات الدولة ومتطلبات الخدمة الصحية ولكن على  الرغم من التصريحات الحكومية حول إلغاء نظام المدارس الإعدادية إلا أنه لا يوجد قرار حازم حتى الآن لوضع حد لتلك المشكلة.
بينما تؤيد حميدة حسين، أستاذ بمعهد تمريض الزاوية، استمرار نظام المدارس الإعدادية، وأوضحت أن الممرضات بمستشفيات الدولة يحتاجن إلى رعاية حقيقية، فعجز الامكانيات بالمستشفيات عبء يقع على عاتقهن، فهناك مستشفيات لا توجد بها سرنجة أو كحول ما يسبب فى زيادة نسبة الاعتداء عليهن من قبل المرضى وذويهم، بالاضافة إلى عدم توافر أماكن مبيت آدمية لهن ولا يحصلن على وقت للراحة خلال ورديتهن بالتبادل.
عجز أعداد الممرضات بالمستشفيات التابعة للدولة أمر فى غاية الخطورة لاسيما بالمستشفيات الجامعية التى وصل العجز بها إلى 8 آلاف ممرضة علاوة على أن هناك ما بين 10 و 20 ألف طالب يتخرجون سنويًا من كليات ومعاهد التمريض دون الاستفادة منهم بشكل فعلى هذا ما أكدته د. كوثر محمود - رئيس الإدارة المركزية للتمريض بوزارة الصحة نقيب التمريض - قائلة: «ارتفاع نسبة العجز بسبب عدم وضع دراسة جدوى والاهتمام بالمبانى وإعداد سليم للقوى البشرية ما يجعل المهنة طاردة نظرًا لأعباء العمل الزائدة ونقص الإمكانيات والرعاية المتوافرة للعاملات بالتمريض وتم إرسال مقترح لتطوير منظومة التمريض لرئاسة الجمهورية ومازلنا فى انتظار الرد عليها.
وأشارت كوثر إلى أن هناك محاولات لمعالجة مشكلة الأجور والحوافز الضعيفة، وحصلنا على وعد برفع أجور الممرضات ومساواتهن بحوافز العاملين بوزارة الصحة فى شهر يوليو المقبل لمحاولة مواجهة هجرتهن سواء داخليًا للعمل بالمستشفيات الخاصة أو خارجيًا للعمل بالدول العربية.