الثلاثاء 7 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

المعارضة وثقافة الاعتراض المفقودة

المعارضة وثقافة الاعتراض المفقودة
المعارضة وثقافة الاعتراض المفقودة




كتب: محمد محيى الدين حسين
«إنى أعترض»، جملة تتكرر فى عدد من المسرحيات الهزلية حين يرفع الممثل صوته ويده مرددا اياها وعندما يسأل عن سبب اعتراضه لا يعرف لكنه يقرر أنه يقلد بعض المثقفين الذين يعترضون على كل شىء وأى شىء دون أن نعرف فى أغلب الاحوال السبب فى اعتراضهم او الدافع الحقيقى وراء اعتراضهم مع عدم طرحهم لبدائل مدروسة بعيدا عن العبارات المطاطة أو استعراض البلاغة اللفظية والجوفاء.
إن المتابع للساحة السياسية فى مصر بجميع اطيافها يجد ان الآراء فيها إما إنها مؤيدة بتطرف أو معارضة بشدة، وفى كل الاحوال تتراوح بين المدح المبالغ فيه أو الهجاء اللاذع أما المعارضة الحقيقية بمفهومها الصحيح فيبدو اننا لم نعرفها بعد.
إن معرفة كيف نعترض ومتى نعترض وحتى أسلوب الاعتراض تعد جميعها مسائل غامضة فى ادبيات الممارسة السياسية المصرية والعربية فما إن يختلف كاتب أو صاحب رأى مع حكومته  إلا ويبدأ فى الهجوم العنيف عليها وقد يتطاول هذا الهجوم على الحياة الشخصية لقياداتها والتشكيك فى ذممهم المالية بهدف كسب نقاط دون النظر الى النتائج السلبية لهجومه على الوطن أو المواطن.
وحتى نكون منصفين فإن كثيرًا من الحكومات تضيق بالاعتراض أو الاختلاف فى الرأى والمعارض لديها هو بشكل او آخر عدو لها ومن ثم فإن التيارات السياسية فى العالم العربى منذ مئات السنين تتراوح بين تيارات مؤيدة لكل ما يفعله أو يقرره النظام وأخرى معارضة له لا ترى أية جوانب ايجابية له. حتى رموزالتاريخ لم نعد نعرف وجهها الصحيح بموضوعية وحيادية فقد ضاعت منا الحقيقة بين مؤرخ يمدح وآخر يهجو ومرة أخرى فالأمثلة كثيرة فى التاريخ القديم والحديث والنتيجة فقد نشأت أجيال غائبة أو مغيبة عن تاريخها.
الكثير منا مازال يمارس المعارضة ليس على أنها اختلاف فى الرأى يمكن ان يتم التحاور حوله ولكن كمعركة مع المعترض عليه يسمح فيها كل طرف لنفسه باستخدام جميع الوسائل الممكنة من تشهير وسب وقذف بهدف القضاء على الطرف الآخر حتى تصل فى ذروتها الى ما اصطلح عليه فى القاموس السياسى بـ»التصفية المعنوية» باستخدام سلاح التشهير والشائعات الكاذبة.او الجسدية، وما زلنا نتذكر أنه عندما اختلف الفرقاء فى لبنان فى الرأى مع الشهيد رفيق الحريرى انفجرت فيه سيارته، ولما لم ترض الجماعات الاسلامية عن سياسات انور السادات وحاورته بالرشاشات وعندما فشل الاسلام السياسى فى الحكم بعد ثورة 25 يناير لجأ الى الارهاب ولم يتحمل رأى الملايين التى خرجت ضده.
علينا أن نعترف أيضا أن نظمنا التعليمية والأسرية فرضت مساحة محدودة للمناقشة فلم نتعود الاعتراض ولم نتقن أساليبه، اضف إلى ذلك اليأس من أن المعارضة غير مجدية ولن تغير الأمر الواقع فى كثير من الاحيان فنجد الكثير منا وقد طارت منهم العبارات الطائشة التى لا تصيب أهدافا ولكنها تدمر قيما مجتمعية من الصعب اعادة غرسها وتضر أكثر مما تنفع.
مازالت المعارضة كطرف أساسى فى الممارسة الديمقراطية غائبة لدينا، ومهما تشدقنا بحرية التعبير والحراك السياسى نظل بعيدين عن الممارسة الحقيقية للديمقراطية، فالمعارضة معناها الحقيقى هى الضوء الذى ينير الطريق للحاكم والمحكوم، وهى الرأى الآخر الذى اذا اتسم بالحيادية والموضوعية يعطينا البدائل المناسبة للسياسات القائمة ولا أبالغ عندما نقول إنها  للحاكم أنفع منها للمحكوم فهى ناقوس الخطر حين يستلزم الأمر وهى التى تطيل عمر النظام وتحارب العنف. فيختفى شبح العمل السرى وغيرها من أشكال المعارضة غير المنظمة.
الديمقراطية ليست فقط قبول الرأى الآخر باعتبار المعارضة السياسية مكونًا أساسيًا لها ولكنها ايضا تشمل كيف تكون المعارضة؟ ومتى؟ ولأى غرض يتم طرح الرأى الآخر؟ وما هو البديل الذى يقدمه صاحبه ولعل اهم من ذلك كله ، ما هو مضمون الاعتراض؟